اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
في التزامن مع أحاديث في إسرائيل عن “يوم دراماتيكي حاسم” حول مصير مفاوضات الصفقة العالقة في الدوحة، فإنها تواصل المذبحة بحق أهالي غزة، مستفيدة من الصمت العربي والغربي الرسمي، ومن بقاء الانتقادات الموجّهة لها خجولة وخفيفة ولطيفة.
كما تستفيد حكومة الحرب الإبادية هذه من دعم الإسرائيليين أيضًا للمذبحة بصمتهم، كما يؤكد المعلق الإسرائيلي اليساري جدعون ليفي، الذي كتب، اليوم، في صحيفة “هآرتس” أن إسرائيل كلها شريكة في الكارثة في غزة، سواء بشكل فعّال مباشر، أو بالطمس أو بالتجاهل والصمت، إضافة إلى نتنياهو طبعًا، الذي “ستطغى الإبادة (الجينوسايد)” على سيرته.
وفي التزامن أيضًا مع المفاوضات العقيمة حتى الآن، ومع حملة التهديد والوعيد بتصعيد حرب الإبادة بـ “عربات جدعون”، يستمر الانقسام في إسرائيل بالأساس حول جدوى الحرب، وحقيقة أهدافها، واحتمالاتها، ونوايا قادتها، وليس حول نتائجها الدموية الكارثية على الغزيين.
هارئيل: إن لم يُبادر ترامب إلى فرملة نتنياهو، فإن إسرائيل تتجه إلى تورط دولي إضافي طويل، ربما مع عقوبات هذه المرة
ويعبّر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن موقف أوساط اليمين الصهيوني الراغب في المزيد من التدمير والتهجير، بمواصلة الحرب والحصار. ففي حديث للإذاعة العبرية الرسمية، قال، صباح اليوم الأحد، محذّرًا من أن وقف الحرب الآن يعني رفع راية بيضاء وهزيمة مقابل “حماس” والذهاب إلى “سابع من أكتوبر جديد”، معتبرًا أن الحل يكمن في “التهجير الطوعي”، والتخلص من الغزيين، وقتل قادتهم.
في المقابل، قال بعده للإذاعة ذاتها وزير الأمن الأسبق، رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، إن الحرب الحالية باتت حرب “سلامة نتنياهو وحكومته”، وليست حرب سلامة إسرائيل. ومضى في هذا المضمار: “واضح أن نتنياهو غير معني لا بوقف الحرب ولا بالانتصار فيها، بل بجعلها مفتوحة. مَن فشل في الانتصار طيلة سنة وسبعة شهور، لن ينتصر الآن في أسبوعين”.
ليبرمان، الذي يدحض المزاعم بأن وقف الحرب الآن يعرّض الأمن الإسرائيلي للخطر، دعا اليوم مجددًا إلى وقف فوري للحرب وإتمام الصفقة.
يشار إلى أن الأطراف كانت قد توصلت إلى اتفاق وقف نار، في كانون الثاني/يناير الماضي، لكن حكومة الاحتلال انتهكت الاتفاق، ورفضت الدخول في المرحلة الثانية من مداولات الصفقة، وجدّدت الحرب، في مارس/آذار الماضي، وتشدّد، في الأيام الأخيرة، على أن الضغط العسكري هو الطريق، وأنه يدفع “حماس” لتليين مواقفها والعودة إلى طاولة المفاوضات في قطر.
بدون اختراق
وتنقل الإذاعة العبرية عن مصادر إسرائيلية قولها إن المداولات في الدوحة لم تشهد عملية اختراق، منوهة بأن إسرائيل تريد “مقترح ويتكوف الثاني”، القائم على مطلب استعادة نصف الأسرى الأحياء وثلث الأموات مقابل هدنة لمدة 50 يومًا، مع الإفراج عن 200-250 أسيرًا فلسطينيًا.
في المقابل، تبدي “حماس” استعدادها لإعادة كل الأسرى دفعة واحدة فورًا، شرط وقف الحرب والانسحاب من غزة، أو على الأقل ضمانات دولية وأمريكية بوقف الحرب.
من جهتها، وطبقًا لمصادر عبرية، فإن واشنطن تطرح مقترحات جديدة يتم فيها تعديل “مقترح ويتكوف”، بحيث يتم إعادة نحو خمسة أسرى مقابل 50 إلى 60 يومًا من وقف النار، مع برنامج لنزع سلاح “حماس” بالتدريج، وهذا ما ترفضه إسرائيل.
في حديث لـ “الجزيرة”، قال طاهر النونو، أحد الناطقين بلسان “حماس”، الليلة الفائتة: “المفاوضات جارية، لكننا لا نستشعر جدية إسرائيلية”.
وتعيد الأحاديث الصحفية العبرية، اليوم الأحد، عن ضغط أمريكي على الأطراف المعنية، السؤال الأهم في الوضع الراهن، والمتعلق بحقيقة موقف الدول العربية حيال الحرب والمذبحة المستمرة، قبل وخلال وبعد زيارة ترامب للمنطقة، وسلّة الهدايا والعطايا “الخيالية” التي عاد بها إلى واشنطن.
ورغم تصريحاته المتباينة، التي يتحدث فيها تارة عن معاناة الغزيين ورغبته في وقف الحرب، عاد ترامب ليتحدث عن التهجير، وعن فكرة نقل مليون فلسطيني إلى ليبيا، التي يعاني الليبيون أنفسهم فيها من نزيف عمره 14 سنة.
