اخبار لبنان
موقع كل يوم -الميادين
نشر بتاريخ: ١٣ أيار ٢٠٢٥
غاز شرق المتوسط في ظلّ النزعات العسكرية الإقليمية
ركّزت الدراسات التي يتضمّنها الكتاب، على التحدّيات الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط، وتناولت أحدث المعلومات بشأن احتياطات الغاز وإنتاجه وتسويقه.
'غاز شرق المتوسط في ظلّ النزاعات العسكرية الإقليمية'، كتاب صدر حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يناقش التحدّيات الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط وأحدث المعلومات حول احتياطات الغاز وإنتاجه وتسويقه، إضافة إلى الأسواق المتاحة لتصديره، وتأثير الحرب الأوكرانية والمقاطعة الأوروبية للغاز الروسي وحاجة البعض لغاز شرق المتوسط، الكتاب حرّره وليد خدوري، وشارك فيه مجموعة من الباحثين: رامي الريس (مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت)، ورندة حيدر (محرّرة نشرة 'مختارات من الصحف العبرية')، وهبة أبو غيدا (منسّقة لجنة الأبحاث في المؤسسة)، ووليد خدوري (عضو مجلس أمناء المؤسسة).
ينقسم الكتاب إلى قسمين: 'الغاز في شرق المتوسط: الاحتياطات والتحدّيات الجيو سياسية'. و'غاز شرق المتوسط في ضوء التطورات الإقليمية'. وهو يأتي في إطار اهتمام مؤسسة الدراسات الفلسطينية بموضوع الطاقة وتداعياته الجيوسياسية على دول المنطقة والصراع العربي – الإسرائيلي، إذ بادرت المؤسسة إلى عقد ثلاث ندوات متخصصة بشأن هذا الموضوع. ونشرت أبحاث تلك الندوات ومخرجاتها في كتب متتاليّة.
كتاب غاز شرق المتوسط، من تحرير وليد خدوري، صادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في آذار/ مارس 2025، بيروت لبنان.
إقرأ أيضاً: 'لعنة الغاز '.. من روسيا وقطر إلى سوريا ولبنان
التحدّيات الجيوسياسية
ركّزت الدراسات التي يتضمّنها الكتاب، على التحدّيات الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط، وتناولت أحدث المعلومات بشأن احتياطات الغاز وإنتاجه وتسويقه، وكذلك الأسواق المتاحة لتصديره. كما بحثت في تأثير الحرب الروسية الأوكرانية والمقاطعة الأوروبية للغاز الروسي في فرص تصديره من دول أخرى، بما في ذلك دول شرق المتوسط. وتناولت المحاضرات والأبحاث تأثير الحروب الإسرائيلية على سياسات التعاون الإقليمي في صناعة الغاز الطبيعي، ومدى تنفيذ أو تعطيل الاتفاق البحري اللبناني ـــــ الإسرائيلي بشأن الحدود البحرية للبلدين، بالإضافة إلى تطوّرات حقل غزة مارين الغازي وسط غياب المعلومات الموثوقة. كما بحثت التحديات التي تواجه دول شرق المتوسط في تصدير الغاز إلى الأسواق الدولية، وخصوصاً في ظلّ العقوبات الأوروبية إلى تشكيل قدرة طاقوية مستدامة ذات انبعاثات منخفضة، كالغاز، انسجاماً مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015.
احتياطات غاز شرق المتوسط
كتاب غاز شرق المتوسط يكشف أنّ حوض البحر المتوسط يمتلك احتياطات وفيرة من الغاز، فقد قدّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عام 2010 أنه يحتوي على كمية من احتياطيات الغاز تبلغ 122 تريليون قدم مكعّب، وهو رقم ضخم أثار اهتمام الكثيرين، لكن ما لم تخبره الهيئة هو أنّ استكشاف هذا الغاز وتطويره يمثّل تحدّياً جيولوجياً وجيوسياسياً. علماً أنّ مصر متقدّمة على البلدان الأخرى في المنطقة بأكثر من ألفي مليار متر مكعب من الاحتياطات منذ نهاية عام 2021. لقد بلغ الإنتاج العام الماضي أكثر بقليل من 70 مليار متر مكعب في حين أنّ الطلب على الغاز لم يقلّ كثيراً عن ذلك الرقم، إذ سجّل 63 مليار متر مكعب.
ويرصد الكتاب أنه في نهاية عام 2021 كان البلد الوحيد الذي لديه حالياً قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال هو مصر عبر معملي إدكو (10 مليارات متر مكعب في السنة) ودمياط (7.56 مليارات متر مكعب في السنة).
