تُعتبر الزراعة في سوريا ركناً أساسياً في الاقتصاد السوري، وتشكل مصدراً هاماً للأمن الغذائي والدخل المادي، إذ توفر فرص عمل للآلاف من السوريين، نتيجة لمهارة اليد العاملة وصلاحية الأراضي لإنتاج محاصيل متنوعة. شكّل التناغم بين هذه العوامل الأساس لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بل والتصدير إلى البلدان الأخرى لكثير من المحاصيل في أغلب الأوقات. ولكن حتى تستعيد الزراعة دورها المهم في سوريا، ما زالت تعترضها تحديات عديدة.

ريف إدلب الجنوبي، الذي كان من أهم المناطق الزراعية في سوريا بفضل تنوعه المناخي، يعاني اليوم من تحديات واسعة في القطاع الزراعي، تتجسّد هذه التحديات في صعوبة استعادة عافيته الاقتصادية وإنتاجه الزراعي، نتيجة لسنوات من سيطرة نظام الأسد المخلوع عليه، واتباعه سياسة الأرض المحروقة، وتدمير البنية التحتية الزراعية، بعد تهجير أصحاب الأرض قسراً.

ريف إدلب انهار زراعياً

خسر ريف إدلب الجنوبي العديد من مناطقه وأراضيه بعد سيطرة نظام الأسد المخلوع عليه، مع تقدمه الأخير عام 2019، حيث وصل إدارياً إلى الحدود الجنوبية لمدينة البارة، لتتقلص المساحة المزروعة إلى أقل من النصف نتيجة تدمير بنيتها التحتية. ومع استعادة الأهالي لأراضيهم الزراعية، وجدوا أنفسهم أمام تحدٍّ جديد في إعادة إنتاجهم الزراعي.

وعن الواقع الزراعي، تحدّث لموقع تلفزيون سوريا 'مصطفى موحد' مدير الزراعة والإصلاح الزراعي بمحافظة إدلب، قائلاً: 'كانت المساحة المستثمرة في ريف إدلب الجنوبي نحو 47,000 هكتار، وعدد أشجار الزيتون 4 ملايين شجرة، والفستق الحلبي 550 ألف شجرة. وأهم المحاصيل فيه القمح والشعير، التي يعتمد عليها السكان إلى حد بعيد، إضافةً إلى المحاصيل الطبية والعطرية مثل الكمون واليانسون وحبة البركة، ناهيك عن الخضروات مثل البندورة والكوسا والباذنجان. وبعد تقدم نظام الأسد على الريف الجنوبي، خسرنا بين 40 إلى 50 بالمئة من أشجار الزيتون والفستق الحلبي، نتيجة لحرقها أو قطعها من قبل عناصر النظام المخلوع'.

من جهته، تحدّث 'جهاد جاسم' المهندس الزراعي لموقع تلفزيون سوريا، قائلاً: 'كان ريف إدلب الجنوبي يمتاز بمحاصيله المروية بشكل أساسي، حيث كانت طبيعة الأرض ووفرة الماء إلى حد كبير سبباً في إنتاج نوعية محاصيل ممتازة، ولا سيما القمح والبطاطا والشوندر السكري في أراضي مدينة خان شيخون وريفها خاصة. والتي كانت تشكل النسبة الكبيرة من الإنتاج المحلي، ولكنها تراجعت إلى أقل من الحد الأدنى، بل لم تعد تُزرع أغلب الأراضي نتيجة لسيطرة قوات النظام عليها ونزوح المزارعين منها'.

الأسد دمّر الإنتاج الزراعي

ما إن سقط نظام الأسد، عاد المزارعون ليتفقدوا أراضيهم، فواجهوا صدمة بحجم الدمار الهائل الذي فاق كل التوقعات. 'علي الإبراهيم'، أحد أصحاب الأراضي في ريف مدينة كفرنبل، حدثنا عن الواقع المأساوي، قائلاً: 'كانت أقصى أمانينا العودة إلى البلاد والأرض. نعم، كنا نعلم – ولو قليلاً – أن البيوت والبنية التحتية مدمرة، وكنا نعزي أنفسنا بأننا يمكن أن نعمرها اعتماداً على إنتاج أراضينا من الناحية المادية، ولكن نظام الأسد دمّر البيوت والأراضي والمحاصيل معاً، لنرجع إلى تحت الصفر'.

من جهته، قال 'علاء البرهو' لموقع تلفزيون سوريا: 'قبل النزوح، كان إنتاج أرضي من زيت الزيتون فقط نحو 216 صفيحة، وأبيع الفائض عن الحاجة. كانت أموري المادية على ما يرام، وكنت أتوقع أن أجد بعض الأشجار سليمة، ولكن خاب ظني بعد أن قطع نظام الأسد عشرات الأشجار المثمرة. ومن المعلوم أن كل شجرة زيتون تحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات لتبدأ بالإنتاج، وتصل إلى الإنتاج الكامل ما بين 10 و15 سنة، وهذا أمد زمني بعيد يضاف إلى معاناتنا ومحاولتنا لتخطي هذا الأمر'.