يبقى ترامب اليوم صاحب القرار الأخير، لكن رغبته منوطة بمدى جدية الموقف العربي، فقد بات واضحًا أن النزيف لا يستمر نتيجة “حالة عجز عربي” لدى الأنظمة الحاكمة، بل هو مسألة رغبة وموقف، ينمّ عما هو أعمق وأخطر حيال قضية فلسطين، الآن وفي الأمس. بل هو أوسع من موقف الحكومات، وهذا ما تراه وتعلمه إسرائيل.
استمرار المفاوضات والكارثة
وهذا ما يشير له أيضًا المعلق العسكري الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يرى- وبحق- أن موقف ترامب من الحرب والصفقة اليوم يتعلق بما سمعه في الخليج قبل أيام. ويرى أيضًا أن الضغط العسكري على غزة يؤثر على “حماس”، لكن المفاوضات في الدوحة ربما تطول، معتبرًا أنه لا مبرر حقيقيًا للحملة العسكرية التي يُعدّ لها الجيش، خاصة منذ إحراز اتفاق لوقف النار، في كانون الثاني/يناير الماضي.
متطابقًا مع ليبرمان، يقول هارئيل، في مقاله اليوم، إن المستفيد المحتمل في الجانب الإسرائيلي من “حرب أبدية” هو نتنياهو، المتأمل بالبقاء سياسيًا هو وشركاؤه المتطرفون الراغبون بتحقيق أطماع التوسّع.
ويخلص للقول: “إن لم يُبادر ترامب إلى فرملة نتنياهو، فإن إسرائيل تتجه إلى تورط دولي إضافي طويل، ربما مع عقوبات هذه المرة.”
فعلاً؟ هل تنتقل الدول الغربية من الانتقادات اللفظية المخفّفة إزاء حرب الإبادة غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية؟
ويزداد السؤال إلحاحًا في ظل ترجيح كفة المصالح على حساب كفة القيم والأخلاق في العالم في التعامل مع إسرائيل، وفي ظل التهمة المفاجئة المريبة في توقيتها التي وُجّهت إلى المدّعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، كريم خان، ودَفَعت نحو إقالته من منصبه، بعد شكوى بأنه اعتدى على موظفة، وبعد حملات إسرائيلية متتالية عليه منذ أعلن أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، قبل شهور.
الجحيم للطرفين
الواضح أن حكومة الاحتلال لا تكترث بهذه الانتقادات، بل تسخر منها، وتشن حملة على من يُبدي انتقادات لها، حتى وإن كانت مُلطّفة، كما يتجسد في حملة نتنياهو على الرئيس الفرنسي ماكرون، في الأيام الأخيرة، مثلما أنها لا تكترث بتحذيرات مراقبين إسرائيليين يُنبهون إلى خطورة الرهان على المزيد من القوة.
يميني: إسرائيل على بعد خطوة من هزيمة، وليس بسبب مشكلة في الدعاية والإعلام، بل بسبب السياسات، أو بالأصح عدم وجودها
تحت عنوان “العيش داخل فقاعة صابون” يقول المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بن درور يميني، اليوم الأحد، إن أصدقاء إسرائيل في العالم لا ينجحون في فهم ما يفعله نتنياهو، وهنا هو يساوي إسرائيل ويجلب الضرر لها هي.
متحاشيًا ذكر المذبحة والإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، يقول يميني إن الحرب تؤجج اللاسامية في العالم، و”حماس” تتعرض لخسائر، لكنها تحظى بمكاسب في العالم، زاعمًا أن أوروبا مهتمة بغزة، وكذلك ترامب ومعظم يهود العالم، لكن اليمين الصهيوني المتشدد الذي سيطر على الحكومة غير مهتم.
ويضيف: “إسرائيل على بعد خطوة من هزيمة، وليس بسبب مشكلة في الدعاية والإعلام، بل بسبب السياسات، أو بالأصح عدم وجودها”.
ويتبعه في ذات الروح زميله محرر الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة رونين بيرغمان، الذي يقول، ضمن مقال بعنوان “بين المطرقة والسندان”، إن أحاديثه مع مسؤولين في المؤسسة الأمنية، خلال الأسبوعين الأخيرين، تعكس “صورة كئيبة”.
ويخلص في قراءته إلى أن جيش الاحتلال في معركة يُدرك أنه لا يستطيع تحقيق أحد هدفي الحرب (استعادة المخطوفين)، وبعضهم يشكك في جدوى تحقيق الهدف الثاني- حسم حماس- بسبب الثمن الباهظ المترتب على احتلال القطاع وبناء حكم عسكري لسنوات.
البلاد لأصحابها
ويتفق معهما زميلهم المحلل السياسي في الصحيفة ذاتها، شمعون شيفر، فيتّهم نتنياهو بتفضيل مواصلة التحالف مع سموتريتش وبن غفير على تحالف مع السعودية.
وفي الرؤية المستقبلية الإستراتيجية، يرى شيفر أن الحل الحقيقي يكمن في الشراكة: “في شتاء 1998، رافقت نتنياهو في زيارة للنرويج. سائق تاكسي فلسطيني في أوسلو قال لي: طردونا من الرملة عام 1948، ومن نابلس عام 1967. خبّر نتنياهو أننا سنعود لفلسطين، ولو بعد حين، فالبلاد لأصحابها ولن تقبل بسواهم”.
بكلمات أخرى: “من الأفضل أن يُدرك الجانب الإسرائيلي أنه بدون حل يشمل برنامجًا لحياة مشتركة، فإن الحياة هنا في البلاد ستبقى ممتلئة بواقع الجحيم للطرفين”.