اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إنّ الإطار الدستوري الّذي تشكّله المادة 58 من الدستور اللبناني لعام 1990، عند تطبيقها، ترسم مساراً دستورياً دقيقاً لموضوع إقرار مشاريع القوانين ذات الصفة المعجّلة. فالمشرّع الدستوري هدف من خلال هذا النّص تمكين الحكومة في مواضيع الضرورة التشريعيّة، تسريع مسار إقرار قانون ضمن سقف زمني محدّد دستورياً.
تنصّ المادة 58 من الدستور اللبناني لعام 1990 على ما يلي: كل مشروع قانون تقرّر الحكومة كونه مستعجلاً بموافقة مجلس الوزراء مشيرة في ذلك إلى مرسوم الإحالة يمكن لرئيس الجمهورية بعد مضي أربعين يوماً من طرحه على المجلس دون أنّ يبت به أنّ يصدر مرسوماً قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء.
وبالعودة إلى المادة 58 فإنّ المهلة الزمنيّة التي حدّدتها المادة هي الأربعين يوماً، وهذه المهلة لا تبدأ إلاّ من لحظة طرح المشروع على المجلس النيابي، وبعد إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها، هذا ما يؤكّد أنّ الأمور الشكليّة لا تكفي (أيّ الإحالة أو الإدارج)، لابتداء مهلة الأربعين يوماً.
وبالعودة إلى النّظام الداخلي للمجلس النيابي اللبناني، على وجه الخصوص المواد: (105-106-107و108)، تظهر طبيعة الاجراءات بشكل أدقّ، حيث تربط بدء المهلة على وجه التحديد وبشكل حصريّ بعنصرين متلازمين: الأوّل يتعلق بالإدارج، وأمّا الثّاني فيتعلّق بالتلاوة.
من جهة آخرى فإنّ النّظام الداخلي لمجلس النواب لم يفرض مشروع القانون المعجّل على المجلس في أوّل جلسة بعد وروده (المادة 105) والتي نصّت على ما يلي: عندما تمارس الحكومة حقّها المنصوص عليه في المادة 58 من الدستور فتقرر بموافقة مجلس الوزراء إعطاء مشروع قانون صفة الاستعجال مشيرة إلى ذلك في مرسوم الاحالة، لا تبدأ مدّة الأربعين يوماً إلاّ من تاريخ طرح المشروع على المجلس بعد ادراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها ومضي هذه المهلة دون أنّ يبتّ به. يمكن للمجلس إقرار المشروع أو تعديله أو ردّه دون التعرّض لصفة الاستعجال.
وأمّا المادة 106 من النظام الداخلي فقط جاء فيها ما يلي: يحيل رئيس المجلس المشروع المعجلّ فور وروده على اللجنة أو اللجان المختصّة التي يتوجب عليها درسه ووضع تقرير بشأنه خلال مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ طرح المشروع على المجلس. وأمّا المادة 107 فجاء فيها ما يلي: عند طرح المشروع المعجل على المجلس، لرئيس المجلس عفواً أو بناءً على طلب نائب أو أكثر أنّ يستشير المجلس في درس المشروع دون أنّ يسبق ذلك ايّ نقاش.
وأمّا المادة 108 فجاء فيها ما يلي: لا تدخل المدّة الفاصلة فيما بين دورتين في حساب الأربعين يوماً. إذا لم يتضمّن مرسوم فتح الدورة الاستثنائية ما يفيد تمكين المجلس من درس المشروع المعجّل في الدورة الثّانية، تبقى مهلة الأربعين يوماً معلّقة.
وأمّا المادة 109 :للرئيس طرح الاقتراح أو المشروع المعجّل المكرّر على المجلس في أوّل جلسة يعقدها بعد تقديمه حتى لو لم يدرج في جدول الأعمال.
لرئيس المجلس وهيئة المكتب اختصاص تنظيم جدول أعمال أيّ جلسة، وأيضاً سلطة تحديد الجسلة التي يتمّ طرح المشروع المعجّل المكرّر فيها. دون أنّ يكون هناك إلزامية في طرح المشروع في أوّل جلسة بعد ورود المشروع. لأنّ الدستور لم يفرض ذلك على رئيس المجلس النيابي. مثلما فعل مع رئيسي الجمهورية والحكومة، حيث جاءت النصوص بصيغة الأمر.
وهذا التفصيل مهمّ جدّاً، لأنّه يبرز الطبيعة البرلمانية الخالصة لهذه الاجراءات، والّتي ينظّمها حصراً الدستور والنظام الداخلي للمجلس النيابي اللبناني، بكونها قواعد وآليات ذات طبيعة سياسية-تنظيمية، ولا يمكن اعتبارها ذات طبيعة إدارية.
وفي هذا الخصوص لا بد لنا من أنّ نميّز بين الأعمال البرلمانية والقرارت الإدارية، فالسلطة المقيّدة أو الاستنسابيّة التي تتمتّع بها الإدارة عند إصدارها للقرارات الاداريّة، هي مفاهيم موجودة في مجال القانون الإداري، أيّ ضمن إطار العلاقة بين الإدارية والأفراد، ترتبط بمبدأ المشروعيّة، وهذا ما يتيح الطعن بالقرارات الادارية أمام القضاء الإداري.
وفي هذا السياق، لا يمكن تطبيق ذلك على أعمال البرلمان أو صلاحيات رئيسه، لأنّ الأعمال البرلمانية ليست قرارات إدارية، وبالتالي لا تخضع للقضاء الإداري. وهذا ما استقرّ عليه الفقه الدستوري المقارن، بخصوص التمييز الجوهري، فلا يمكن اعتبار أعمال مكتب المجلس النيابي ولا أعمال اللجان النيابيّة أعمالاً إداريّة، بل هي أعمالاً ذات طبيعة سياديّة-دستوريّة، وهذا ما يعني بأنّها لا تخضع لرقابة القضاء الإداري.
وأخيراً، لا يمكن أنّ نقرأ المادة (58) قراءة منفصلة، بل يجب أنّ نقرأها قراءة دستوريّة سليمة، فطبيعتها تعود إلى كونها آلية استثنائية ضمن نظام الفصل بين السلطات، وهو نظام مرن في لبنان، باعتباره نظام برلماني.











































































