اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٢ أيار ٢٠٢٥
بلغ عجز الحساب الجاري في لبنان، نحو 5.14 مليارات دولار في عام 2024، مسجّلاً تراجعاً طفيفاً مقارنة بعجز قيمته 5.6 مليارات دولار في عام 2023.
أي إنه يواصل مساراً طويلاً من العجوزات في السنوات الماضية، إذ سجّل في عام 2022 نحو 7.2 مليارات دولار و4.5 مليارات دولار في 2021، و2.7 مليار دولار في 2020.
يعكس هذا التطور واقعاً اقتصادياً مركّباً يشمل تغيّرات بنيوية في ميزان المدفوعات منذ اندلاع الأزمة والانهيار المصرفي والنقدي في منتصف عام 2019، بعد سنوات من السياسات الاقتصادية غير المستدامة.
الحساب الجاري هو مقياس لحركة الأموال بالعملة الأجنبية بين لبنان والعالم عبر التجارة بالسلع والخدمات، وتحويلات المغتربين، والأرباح والاستثمارات.
ويعكس هذا الحساب ما إذا كان البلد يربح من الخارج أكثر مما ينفق عليه أو العكس. وعندما يكون الإنفاق على الخارج أكبر من الإيرادات، يظهر ما يُعرف بـ«عجز في الحساب الجاري».
قبل الأزمة، اتسم الاقتصاد اللبناني باعتماده المفرط على تدفقات رؤوس الأموال الخارجية، لا سيما من تحويلات المغتربين واستثمارات غير مقيمة، لتمويل العجز المزمن في الحساب الجاري، خصوصاً أن الكثير من الأموال كانت تأتي كاستثمارات في قطاعات مختلفة، من القطاع المصرفي إلى القطاع العقاري.
وقد أسهم تثبيت سعر الصرف وتحفيز الفوائد المحلية المرتفعة في جذب هذه التدفقات، لكن على حساب تراكم اختلالات عميقة في ميزان المدفوعات، لا سيما في ظل ضعف القاعدة الإنتاجية وزيادة الواردات على حساب الصادرات.
ومع انفجار الأزمة، وتوقّف تدفقات رأس المال الخارجية، تراجع الاستيراد بشكل حاد نتيجة فقدان القدرة الشرائية، ما انعكس تقلّصاً نسبياً للعجز في الحساب الجاري في عام 2020 إلى 2.7 مليار دولار.
لكن بمرور الوقت والتعامل مع الانهيار من دون أي تدخل للسلطة في توزيع الخسائر، ومن دون إعادة إطلاق مدخلات التمويل ومخرجات الاقتصاد بالشكل الصحيح، بدأ العجز يعود إلى الارتفاع مجدداً، مدفوعاً بعوامل عدة.
من أبرز هذه العوامل، عودة النشاط الاستهلاكي تدريجياً اعتماد الاقتصاد المحلي على التحويلات بشكل مفرط في ظل غياب التدفقات عبر المصارف، ما أدى إلى توسّع الاقتصاد النقدي غير الرسمي وتعميق الاختلالات البنيوية لاقتصاد كان يقوم على تمويل الاستهلاك الخاص المستور بجزء واسع منه، على التدفقات المالية من الخارج.
كما لعب انهيار القطاع المصرفي دوراً في هذا الأمر، بحيث أصبح الاتجاه نحو الاستهلاك بديلاً من الادخار.
وقد نتج من ذلك العودة إلى مسار اتساع الفجوة بين الواردات والصادرات، وهي الفجوة التي تمثل العجز التجاري للبلد. إذ بقيت القدرة التصديرية محدودة نتيجة ضعف البنية الإنتاجية وارتفاع كلفة التشغيل.
ورغم أن العجز في 2024 تراجع مقارنة بعامَي 2022 و2023، فإن هذا لا يعكس تحسّناً هيكلياً، بل يرتبط ببساطة بتراجع الاستيراد خلال 2024 بسبب تراجع الحركة الاقتصادية جراء الحرب.
لكن يبقى السؤال، ماذا يغطي العجز في الحساب الجاري؟ علماً أن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية ترتفع نسبياً، ما يعني أن مصرف لبنان لا يغطي هذا العجز.
في حين أن العملات المدّخرة في المنازل لا تكفي لتغطية هذه العجوزات المتراكمة عبر السنوات. وهو ما يبقي احتمال أن الأموال التي تدخل إلى البلد من دون أن يلحظها مصرف لبنان هي التي تغطي العجز في الحساب الجاري.
إن استمرار العجز عند هذا المستوى، في ظل غياب تدفقات تمويلية رسمية وغياب الثقة بالقطاع المصرفي، يُبقي الاقتصاد اللبناني عرضة للمخاطر المختلفة، ويؤكد الحاجة إلى إصلاح اقتصادي شامل يُعيد التوازن بين الإنفاق والإنتاج، ويعزز صادرات السلع والخدمات، بما يخفف الضغط عن ميزان المدفوعات ويؤسس لمرحلة أكثر استقراراً.
الأخبار