اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
تقرير _ شهاب
في جريمة جديدة هزت الضمير الإنساني، ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم مجزرة مروعة بحق آلاف المدنيين الفلسطينيين الذين تجمّعوا في منطقة 'مواصي رفح' جنوب قطاع غزة للحصول على مساعدات غذائية، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 35 مدنيًا وإصابة أكثر من 150 آخرين.
المجزرة وقعت عند نقطة توزيع مساعدات تديرها 'مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية' (GHF)، وهي منظمة أمريكية تعمل بإشراف الاحتلال، ضمن ما يُعرف بـ'الآلية الأمريكية-الإسرائيلية' لتقديم الإغاثة في المناطق الجنوبية من القطاع.
وأكد شهود عيان أن مرتزقة يرتدون زيًا أمنيًا تابعًا للشركة الأمريكية المكلفة بتأمين المساعدات، شاركوا إلى جانب جنود الاحتلال في إطلاق النار، ما يكشف عن تورط مباشر للولايات المتحدة في الجريمة، ليس فقط عبر الدعم السياسي والعسكري، بل من خلال شركائها على الأرض.
ويأتي هذا الهجوم في وقت تروج فيه الإدارة الأمريكية لجهودها في 'تقديم المساعدات'، لتتحول هذه المساعدات اليوم إلى غطاء لارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق المدنيين الجوعى.
هذه المجزرة ليست الأولى من نوعها، بل تأتي بعد سلسلة حوادث مشابهة استهدفت مراكز توزيع المساعدات في شمال ووسط وجنوب القطاع، ويؤكد مراقبون أن الاحتلال يستخدم الحصار والتجويع كأدوات حرب لإخضاع السكان، في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.
'جريمة متكاملة الأركان'
المرصد الأورومتوسطي وثّق عبر فريقه الميداني إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي النار تجاه آلاف المدنيين الذين تجمعوا فجر اليوم الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، في حي تل السلطان في رفح جنوبي قطاع غزة، قرب نقطة مساعدات أقامها الجيش الإسرائيلي، ما أدّى إلى استشهاد نحو 35 مدنيًا – بينهم امرأتان – على الأقل في حصيلة أولية غير نهائية وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح، وفقدان عدد آخر غير محدد، فيما تبقى أعداد الشهداء مرشحة للارتفاع نظرًا لوجود عدد كبير من الإصابات الخطرة، والتدني الحاد في مستوى الرعاية الصحية بسبب الحصار والاستهداف الإسرائيلي للمنظومة الطبية.
وذكر المرصد أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي والمنظمة الأمريكية التي أسسها، وجّه الفلسطينيين لاستلام مساعدات من المنطقة، وطلب منهم الانتظار حتى الساعة السادسة صباح اليوم، للمرور عبر بوابات التفتيش للحصول على المساعدات، قبل أن يستهدفهم بإطلاق نار مباشر من طائرات “كوادكابتر” المسيّرة، ومن ثم بقذائف الدبابات، إلى جانب إطلاق عناصر الشركة الأمريكية قنابل الغاز على جموع المُجوَّعين، ما أدى إلى وقوع عشرات الضحايا وحدوث تدافع كبير للهروب من الموت وإطلاق النار.
ونقل المرصد عن شهود عيان، أن المنظمة الأميركية تُحضر كميات محدودة من طرود المساعدات، وتُوجه عشرات آلاف الفلسطينيين إلى منطقة التوزيع الخطرة، وهناك تستهدفهم القوات الإسرائيلية بالرصاص والقذائف، ومن ينجو ويتمكن من الوصول لساحة التوزيع يتفاجأ أن كمية المساعدات محدودة، وبالتالي يتنازع المواطنون من أجل الحصول عليها.
في إفادته قال “م. ص”: تجمع مئات المواطنين قرب دوار “العلم” (شمال غربي رفح) منذ الساعة الثانية فجرًا، وفجأة قدمت طائرة “كواد كابتر” وبثّت عبر مكبّرات الصوت المثبتة عليها: حفاظاً على سلامتكم يمنع الاقتراب من “الحلابات” (بوابات التفتيش) إلا بعد الساعة السادسة صباحًا. ورغم ذلك، تقدمت مجموعة كبيرة من الناس نحو الطريق المؤدي لنقطة التوزيع والذي يُفترض أنّه آمن، فخرجت طائرة “كواد كابتر” وأطلقت النار بشكل مباشر على الناس وأوقعت فيهم إصابات متعددة وكثيرة، بعد ذلك اصطدمت الطائرة بعمود كهرباء وسقطت على الأرض، وإثر ذلك أطلقت قوات الاحتلال القذائف بشكل عشوائي على الناس ليصبح المشهد مجزرة مروعة، وبالتزامن، أطلق عناصر الأمن الأمريكيون قنابل غاز على الناس المتواجدة بالخلف لتفريقهم وإبعادهم”.
وفي إفادة أخرى، قالت “ف. ع”: 'رغم المجزرة وبسبب الجوع بقي مئات المواطنين في المنطقة، وعند الساعة السادسة صباحًا، قدمت طائرة “كوادكابتر” وقالت: توجهوا نحو “الحلابات”، وكانت أعداد الناس كبيرة جدًا. كنت وسط الزحام وعندما وصلنا ساحة التوزيع، كان هناك ثمانية “مشاطيح” (منصّات خشبية تُحمّل عليها البضائع) محملة بالكراتين (طرود المساعدات) مقابل العدد الكبير جدًا من الناس، تسابقت الجموع للحصول على الكراتين دون أي نظام. بقينا واقفين في المكان على أمل إحضار المزيد من المساعدات ولكنهم طلبوا من المغادرة والعودة صباحًا”.
