اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
ليس فقط منذ السابع من أكتوبر 2023، بل منذ نهاية انتفاضة الأقصى، ثم إحكام فكي كماشة الاحتلال والسلطة على الضفة الغربية، بدأت ملامح انتعاش الحالة الاستيطانية فيها، وليس المقصود هنا فقط توسيع المستوطنات والتهويد المتسارع للأرض والاستيلاء على مساحات واسعة منها، فهذه الإجراءات لم تتوقف يوماً منذ الاحتلال الثاني لفلسطين عام 1967. إنما المقصود تضخم تلك الحالة ودخولها طوراً خطيراً يمكن أن نسميه عهد دولة المستوطنين في الضفة، بصفتها كياناً منظماً وله تشكيلات أمنية مدربة، ويحظى بدعم مباشر من وزراء الصهيونية الدينية في حكومة الاحتلال، التي ترعى خطة الضم وتسابق الزمن لتطبيقها وفرض الهيمنة الكاملة على الضفة الغربية.
وقد تكثفت اعتداءات جيش المستوطنين في الضفة منذ تشكيل الحكومة الصهيونية الحالية أواخر عام 2022، حيث كانت رعاية عصابات المستوطنين وتوسيع الاستيطان في الضفة من أبرز برامج وزرائها المتطرفين وعلى رأسهم سموتريتش وزير المالية، وفي عهده تبلورت حالة منظمة وممنهجة من اعتداءات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، ولم تعد تقتصر تلك الاعتداءات على ردود الأفعال الغاضبة والمحدودة عقب عمليات المقاومة كما كان الحال قبل ذلك، فيومياً ينفذ المستوطنون هجمات على الناس في الشوارع الالتفافية وعلى القرى الواقعة على خط هذه الشوارع أو القريبة من المستوطنات، وتتضمن تلك الهجمات إطلاق الرصاص الحي والاعتداء بالضرب على الناس، وإحراق ممتلكاتهم وأراضيهم وقطع الأشجار وخصوصا أشجار الزيتون المعمرة، وقتل وسرقة المواشي، وقطع الطرق ومهاجمة السيارات الفلسطينية، وقبل عدة أيام ضربوا حتى الموت شابين من قريتي سنجل والمزرعة الشرقية قضاء رام الله، وهي المنطقة التي تشهد حالياً أعلى نسبة من هجمات المستوطنين، يليها شمال الضفة ثم جنوبها.
هذه الاعتداءات باتت تنفذ بحماية من جيش الاحتلال، أو تجاهله لها وإتاحته المجال لتصاعدها، مع حماية قانونية لمرتكبي الجرائم من المستوطنين، وتمتعهم بغطاء سياسي يحول دون مساءلتهم أو تعريضهم للمحاكمة، وهو ما يعني أن هذه المجاميع المسلحة باتت تمثل نواة لجيش منظم قوامه المستوطنون، وقد يكون بديلاً عن وحدات جيش الاحتلال النظامية، في السيطرة على الضفة والتعامل الأمني معها.
يشبه عدوان المستوطنين الحالي سلوك العصابات اليهودية (الهاغاناة وما تفرع عنها) التي نشأت عام 1920، في عهد الانتداب البريطاني، وكان وجودها في فلسطين سابقاً على احتلالها رسميا، بل إن آلافاً من عناصرها شاركوا في الحرب العالمية الثانية ضمن الجيش البريطاني، وهو ما أكسبهم خبرة عملية كبيرة، صنعت فارقاً ملموساً فيما بعد خلال مواجهتهم للمقاومة الفلسطينية والعربية قبيل احتلال فلسطين.
ويبدو سلوك المستوطنين اليوم تدريباً على أدوار أكبر وأخطر، قد لا يمضي وقت طويل حتى تدخل حيز التنفيذ، وقد تكون المجازر جزءاً منها بغرض تهجير المواطنين وفرض السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، إضافة إلى كون هجماتهم المتصاعدة هذه، بوتيرتها الحالية، تعطل أي إمكانية أو أفق لإنشاء دولة فلسطينية، منقوصة أو كاملة السيادة، بل تغلق الطريق على أي فرصة للتفاهم والتفاوض حولها.
هذا العدوان في الضفة تقابله السلطة بردود أفعال ومواقف سياسية باهتة، فهي تتعامى عما تؤسس له هذه الاعتداءات من واقع جديد، وتكتفي بتداول الإحصائيات حول النشاط الاستيطاني، وإطلاق المناشدات للحد منه، دون أن يبدر منها أي موقف عملي لمواجهته، ولو على مستوى المقاومة الشعبية السلمية، فيما تترك أهالي القرى يواجهون عدوان المستوطنين بصدورهم العارية، رغم أنها تمنّ ليل نهارعلى الفلسطينيين في الضفة بأنها جنبتهم بخنوعها مصيراً مشابهاً لمصير غزة، متجاهلة حجم الاعتداءات اليومية الواسعة التي تطال البشر والشجر والحجر، سواء تلك التي ينفذها جيش الاحتلال النظامي أو عصابات مستوطنيه.
التحذير من جرائم دولة المستوطنين في الضفة ومخططاتها ليس فكرة جديدة، فما يجري اليوم وما قد يجري غداً كان متوقعاً من سنوات عديدة، ومثله تهشم فكرة الدولة الفلسطينية وصولاً إلى احتمال تفكيك السلطة، أو الإبقاء على كيانها الأمني فقط نظير ما يقدمه من خدمات كبيرة لأمن الاحتلال، لكن المهم اليوم إبصار الممكنات أو السعي في البحث عنها لمواجهة هذا العدوان، قبل أن يتحول إلى حرب واسعة وشاملة، تطحن كل شيء، بعد أن تم إجهاض كل محاولات تعافي مقاومة الضفة، وتجرد المواطنون من كل أدوات مواجهة تلك الحرب، ومن إدراك واجباتهم في ظلها.