اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٨ حزيران ٢٠٢٥
الكاتب: الاعلامي خالد الفقيه
الحروب الإسرائيلية الأخيرة والممتدة من غزة التي تعاني من حرب إبادة ومحرقة مشتدة منذ إكتوبر عام 2023 وبعدها في لبنان وسوريا وأخيراً مع إيران وربما في مواقع وأماكن لا زالت مجهولة، ما كانت لتكون أو على الأقل لتستمر لولا الدعم والشراكة الأمريكية بالموقف والعتاد والمشاركة الفعلية، وفي هذا الجانب نستذكر الراصد والمحرض بالأبيض والأسود والريشة فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي الذي ضجت لوحاته الفنية بالتحريض على أمريكا راعية الكيان طيلة حياته.
عادى ناجي العلي الولايات المتحدة بالمطلق وبدون هوادة، وكان عداؤه لها لا يوازيه إلا كرهه لإسرائيل التي اغتصبت بلاده، فوصم أمريكا بأقذع الأوصاف، وصورها بالأفعى واللص، وأعطاها نماذج قبيحة، ولم يفلت من هذا التوصيف الحكام العرب التابعون لها. كان العلم الأمريكي دائم الحضور في كاريكاتيره عندما يعبر عن مواقفه العدائية تجاه الولايات المتحدة في محاولة منه لخلق وعي شعبي عند العامة من الناس ليتخذوا ذات المواقف، فأمريكا في نظره ليست إلا قوة إستعمارية لا تريد الخير للشعوب الفقيرة بل تسعي وراء نهب خيراتها، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالعرب وهي الحليف الإستراتيجي لإسرائيل والضامن الحقيقي لبقائها ككيان سياسي على أرض فلسطين؟
وضع في رسوماته أمريكا في الخانة العدوانية الحربية على العرب، فهي الممول الرئيس لإسرائيل بالسلاح والمواقف السياسية الداعمة لها في المحافل الدولية، وهي المشرف الرئيس على تدريب إدارة عمل أجهزة القمع العربية ضد المعارضين لهيمنتها وسطوة مستخدميها من الحكام، فقدم للمتابع العربي لوحة يظهر فيها مواطن فقير مكبل اليدين إلى الخلف يُضرب على ظهره العاري بالعصا فتسيل دماؤه لتشكل الخطوط الطولية والنجوم من خلال شقوق الألم وكأنها علم أمريكي.
كسينجر الأمريكي الشخصية الأكثر حضوراً في فن ناجي العلي
حاز المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط في فترة الرئيس جيمي كارتر Jimmy Carter على النصيب الأكبر من اهتمامات ناجي العلي بالسياسة الأمريكية ومقاصدها في المنطقة، فكيسنجر عند ناجي رديف لمصيبة كامب ديفيد، فهو المهندس الساحر الذي أعلن عن أن عصر الحروب بين العرب وإسرائيل قد ولى، وأن عهداً جديداً بعد حرب عام 1973 قد بدأ. 'كان كسنجر بالإضافة إلى ألقابه التي خلعتها عليه أجهزة إعلام الأنظمة العربية: مهندس السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، العزيز، فيلسوف الإستراتيجيات، المكوك السياسي، باعث الأمل في النفوس، وحالب ضرع التيوس، قد حاز من العلي على لقب :لاعب الثلاث ورقات، الساحر الماكر، صاحب الجلا جلا. الذي يضع القنبلة في فمه ليخرجها بيضة من قفا المسئول العربي الأبله، ثم يلتقطها العزيز، فتصبح حمامة سلام بيضاء من غير سوء، وفي فمها غصن زيتون أخضر... !!'.
شجع ناجي الرافضون العرب لوجود وسياسات كسينجر Kissinger الأمريكية في مصر قلب الوطن العربي رغم قلة حيلتهم وضعفهم، وذلك عبر اللوحة التي شبه فيها هنري كسينجر بالطبيب الذي يحقن العرب القابلين للتسوية ووصفاته السياسية في أقفيتهم، وقد أنزلوا ما يسترهم من لباس لاستقبال جرعة الإستسلام عن رضا، فيما جسد الرافضون لسياسة الحقنة بالخط الممانع الصلب الذي يدفع الحقنة للخلف، داعياً في هذه اللوحة الشعوب للتصدي لسياسة الاستسلام التي يبشرهم بها المبعوث الأمريكي في دنياهم.