وتكرر مشهد استهداف المجوعين قرب نقطة توزيع المساعدات شمالي المحافظة الوسطى، حيث استشهد مواطن وأصيب 26 آخرون بجروح، صباح اليوم.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ إصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في آلية توزيع المساعدات على هذا النحو، ووضع نقاط التوزيع في أماكن خطيرة، وإحضار كميات قليلة من المساعدات يوميًّا دون نظام للتوزيع أو المستحقين، يعني وجود سياسة متعمدة لخلق حالة فوضى متعمدة وإثارة صراع بين المجوعين منذ ثلاثة أشهر.
وأشار إلى أن الحصيلة الأولية لعدد الضحايا قرب نقاط التوزيع منذ الثلاثاء الماضي بلغت 41 شهيدًا، ونحو 300 جريح، إلى جانب عدد من المفقودين.
'توظيف مجرم لسلاح التجويع'
ومن جانبه، أدان رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني 'حشد'، صلاح عبد العاطي، المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال 'الإسرائيلي'، بإطلاق النار على مئات المدنيين الفلسطينيين الذين تجمعوا أمام أحد مواقع توزيع المساعدات الأمريكية-الإسرائيلية غرب مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
وأشار عبد العاطي خلال حديث خاص لوكالة 'شهاب' للأنباء، إلى وقوع جريمة مشابهة في وسط قطاع غزة على محور 'نتساريم'، حيث أطلقت قوات الاحتلال النار على مواطنين كانوا يتجمعون قرب نقطة توزيع مساعدات، ما أدى إلى استشهاد مواطن وإصابة العشرات بجراح.
وأكد رئيس 'حشد' أن قوات الاحتلال حولت نقاط توزيع المساعدات إلى 'مناطق قتل وفوضى وإذلال'، محذرًا من أن حصيلة ضحايا هذه الآلية، منذ بدء تنفيذها في 27 مايو الجاري، بلغت حتى الآن 49 شهيدًا ونحو 250 إصابة، إضافة إلى عشرات المفقودين، وهو ما وصفه بأنه 'توظيف مجرم لسلاح التجويع والمساعدات الإنسانية ضد سكان غزة'.
ودعا عبد العاطي المجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والقانونية لوقف 'جريمة الإبادة الجماعية'، مطالبًا بإلغاء آلية توزيع المساعدات الحالية، وضمان إيصال المساعدات عبر الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وعلى رأسها وكالة 'أونروا'.
كما طالب باتخاذ خطوات دولية عاجلة لتوفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، وتفعيل آليات المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل، ومحاسبة قادتها أمام القضاء الدولي.
'فخ لقتل الفلسطينيين'
فيما وصف محمد مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين قرب مراكز توزيع المساعدات الأمريكية بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك صارخ لكافة الأعراف والقوانين الدولية.
وقال مهران، خلال حديث خاص لوكالة 'شهاب' للأنباء، إن ما حدث قرب مراكز توزيع المساعدات يكشف بوضوح عن طبيعة الكيان الإسرائيلي الإجرامية التي لا تراعي أي اعتبارات إنسانية أو قانونية، مضيفًا أن استهداف المدنيين الجوعى الذين يسعون للحصول على الطعام يمثل قمة الوحشية والإجرام.
وأوضح الخبير القانوني أن القانون الدولي الإنساني يوجب على القوات المحتلة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وحمايتهم أثناء حصولهم عليها، مشيراً إلى أن ما فعلته 'إسرائيل' يعد انتهاكاً مباشراً للمادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على واجب القوة المحتلة في ضمان التموين والإمدادات الطبية للسكان المحتلين.
وانتقد مهران بشدة الآلية الأمريكية الجديدة لتوزيع المساعدات، قائلاً إنها تحولت إلى فخ للمدنيين الفلسطينيين بدلاً من أن تكون وسيلة لإنقاذهم من المجاعة.
كما بين أن هذه الآلية مصممة لخدمة الأهداف الإسرائيلية في التحكم والمراقبة وليس لتقديم المساعدة الإنسانية الحقيقية، محذرًا من أن استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه والبيانات البيومترية في عملية توزيع المساعدات يحول هذه العملية الإنسانية إلى أداة للمراقبة والقمع، مؤكداً أن هذا يتعارض مع مبادئ العمل الإنساني الأساسية.
وأشار مهران إلى أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة التي حذرت من هذا النظام ورفضت التعاون معه تؤكد صحة التحليل القانوني الذي يصف هذه الآلية بأنها نظام سيطرة وليس آلية إنسانية.
ولفت إلى أن الجوع الشديد الذي يعانيه سكان غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ ما يقارب 20 شهرا هو ما دفع الآلاف للتجمع قرب مراكز التوزيع، مما جعلهم هدفاً سهلاً للقوات الإسرائيلية التي لم تتردد في إطلاق النار عليهم.
وأكد مهران أن استخدام الجوع كسلاح حرب من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية يشكل جريمة ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مطالباً بالتحقيق الفوري في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها.
وشدد الخبير الدولي بالقول إن ما يحدث في غزة من استهداف للمدنيين العزل الذين يسعون للحصول على الطعام يمثل أحلك فصول الإجرام الإسرائيلي، مؤكداً أن المجتمع الدولي مطالب بالتدخل الفوري لوقف هذه المجازر وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ومستقل عن أي تدخل إسرائيلي.