وتحلّ 'إسرائيل' في المرتبة الثانية مع 921 مليار متر مكعب من الاحتياطات عند نهاية عام 2021. وشهد عام 2022 بعض الاكتشافات الصغيرة التي أعلنتها شركة 'إنيرجين' اليونانية. وكان إنتاج الغاز لعام 2021 أقلّ من 20 مليار متر مكعب في حين بلغ الطلب المحلي نحو 12 مليار متر مكعب، وهو ما أعطى 'إسرائيل' الفرصة لتصدير الغاز إلى الأردن ومصر المجاورتين عبر خط للأنابيب.
ومن الواضح من هذه الأرقام وحدها أنّ مصر و'إسرائيل' ستؤدّيان دوراً محورياً في المرحلة المقبلة إذا كان لشرق المتوسط أن يحقّق كامل إمكانياته، لكنّ مصر ستحتاج مع انخفاض إنتاجها إلى اكتشافات جديدة لمواكبة الطلب على الغاز. وفي حين تطبّق مصر إجراءات لترشيد استهلاك الغاز وتضع خططاً طموحة للطاقة المتجدّدة من شأنها أن تُخرج بعض الغاز من مزيج وقوة توليد الطاقة، فسيكون عدم التوصّل إلى أيّ اكتشافات كبيرة منذ اكتشاف عام 2015، سبباً للقلق لدى القاهرة؛ إذ إنها تطلق جولات من العروض، لكنّ الحفر يبدو مخيّباً للآمال، حتى الآن. وهي تأمل؛ في الأجل البعيد، استيراد الغاز من قبرص إلى جانب المزيد من وارداته من 'إسرائيل'، على الرغم من أنّ 'شيفرون' سوف تختار الغاز الطبيعي المسال العائم كمرحلة تالية من توسّع حقل لفيتان، بدلاً من خط أنابيب مباشر إلى إدكو.
لبنان على خط الغاز
يعكس كتاب غاز شرق المتوسط، أنّ أيّ غاز يُكتشف يقطع شوطاً في التخفيف من نقص الغاز داخل لبنان، لكن مع اكتمال التطوير بعد عقد من الزمن، لا يستطيع أحد أن يقرّر كيف سيبدو المشهد في ذلك الوقت. ربما لن تكون البنية التحتية للغاز الطبيعي المتداعية فعلاً في لبنان بوضع يمكّنها من التعامل مع أي واردات من الغاز الذي يمكن أن يحقّق ثروات من استغلال الموارد الطبيعية للبلد. لكن ربما يكون تصدير الغاز الخيار الأفضل كما يعتقد البعض، ويبدو أنّ إرسال الغاز إلى منشأة التخزين والتفريغ للإنتاج العائم التابعة لحقل كاريش أو سفينة الغاز الطبيعي المسال العائم التي من المرجّح أن تبنيها 'شيفرون' لمصلحة لفيتان هو أفضل الخيارات من وجهة نظر تجارية، لكن على الرغم من التوافق على اتفاق الحدود البحرية، فإنه من غير المرجّح أن يسمح لبنان بذلك.
وأحد القيود الرئيسية التي تواجه المنطقة حالياً هو الافتقار إلى القدرة التصديرية، لكنّ 'إسرائيل' ستتمكّن من تصدير المزيد من الغاز مع إمكانية إضافة كميات من قبرص في الأجل المتوسط، وربما من لبنان وغزة في الأجل الطويل، لكن هذا يتطلّب مزيداً من القدرة التصديرية، التي يجب توفيرها من جانب ناقلة 'شيفرون' للتخزين والتفريغ للإنتاج العائم في لفيتان. في حين أدّى منتدى غاز الشرق الأوسط دوراً مهماً في جمع بلدان المنطقة، على الأقلّ تلك المعنية بالصناعة الغازية. ولكن إنه من غير الواقعي الاعتقاد أنّ بلدان المنطقة يمكن أن تتجاهل خلافاتها السياسية من أجل تعزيز الرخاء المالي.
حرب أوكرانيا والتحوّلات
يلاحظ كتاب غاز شرق المتوسط، أنّ حرب أوكرانيا جاءت في وقت كان فيه العالم منهمكاً في تحوّل مهم للطاقة، فالاستثمارات في بدائل الطاقة كانت تعدّ بمليارات الدولارات، لكن لا تزال غير كافية، فمجمل إمكانية الطاقة الشمسية والرياح الآن تعوّض الزيادة السنوية في الطلب على النفط، أي نحو 2 مليون برميل يومياً، بينما الإنتاج العالمي للنفط الآن هو نحو 105 ملايين برميل يومياً. ومن المتوقّع، بحسب الإحصاءات، هناك بدائل الطاقة، أن تصل إلى 6.5% من طاقة العالم فقط عند حلول سنة 2045، ويصل النفط إلى 80%.
