اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ حزيران ٢٠٢٥
على سرير داخل مستشفى عبد العزيز الرنتيسي في مدينة غزة، يتمدد الطفل أنس الترامسي، مغمض العينين، محاطًا بأجهزة التنفس وبعض الأدوية التي بالكاد تخفف عنه الألم.
لم يكن هذا ما حلمت به والدته، غدير الترامسي، التي انتظرته ستة أعوام كاملة. ففي يوم ميلاده الأول، لم يحتفل أنس بالكعكة أو البالونات، بل أمضى يومه في صمت داخل غرفة العلاج، يتنفس بصعوبة، محرومًا من أبسط حقوق الطفولة، بسبب الحرب الدامية التي تعصف بقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
تجلس الترامسي بجوار نجلها 'أنس'، تتأمله بعينين دامعتين، وتدعو الله عز وجل أن ينقذه من براثن المرض، وأن يُسمح بإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية التي تمنعها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان.
وتقول الأم بحرقة لصحيفة 'فلسطين'، 'ابني جاء بعد سنوات من الانتظار، والآن هو بين الحياة والموت بسبب نقص الأدوية. لا نعلم متى تنتهي هذه الحرب'.
وتروي تفاصيل معاناة ابنها، إذ بدأت حالته الصحية تتدهور قبل نحو شهر ونصف، عندما ظهرت بثور على رأسه. تحسنت حالته قليلًا بعد تلقيه العلاج، لكنها سرعان ما انتكست مجددًا، وبدأت تظهر على جسده حبوب متغيرة اللون، استدعت تدخلًا جراحيًا لإزالتها. ثم توالت المضاعفات، وظهرت تقرحات أخرى، لتصبح حالته أكثر تعقيدًا.
اصطدمت غدير، كغيرها من أمهات غزة، بواقع طبي كارثي؛ فالأدوية شبه معدومة، والمستلزمات الصحية شحيحة. وتقول: 'أحاول شراء ما أستطيع على نفقتي الخاصة، لكن الأسعار مرتفعة جدًا، والأدوية الضرورية غالبًا غير متوفرة، والمستشفى لا يملك إلا القليل، فيما يمنع الحصار إدخال الباقي'.
شح الأدوية
ليست قصة 'أنس' الوحيدة. ففي مخيم النزوح بمنطقة الشيخ رضوان، شمال غرب مدينة غزة، تعيش نجوى عبد الحميد داخل خيمة لا تقيها ولا أطفالها من حر الصيف، ولا من الأمراض المنتشرة.
تقول عبد الحميد، وهي أم لأربعة أطفال، لمراسل 'فلسطين'، 'منذ أن نزحنا بعد قصف مدينة بيت لاهيا ونحن نعيش هنا في ظروف لا يمكن وصفها؛ لا ماء، لا نظافة، لا دواء، حتى الهواء مشبع بالغبار والمرض'.
تضيف، أن جسد ابنها امتلأ مؤخرًا بحبوب حمراء، ظنتها في البداية جدريًا، لكن الطبيب أخبرها بأنها مجرد حساسية ناتجة عن قلة النظافة وسوء البيئة المحيطة.
وتشير إلى أن أبناءها الأربعة أصيبوا بأمراض جلدية مختلفة، وتضطر إلى استخدام مياه مالحة لتحميمهم بسبب ندرة المياه العذبة، وغياب مواد التنظيف الأساسية.
وتحاول الأم التخفيف عنهم بما توفر من مراهم حصلت عليها من نقطة طبية في المدينة، لكنها، كما تقول، 'لا تجدي نفعًا بسبب ضعف فعاليتها وغياب الأدوية الأساسية. الصيدليات فارغة، والمستودعات خاوية، وحتى إن توفر شيء، لا نستطيع شراءه بسبب غلاء الأسعار'.
وضع كارثي
منذ بداية الحرب المدمرة على قطاع غزة، تشهد المنظومة الصحية انهيارًا غير مسبوق. آلاف الجرحى والمرضى، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، يصارعون الموت في مستشفيات مهددة بالإغلاق بسبب نفاد الأدوية والمستهلكات الطبية، ولاستهدافها المتكرر من قبل جيش الاحتلال.
وأطلقت وزارة الصحة في القطاع مرارًا نداءات استغاثة للمجتمع الدولي، محذرة من كارثة صحية وشيكة، إلا أن الاحتلال لا يزال يفرض حصارًا مشددًا ويمنع دخول الاحتياجات الطبية.
ولاحظ مراسل 'فلسطين' أن الوضع ازداد سوءًا مع استمرار موجات النزوح، إذ تنتشر الأمراض المعدية والجلدية بسرعة داخل المخيمات التي تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط النظافة والسلامة. فبعض الأطفال يتعافون فقط لأن ذويهم تمكنوا من الحصول على الدواء بطرق استثنائية أو عبر مساعدات نادرة، بينما يعاني آخرون في صمت.
في كل زاوية من زوايا غزة، هناك قصة طفل يتألم، وأم تواسيه، وممرض يقف عاجزًا عن فعل شيء. المستشفيات تعمل فوق طاقتها، وأعداد المرضى في ازدياد، فيما لا تزال الحرب تفتك بالبشر والحجر، وتحرم آلاف الأطفال من حقهم في الحياة.