عيادة الدكتور كسينجر Kissinger للتوليد هي المسؤولة عند ناجي عن ضياع تضحيات المقاتلين في الجيش المصري، فحالة التزاوج بين نظام أنور السادات وإسرائيل أسفرت عن حمل جنين مشوه هو سياسة الخطوة خطوة التي أدت بدورها لإسقاط شعار وبرنامج المقاومة من برنامج الشعوب العربية. أكد ناجي على رفضه هذه المدخلات ونتائجها من خلال حنظلة الذي يمتنع عن تسلم الراية الأمريكية بما تعنيه من قبول بما تمليه أمريكا على العرب للأجيال اللاحقة لحقبة السادات، مع أنه أكد في إبداع آخر أن ما قام به السادات صار بحكم الواقع، وخلفه محمد حسني مبارك بحسب الإسرائيليين لن يستطيع إلغاء معاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد.
لا تتوقف أهداف التدخل الأمريكي ووجود كسينجر Kissinger في المنطقة لدى ناجي عند حدود حماية أمن إسرائيل عبر إسقاط لاءات العرب المشهورة قبل حرب عام 1973، والتي كانت تتمثل برفض الصلح مع إسرائيل، ورفض المفاوضات معها، والاعتراف بوجودها. كسينجر، بحسب فناننا، شطب هذه الثوابت على الأقل من برامج وسياسات النظام الرسمي، وهو المسئول أمام ناجي عن تجذيره التجزئة الحاصلة في الوطن العربي، فبعد كامب ديفيد عزلت مصر عن محيطها العربي وطردت من جامعة الدول العربية. كل ذلك من أجل أن تبقى إسرائيل قوية منيعة.
أمريكا هي سارق النفط العربي، فمبعوثها إلى الشرق الأوسط يتقاضى بدل خدماتها مزيداً من نهب ثروات وخيرات الوطن العربي النفطية بأنفه الشبيه بخرطوم آكل النمل.
حذر ناجي من سياسات كسينجر Kissinger في الوطن العربي وأخطارها التي لا تتوقف عند مصر التي نجح في اختطافها من عمقها القومي، فهو لم يكتف بذلك بل حاول تقريب وجهات النظر بين إسرائيل والمملكة المغربية عبر عقد مراسم زواج كاثوليكي بين النجمة السداسية رمز الدولة الصهيونية والنجمة الخماسية رمز المملكة المغربية، وهو ما تحقق بعد سنوات من استشهاد ناجي، أفلح كسينجر في فتح مكاتب تمثيل تجاري بين البلدين، وشارك في مؤتمرات القمم العربية والمغاربية وأسهم في صياغة مقرراتها. ألبسه ناجي الزي المغربي التقليدي وجعل منه مراقصاً لأفعى النفط التي تخرج من جحرها باتجاه السيد الأمريكي لتغذيه بما ينقصه من بترول العرب المجاني، استفزت ناجي كذلك في هذا الجانب نخوة وسخاء شيوخ النفط الذين قدموا له نفطهم في فناجين القهوة العربية رمز الكرم البدوي.
أوقف ناجي في لوحة تحريضية أخرى على هذا الرجل وما يحمله في جعبته من مشاريع أمريكية حنظلة تحت شجرة عارية يداري فرجه بيديه من سياسات المبعوث الأمريكي. محاولات كيسنجر Kissinger نقل اتفاقية الصلح المصرية الإسرائيلية ونسخها في الخليج العربي أيضاً كانت تشكل هاجس خوف للعلي، حيث رفع كسينجر Kissinger في إحدى اللوحات شعار النصر بأصبعيه الأوسط الذي يمثل أنظمة ومشايخ الخليج، والسبابة وقد اعتلاها الجنرال الإسرائيلي موشيه ديان بعينه المفقوءة. حذر العلي في هذا الكاريكاتير من تداعيات ذلك على قضية فلسطينية، لاسيما أن التاريخ يسجل بأن ديان كان أول من دخل القدس الشرقية بعد حرب عام 1967 محتلاً.
خشية ناجي كانت مبكرة على القضية الفلسطينية من الدور الأمريكي، فانفراط عقد حال المواجهة بين إسرائيل والعرب عنى له جر قيادة منظمة التحرير إلى مختبرات كسنجر Kissinger وعيادته حتى تتعاطى حبوب التنازلات التي كان أول من جربها السادات، رتب ناجي عدداً من القيادات العربية في صف ليقوم الدكتور كسينجر Kissinger بفحصها وقد تجردت من ملابسها التي تواري عوراتها، وفي آخر الصف وقف مقاتل فلسطيني بثيابه المرقطة وكوفيته السمراء، وهو مالم يعجب الدكتور الماكر الذي قال للحضور في موقف استدراكي مستقبلي: بعده مخجول وملبك، مشيراً إلى أن صبر الولايات المتحدة في اصطياد العرب وإدخالهم مطهر التسوية الذي تفصله لهم طويل.
