اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يقدم الفنان العراقي «حسن الصباغ» درس في الابتكار الفني، حيث يقدم لنا مزيجاً من الألوان والصور والنصوص التي تخلق قصة لا تُقال بشكل مباشر ولكن تُشعر بالقوة. التفاعل بين الأشكال والمواد يمنح لوحاته عمقاً ورؤية متعددة الأبعاد، مما يجعلها أكثر من مجرد عمل فني، بل دعوة للتفكير والتساؤل. إن القدرة على المزج بين الأساليب البصرية المختلفة مع الحفاظ على رسالة واضحة يعكس عبقرية فنية استثنائية. إذ تتميّز أعماله بتألّق بصري، عمق فكري، وحساسية عاطفية في التعامل مع القضايا الإنسانية. وأيضا الفعالية العميقة للفن كأداة للتواصل والتمثيل الداخلي للبشر، وهو دعوة لنا جميعاً للتفكير في واقعنا الذاتي والاجتماعي من خلال منظور فني مبتكر ومتعدد الأبعاد. الخامات المتعددة في لوحاته تُمثل كيف أن الأفراد يندمجون في الأيديولوجيات أو الرسائل الثقافية السائدة، وكيف أن هذه الرسائل تؤثر في تكوين شخصياتنا وهوياتنا. إذ يعمل الفنان على ربط الماضي بالحاضر، حيث تتداخل الصور الحيّة مع الكلمات التوثيقية التي تحاول أن تضع الأمور في إطار اجتماعي أو سياسي معيّن.
تحمل أعماله بُعداً اجتماعياً وثقافياً واضحاً. النصوص المكتوبة بالعربية تعطي سياقاً اجتماعياً وثقافياً عميقاً للعمل. ربما تعكس هذه الكلمات مشاعر أو مواقف معيّنة من خلال التفاعل مع العالم المعاصر. إذ لا تقتصر هذه الرسائل على كونها مجرد «إضافات» فنية، بل هي جزء من الحكاية التي يحاول الفنان أن يرويها، حتى وإن كانت غير واضحة بالكامل. فأعماله ليست فقط استكشافاً للذات، بل دعوة للتأمّل في محيطنا الاجتماعي والسياسي. كما أن التوزيع الهندسي للألوان يخلق تأثيراً ديناميكياً، يكسر الحدود التقليدية لتمثيل الواقع البصري. إذ تبدو الوجوه متساقطة أو منحرفة من زوايا غير اعتيادية، مما يعزز الشعور بعدم الاستقرار والتمزق الداخلي. هذه التقنية لا تُظهر فقط الوجوه والأشكال، بل تعكس تحوّل الشخصيات النفسية مع كل لحظة.
لوحاته بمجملها تُظهر تداخلاً معقّداً لعدة عناصر بصرية: رسم لأشخاص بأوجه شبه شفافة وألوان مُتداخلة، تتخللها قصاصات من الصحف والمطبوعات. تخلق هذه الفوضى المتعمّدة طبقات متعددة من التفسير، حيث يعكس كل عنصر تأثيره في الآخر. يمكن رؤية الوجوه المشوَّهة أو المُبعثرة في العمل، مما يعكس تقاطع أفكار أو مشاعر متناقضة. فالرسم لا يعكس صورة ثابتة، بل يعكس حالة ذهنية متغيّرة، قد تكون مرتبطة بالصراع الداخلي، التشتت أو التحوّلات العاطفية التي يمرّ بها الإنسان في حياته اليومية.. ومع الفنان العراقي حسن الصباغ أجريت هذا الحوار:
{ الشخصيات الظلية المتناثرة في لوحاتك تبدو وكأنها تجسّد شظايا من الذات أو أشباح من الذاكرة، هل يمكن أن تخبرنا عن معنى وجودهم وكيف يرتبطون بقصة اللوحة؟
- لوحاتي تحاكي أرواح الناس المنعكسة على حركات أجسادهم. الغالب فيهم أناس أنهكتهم الحروب والصراعات. أو نساء حملن الكثير من الهموم والأوجاع... هم أشباح فعلا يتحركون على الأرض باغتراب كأن الأرض ليست أرضهم...
{ هل تشعر أن بعض اللوحات تعكس حالة من الحصار أو القيد النفسي والاجتماعي؟ وكيف يعبّر الخط الأسود المنحني في لوحة من لوحاتك عن هذا الحصار؟
- اللون الأسود عندي ليس من الممنوعات في الرسم كما يشيع أنصار الواقعية. لذلك فهو المحدد البارز الذي استخدمه لإبراز ما أريد وإخفاء ما أريد.. اللون الأسود يخرج كل شيء من عتمته، فيظهر للمشاهد أكثر وضوحاً لضعاف البصر!!! والأشخاص في لوحاتي يحلمون بالانعتاق من المظالم المحيطة حولهم، لذلك هم على الأغلب محاطون بالسواد.
{ كيف توازن بين التجريد والتعبير في لوحاتك؟ وهل تجد أن التجريد يعزز من قوة التعبير أو يقلل من وضوح الرسالة؟
- التجريدية والتعبيرية مسمّيات نقاد ومؤرخي الفن لأغراض التوثيق، أما أنا فأتعامل معها على أسس تقنية اللوحة وأوظّفها كما يشاء موضوعي المطروح.. أحاول العمل بعفوية لا بعلمية حتي تكون لوحتي مرآة لما أريد عكسه للمتلقّي.. قد أكون تجريدياً تعبيرياً.. لكن لا أدع أحدهما يتغلب على الآخر إلّا بشروطي.











































































