اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١٤ حزيران ٢٠٢٥
لطالما خاضت إسرائيل حرباً في الظل مع إيران، متجنّبةً الدخول في صراع شامل. أمّا الآن، فإنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يغامر بكل شيء سعياً إلى تحقيق نصر حاسم.
على مدار سنوات، أشرف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على صراع سرّي مع إيران، كان يحسب فيه كل خطوة بعناية لتجنّب اندلاع حرب شاملة بين اثنَين من أقوى الجيوش في المنطقة. حتى في العام الماضي، عندما هاجم الطرفان بعضهما علناً لأول مرّة، تجنّبت إسرائيل شنّ ضربات قد تُشعِل معركة طويلة الأمد.
أمّا الآن، فقد ضرب نتنياهو بالحذر عرض الحائط، من خلال هجوم جريء وواسع النطاق على إيران، من شأنه أن يطلق العنان لأسابيع أو أكثر من الاضطرابات في أرجاء المنطقة. فبأوامر من نتنياهو، استهدفت إسرائيل مواقع إيران النووية، بالإضافة إلى دفاعاتها الجوية، وقواعدها العسكرية، وأبرز قادتها العسكريِّين.
ورأى محللون، أنّ لدى نتنياهو دوافع على المدى القصير: تعطيل المفاوضات الديبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، ومنع التوسع الفوري في البرنامج النووي الإيراني.
لكنّه يسعى أيضاً إلى طموحات أعظم بكثير. فعلى مدار عقود، قدّم نتنياهو النظام الشيعي الإسلامي في إيران بوصفه التهديد الأكبر لأمن إسرائيل، سواء بسبب سعيه الداخلي إلى تطوير قنبلة نووية، أو دعمه للميليشيات الفلسطينية وغيرها من الجماعات العربية المعارضة لإسرائيل.
وبعد سنوات من الدعوة إلى استخدام القوة الطاغية للقضاء على هذا الخطر، يبدو أنّ نتنياهو أصبح أخيراً مستعداً لتحويل تهديداته إلى أفعال - ربما، كما يرى المحللون، بعينٍ على مكانته في التاريخ الإسرائيلي. وهو يخاطر الآن بتوريط المنطقة، وربما الولايات المتحدة، في صراع، في وقت يواجه فيه اضطرابات داخلية في بلاده، وازدياداً في الانتقادات الدولية بسبب أسلوبه في إدارة الحرب على «حماس» في غزة.
وأوضح نداف شتراوشلر، المستشار السابق لنتنياهو والمحلل السياسي الإسرائيلي: «بالنسبة إليه، هذا أمر شخصي. لقد ظلّ يتحدّث عنه على مدار 25 عاماً. هذه هي الصورة الكبرى التي كان يهدف إليها. هذا هو إرثه».
خطّط نتنياهو لشنّ هجوم واسع النطاق على إيران قبل أكثر من عقد، خلال فترة سابقة له في رئاسة الوزراء. لكنّه ألغاه في نهاية المطاف تحت ضغط من إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وفي ظل مخاوف من بعض وزرائه بشأن قدرات الجيش الإسرائيلي. وفي عام 2015، خاطر بحدوث شرخ في علاقاته مع أوباما عندما ألقى خطاباً أمام الكونغرس، انتقد فيه جهود أوباما لكبح البرنامج النووي الإيراني عبر الديبلوماسية.
وقد جعلت الأحداث الأخيرة من تنفيذ ضربة عسكرية أمراً أكثر سهولة، ممّا شجّع نتنياهو على ما يبدو. فعلى مدار العام والنصف الماضيَين، دمّرت إسرائيل التحالفات الإقليمية لإيران، وأضعفت قدراتها الدفاعية. «حزب الله»، الحليف الإيراني في لبنان، أصبح الآن في حالة ضعف شديد، بينما أُسقِطت الحكومة السورية، وهي حليف إيراني آخر، في كانون الأول.
وأخيراً، فإنّ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وسّع نافذة الفرصة. فعلى رغم من أنّ ترامب سعى إلى ترتيب ديبلوماسي مع إيران بشأن طموحاتها النووية، وطلب من نتنياهو تأجيل الضربة، فإنّه بدا في بعض الأحيان أكثر استعداداً من الرئيس بايدن للنظر في فكرة الهجوم.
وأوضح مايكل كوبلو، المحلل في منتدى السياسة الإسرائيلية، وهو مركز أبحاث مقره نيويورك: «على الصعيد الديبلوماسي، فإنّ انتخاب ترامب منح نتنياهو رئيساً مستعداً لدعم تهديد عسكري ذي صدقية من الناحية الخطابية. لطالما كان من الواضح أنّ نتنياهو يُفضّل التعامل مع البرنامج النووي الإيراني من خلال العمل العسكري، وقد وجد أخيراً العاصفة المثالية لذلك».
داخلياً، من المرجّح أن يجني نتنياهو فوائد أيضاً من شنّ ضربة ضدّ إيران. فقد تضرّرت سمعته كحامٍ لأمن إسرائيل جراء هجوم «حماس» على إسرائيل في تشرين الأول 2023، الذي يُعدّ أسوأ فشل أمني في تاريخ إسرائيل.
ويعتقد محللون، أنّه إذا كانت الضربة التي نُفذت أمس، وأسفرت أيضاً عن مقتل عدد من العالمين النوويِّين الإيرانيِّين، قد ألحقت ضرراً بالغاً بالبرنامج النووي الإيراني، فإنّ نتنياهو قد يُعزّز مكانته الوطنية قبل الانتخابات العامة المقرّرة في العام المقبل.
واعتبرت مازال معالم، كاتبة سيرة نتنياهو ومحللة سياسية، أنّ «نتنياهو يُريد أن يبدأ سنة الانتخابات وهو يملك ميزة مرئية. بدلاً من تحمّل مسؤولية السابع من تشرين الأول، يريد أن يُخلّد دوره في تاريخ إسرائيل كزعيم الدولة الذي هزم البرنامج النووي الإيراني. لكن كل هذا بالطبع يتوقف على كيفية تطوّر الأمور».
وقد يُقدِّم هذا في نهاية المطاف فرصة لنتنياهو لإنهاء الحرب في غزة، بحسب شتراوشلر. فطوال أكثر من عام، رفض نتنياهو التفكير في هدنة دائمة في غزة من دون هزيمة «حماس» الكاملة، وسط مقاومة قوية من حلفائه اليمينيِّين لمثل هذه النتيجة.
ومن خلال إلحاق أذى بالغ بأكبر داعم لـ»حماس»، أي إيران، قد يُصبح من الأسهل على نتنياهو تقديم تنازلات في غزة، وفقاً لشتراوشلر الذي أضاف: «الآن، يمكنه أن يختتم الأمور ويقول إنّنا غيّرنا المعادلة إلى الأفضل. لا أظنّ أن ذلك سيحدث غداً، لكنّه خطوة ضخمة في هذا الاتجاه».