بعد سنوات من الركود.. أي القطاعات ستحمل لواء النهوض الاقتصادي في سوريا؟

وقال 'محمد نجم'، من أهالي مدينة خان شيخون: 'كانت تردنا صور وأخبار عن الواقع الزراعي في المدينة، كونها كانت مأهولة من بعض العائلات. بالنسبة لحقلي، الذي كان يضم 150 شجرة بعمر 40 سنة تقريباً، فقد كان ينتج من 2 إلى 5 أطنان من الفستق، وهو محصول بمردود مالي مقبول جداً. واليوم، نحو نصف الأشجار محروق بشكل كامل أو جزئي، وبالتالي لا جدوى من ثمارها بسبب إشعال عناصر النظام السابق النار فيها، كون أرضي كانت تقع على خطوط تمركز عسكري في بداية التقدم'.

تدهور قطاع الزراعة

تواجه الزراعة، بعد العودة إلى ريف إدلب الجنوبي، تحديات كبيرة نتيجة للظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة بسبب الحرب والنزوح. ومن أبرزها:

قلّة الأمطار والتقلبات المناخية.

التراجع في زراعة القمح بسبب غلاء المحروقات وتدهور العائد الاقتصادي.

تدهور زراعة الأشجار المثمرة عموماً.

انتشار الألغام التي زرعها النظام المخلوع.

قلّة الدعم الزراعي.

وهذا بحسب 'مصطفى موحد'، مدير مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في محافظة إدلب.

من جهته، تحدث المهندس الزراعي 'جهاد الجاسم' عن أبرز المعوقات الزراعية، قائلاً: 'أهم المشاكل التي تواجه القطاع الزراعي هو التأثير الكبير لجرائم نظام الأسد المخلوع على الأراضي، إذ تُقدّر مساحة الأراضي التي قام النظام بقطع أشجارها أو تخريبها بـ2500 كيلومتر مربع، تمتد من ريف حماة جنوباً إلى ريف معرة النعمان الشرقي، وصولاً إلى سهل الغاب غرباً. إضافة إلى تدمير الآبار وشبكات الري وسرقتها، ولجوء الناس إلى الزراعات البعلية مع فارق كبير في الإنتاج. فعلى سبيل المثال، الدونم المروي ينتج تقريباً 550 كيلوغراماً من القمح، أما غير المروي فينتج نحو 200 كيلوغرام فقط'.

وأضاف: 'وهناك تحدٍ جديد يتمثل بوصول دفعات غير فعالة وغير منتجة من البذور والأسمدة من دول الجوار، والتي لا تعود بفائدة مرجوة للأراضي، إنما فقط خسارة أموال مقابل ثمنها'.

الحلول والمقترحات

تحدث 'مصطفى موحد'، مدير الزراعة والإصلاح الزراعي بمحافظة إدلب، عن الخطوات التي يمكن اتخاذها لمعالجة الواقع الزراعي، قائلاً: 'الحلول المقدمة في الوقت الحالي ضعيفة، حيث تم تأمين 10,000 غرسة زيتون و10,000 غرسة فستق حلبي من مشاتل وزارة الزراعة بسعر رمزي، كما تم تأمين 50,000 غرسة زيتون عن طريق منظمة إكساد'. وأضاف: يمكن اتخاذ خطوات منها:

دعم المزارعين بالمستلزمات الزراعية من خلال توفير بذور وأسمدة بأسعار ملائمة.

تحسين تقنيات الري وترشيد استخدام المياه.

اتباع دورة زراعية وتنويع المحاصيل.

إعادة تأهيل الأراضي الزراعية وإزالة الألغام.

التعاون مع المنظمات الدولية من أجل تقديم الدعم للمزارعين.

من جهته، تحدث المهندس الزراعي 'إسماعيل قطوف' عن مقترحات إضافية لمعالجة الواقع الزراعي، قائلاً: 'يجب القيام بالتخطيط الناجح لمساعدة المزارعين على إعادة تفعيل أنظمة الري والآبار، وزراعة أصناف جديدة، وتأمين إعادة تشغيل برادات حفظ الإنتاج، وإيجاد أسواق تصريف مناسبة، وتقديم قروض إسلامية لشراء الآلات والمستلزمات الزراعية المطلوبة'. وأضاف: 'باختصار، يجب التعاون بين المزارع والفني والدولة والمنظمات والمجتمع المدني لإيجاد خطة عمل متكاملة يساهم فيها الجميع للنهوض بالواقع الزراعي، الذي يحتاج – بحسب تقديري – إلى سنتين كحد أدنى ليعود إلى سابق عهده'.

ولفت المهندس الزراعي 'جهاد الجاسم' النظر إلى أهمية اعتماد الدولة وأصحاب القرار في القطاع الزراعي على الزراعات العضوية، التي لا يُستخدم فيها مخلفات كيميائية، والتركيز على مشاريع تربية الديدان لإنتاج سماد 'فيرمي كومبوست' الغني بالمواد الغذائية اللازمة للنبات، مما يرفع مستوى صحة المحاصيل، ويوفر القطع الأجنبي في حال تصديرها.