من عينيه الذابلتين بفعل الأسر، تقفز ابتسامة عفوية وتحيط نظراته بأطفاله الخمسة الذين حرم منهم ولم يعلم عنهم شيئا على مدار 11 شهرا.. إنها 'لحظة ميلاد جديد'، كما يصفها المحرر نضال النخالة.

ويناقض هذا الفرح، حالة من الحزن والترقب طغت عليه، عندما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في 22 مارس/آذار 2024، من قلب شقة نزح إليها في إثر العدوان المكثف ضمن حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يعود المحرر النخالة (42 عاما) إلى ذلك التاريخ، قائلا لـ 'فلسطين أون لاين': اعتقلني الاحتلال بعد اقتحامه مستشفى الشفاء، وكنت نازحا قسرا مع أسرتي في شقة بمحيطها، وحينها أجبر الاحتلال ما يقارب 13 عائلة على النزول من المبنى.

وفي إطار مساعيه للتطهير العرقي في شمال قطاع غزة، أجبر الاحتلال النساء والأطفال على النزوح مرة أخرى لكن إلى جنوب القطاع، واقتاد الرجال وأعدم معظمهم، وفق إفادة النخالة.

وكان مصير النخالة أن اقتاده الاحتلال إلى التحقيق الميداني ثم زجه في سجونه بعيدا عن زوجته وأطفاله، ليبدأ رحلة معاناة لم ير مثيلا له من قبل.

عن ذلك، يقول: بعد التحقيق الميداني نقلوني إلى سجن 'سدي تيمان' سيء الصيت، وهناك انهالوا علي بالضرب والتكسير وهي عادة الاحتلال في التعامل مع الفلسطيني فور اعتقاله.

ويشير إلى أن محققي الاحتلال يتعمدون الضرب على منطقة الصدر والقفص الصدري بالهراوات والأيدي محاولين كسره، فهم يريدون للمعتقل أن يتعذب.

وبحسب النخالة، تتفاوت حدة الضرب من معتقل لآخر، فمن مبررات الاحتلال لزيادته علاقات المعتقل بشخصيات فلسطينية معينة.

و'سدي تيمان' هو سجن في قاعدة عسكرية بصحراء النقب المحتل على بُعد 30 كيلومترا من قطاع غزة في اتجاه مدينة بئر السبع. أنشأه جيش الاحتلال مباشرة بعد بداية عدوانه على غزة في السابع من أكتوبر 2023، ونقل إليه العديد ممن اعتقلهم في غزة، بينهم أطفال وشباب وكبار في السن.

وتؤكد تقارير حقوقية وإعلامية أن جنود الاحتلال ارتكبوا في هذا السجن انتهاكات حقوقية فظيعة في حق المعتقلين، وأذاقوهم فيه مختلف أصناف التعذيب والإهانة.

ومن أساليب الاحتلال للتعذيب كما يوضح النخالة ما يسمى 'الديسكو' حيث يشغل محققو الاحتلال الأغاني ويجبرون المعتقل على القفز ويضربونه لدفعه إلى الاعتراف بتهم منسوبة إليه حتى لو لم يقم بها فعلا.

'انتقام غريزي'

ويسعى محققو الاحتلال إلى جمع معلومات من المعتقلين عن الفلسطينيين وعلاقاتهم ببعضهم في محاولة للوصول لبعض القياديين أو غيرهم.

ويصف سلوك الاحتلال بأنه 'انتقام غريزي. إنهم قتلة الأنبياء وهذا ليس غريبا عليهم'.

ويؤكد أن فترة حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة التي استمرت 471 يوما هي 'الأسوأ في تاريخ الصراع على المعتقلين'.

ويقول: إن من أسباب ذلك تعمد الاحتلال إخفاء المعلومات عن المعتقلين، وعدم معرفتهم بما يدور خارج السجن في ظل الحرب، وما مصير عائلاتهم.

وفي المقابل، يمكن أن يمرر الاحتلال أخبارا مغلوطة لإحباط المعتقلين والنيل من عزائمهم.

يضيف: لمدة 10 أشهر لم أكن أعلم عن عائلتي شيئا، إلا عندما حضر محام جديد وكان ممنوعا من إخباري بشيء سوى أن أهلي بخير، وبعد 20 يناير/كانون الثاني 2025 أبلغني بأن صفقة تبادل أسرى أبرمت.

ويبين أن المعتقلين يخضعون لضغط نفسي كبير في إثر ذلك، خصوصا عندما يعلمون من معتقلين جدد أن شمال قطاع غزة دمر بالكامل فيساورهم القلق على مصير عائلاتهم.

وفي 'سدي تيمان' يجبر السجانون المعتقل على الجلوس على الأرض معصوب العينين ومقيد ممنوع من النوم أو الاستراحة ولو لدقائق معدودة، ويطال التعذيب النواحي الصحية للمعتقلين وإهمالهم طبيا، يواصل شهادته.

ويوضح أن المعتقلين يواجهون مشكلات في الطعام أيضا، فكل منهم لا يجد سوى رغيف يأكله على ثلاث فترات.

ويواجه المعتقلون كل صنوف العذاب، بما يشمل سب وشتم آبائهم وأمهاتهم.

ويقول النخالة: إن الاحتلال يدعي أمام العالم احترامه حقوق الأسرى بعكس الحقيقة، ويتعمد الابتعاد عن أي كاميرات أثناء تعذيبه للفلسطينيين.

ويضيف: يستعين الاحتلال أثناء تفتيش المعتقلين بمصارعين من شركات أمنية وهم ذوو أجساد ضخمة ويصيبون الفلسطينيين بالكسور.

وبعد ثلاثة أشهر من مكوثه في 'سدي تيمان'، نقل النخالة إلى سجن عوفر غربي رام الله، وكان المعتقلون يقبعون مقيدين في تسع غرف هناك.

يفيد النخالة بأن الاحتلال حاكمه مرتين بتهم تتعلق بالانتماء لتنظيم فلسطيني، وفي كل منهما حوله للاعتقال ستة أشهر يتم تجديدها.

ويصف المدة التي قضاها في سجون الاحتلال بأنه 'قبر مظلم'.

وعن تحرره بموجب اتفاق وقف العدوان على غزة وتبادل الأسرى، يقول: كنت متسلحا بالقرآن والسنة النبوية ومطمئن القلب بأن هذه اللحظة ستأتي، وهي فرحة أرجو أن ينالها جميع أسرانا.

وعمد النخالة فور تحرره ضمن الدفعة السابعة الخميس إلى نزع ملابس بشعارات عنصرية أجبره الاحتلال ورفاقه المحررين على ارتدائها.

وشملت الدفعة السابعة والأخيرة من المرحلة الأولى للاتفاق، 642 أسيرا منهم: 151 أسيرا من أصحاب المؤبدات والأحكام العالية إضافة إلى 445 أسيرا من معتقلي غزة بعد 7 أكتوبر، و46 من النساء والأطفال.

واعتقل جيش الاحتلال آلاف الغزيين بينهم نساء وأطفال، من مختلف مناطق قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية وسط شهادات عن عمليات تعذيب ممنهج بحق المعتقلين.

ويصف النخالة تحرره بأنه تاريخ لولادة جديدة بعد ولادته في 18 أكتوبر/تشرين الثاني 1982، راجيا الوصول إلى مرحلة 'تبييض السجون'.