ثمّ إنّ هدف الغرب أن يتوقّف النفط كلّياً عند حلول سنة 2050 بسبب الانبعاثات الكربونية هو هدف غير معقول؟ لأنه في سنة 2045 سيكون الاعتماد على النفط بنسبة 80%. فكيف يمكن الاستغناء عن النفط في 5 سنوات فقط؟ هذه مسألة مهمة جداً لدول الشرق الأوسط؛ أن يستمرّ الاعتماد على النفط ومن الممكن أن تصبح لدينا طاقة هجينة ونفط وغاز وطاقات مستدامة، أمّا الفحم؛ فهو خارج الحسابات، على الرغم من عودة استعماله بسبب حرب أوكرانيا، إذ عادت كلّ من ألمانيا والنمسا إلى استعماله، وإن بصورة عاجلة ومؤقتة.
أما أوروبا فارتكبت خطأ استراتيجياً تاريخياً عندما فرضت عقوبات على روسيا، إذ كانت تهدف إلى معاقبتها، لكن ما حدث هو أنّ أسعار الغاز والنفط ارتفعت، وأوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على الغاز، وجدت نفسها في وضع صعب. وفيما روسيا تعتمد بصورة أساسية على الغاز الطبيعي في صناعاتها المحلية، وتصدّره إلى الخارج عبر شبكة من الأنابيب، سواء إلى أوروبا أو إلى الصين، بدلاً من استخدام ناقلات الغاز المسال، وهذه الشبكة تعود إلى اتفاقيات منذ عام 1985 مع الاتحاد السوفياتي السابق.
استغلال غاز شرق المتوسط محلياً
يشير الكتاب إلى ما يتعلّق بغاز شرق المتوسط، فيجب على الدول العربية في هذه المنطقة استخدام الغاز محلياً قبل التفكير في تصديره، على عكس النفط الذي يمكن تصديره بكميات كبيرة، فالنفط موجود بكميات كافية ويمكن تصديره، أما الغاز فعلى عكس ذلك. وتملك دول مثل قطر والجزائر احتياطات كبيرة من الغاز بينما دول أُخرى مثل السعودية تستخدم كامل إنتاجها محلياً. لقد قامت 'إسرائيل' بتحويل معظم محطات الكهرباء إلى الغاز الطبيعي بدلاً من الفحم، باستثناء محطة إشكول التي تُعدّ الأكبر وذلك كإجراء احترازي في حال حدوث أيّ طارئ، كتفجير أو غيره، فستكون هناك محطة واحدة لتزويد 'إسرائيل' بالكهرباء في الحالات الاضطرارية.
لعلّ منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) هو التجمّع الأهم والواعد في الإقليم؛ فقد تأسس في كانون الثاني/ يناير 2019 بمبادرة من مصر وبرئاستها، ومقرّه في القاهرة، ويهدف إلى إنشاء سوق غاز إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وتحسين العلاقات التجارية، وتأمين العرض والطلب بين الدول الأعضاء.
الاعتماد على الغاز
تؤكّد مذكّرة التفاهم الثلاثية نيّة الاتحاد الأوروبي التخلّص التدريجي من الاعتماد على الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، بما يتماشى مع هدفه المتمثّل في تحقيق الاستقرار المناخي بحلول عام 2050. وإلى جانب الضرورة العاجلة للاستفادة من موارد الغاز الطبيعي في المنطقة، تعكس مذكّرة التفاهم نهجاً مستقبلياً تجاه شرق البحر الأبيض المتوسط كمصدر للطاقة النظيفة، مع التركيز على تعزيز إنتاج الهيدروجين كمصدر للطاقة المتجدّدة. بالإضافة إلى مشاريع الطاقة الخضراء.
ونشير إلى أنّ في شرق المتوسط توجد 34 شركة أوروبية، بالإضافة إلى نحو 12 شركة صينية وروسية تقوم بعمليات التنقيب، وهذا صراع بين الشركات يجب أن نأخذه بعين الاعتبار، بالإضافة إلى أنّ هذه الشركات تؤثّر في القرار السياسي، فهي شركات ضخمة، ونذكر منها على سبيل المثال 'British Petroleum' وغيرها من الشركات. التي، تجد الولايات المتحدة أنه يجب أن يكون هناك شرق أوسط جديد، تشكّل 'إسرائيل' جزءاً من بنيته، وبالتالي، فإنّ الغاز مدخل لاختراق هذه البنية.
أيضاً، نريد أن ننظر إلى كلّ من مشروع روسيا (بوتين) ومشروع أوراسيا ومشروع الصين كحزمة واحدة، وطريق واحد. وإذا استطعنا أن نرى هذه الأمور، نستطيع أن نفسّر بهذه الأدوات ما يحدث في شرق المتوسط. لذا فإنّ اهتمام مؤسسة الدراسات الفلسطينية بموضوع الطاقة وتداعياته الجيوسياسية على دول المنطقة والصراع العربي – الإسرائيلي، يلخّصها بامتياز كتاب غاز شرق المتوسط.