دعوة عبر الكاريكاتير لضرب المصالح الأمريكية
لم يخف ناجي ما يكنه من مشاعر الحقد والكراهية للولايات المتحدة، ففضح دورها في المنطقة، ودعا لضرب مصالحها عندما دفع بالفقير لتجاوز إشارات التحذير من الاقتراب من المصالح الأمريكية، فما كان من الفقير إلا أن رمى هذه المصالح المتمثلة بالبترول بحجر ليحرك سكون المنطقة، 'معلناً في مجالسه ورسوماته، أن أمريكا 'لم ولن تكون في يوم من الأيام صديقاً للعرب'. وصلت مواقفه هذه إلى مسامع الأمريكيين فقالت عنه صحيفة نيويورك تايمز، 'إذا أردت أن تعرف رأي العرب في أمريكا فانظر إلى رسوم ناجي العلي'.
رموزه الاستدلالية على الولايات المتحدة وقبحها تمحورت إما بالعلم الأمريكي، أو بأسماء الرؤساء والسياسيين الأمريكيين، أو بالحرفين الأول والثاني من اسم الولايات المتحدة الأمريكية بالإنجليزية، وبالنسبة للزعماء الأمريكيين، فكان يقدمهم بأشكال مشوهة لرفع وتائر الكره الشعبي تجاههم، فهذا كسينجر Kissinger يقدمه للقارئ وقد حول أنفه إلى خرطوم يشفط البترول العربي: 'المعروف أن ناجي لا يرسم الشخصيات الحقيقية، لكنه لمرة واحدة فقط رسم صورة مشوهة لمبعوث الرئيس الأمريكي في المنطقة 'فيليب حبيب' وقد رد الأخير على سؤال لمراسل جريدة السفير، إن كان يعرف ناجي العلي أم لا؟؟... ناجي العلي، إنني أعرف رسومه جيداً. هل يمكن إبلاغه أن لا يرسمني بهذه البشاعة، أنا لست بشعاً إلى هذا الحد. هل تعتقد أنك تستطيع إقناعه'. تدلل مطالب فيليب حبيب Philip Habib أن الأمريكيين كانوا يتابعون رسومات ناجي ويدركون مغزاها ويخشون نتائجها، وبذلك يكون قد حقق مبتغاه ولكن في ملعب الخصم.
وظف ناجي كذلك رموزه التحريضية على التحرك ضد أمريكا التي تشكل عامل تجزئة وهيمنة على الوطن العربي، 'وها هي 'فاطمة' تقول لزوجها، 'الرجل الطيب'، بأن يترك الكلام والتنظير و'زط الحكي' جانباً وأن يذهب ليضرب المصالح الأمريكية...'، اشترك ناجي بنفسه في معركة ضرب المصالح الأمريكية من خلال طفله حنظلة الذي أكد عبره رفضه للوجود الأمريكي في الوطن العربي تحت أي مسمى، رفس حنظله في لوحة من اللوحات العلم الأمريكي الذي يحرسه جندي مدجج بالسلاح مسنود ببارجة حربية تظهر خلفه في الصورة العلم الأمريكي، فتهاوت خطوطه الحمراء ونجومه الخمسين، في دلالة على أن أمريكا قابلة للاندحار، وأنها ليست القوة العاتية التي لا يمكن التغلب عليها، والمطلوب ليس إلا إرادة قتال قوية.
عبر ناجي عن مدى كرهه لأمريكا في كاريكاتير آخر صاغه من واقع عمله في الصحف وأخرجه على شكل حوار بين مواطن فلسطيني فقير لاجئ يلف عنقه بكوفية المقاتل وصحفي أجنبي، ومن اللوحة يتبين أن الحوار جرى على أنقاض الدمار في لبنان، والفلسطيني يمزج في حديثه الصحفي ما بين اللغتين العربية والإنجليزية، وفي معرض إجابته يقول: بتسألني عن دور النفط الأمريكان نازلين فيه شفط، وإذا كان ممكن نحب أمريكا No it's not، طبعاً إحنا بنحب لبنان....
استشهد كذلك ناجي في محاولات خلقه لواقع وعي جديد في العقول العربية بالتاريخ المعاصر للدلالة على أن أمريكا هشة وأن انكسارها واندحارها ممكن. انطلق في ذلك من إيمانه بأن خلع الخوف من عقول العرب بالنسبة لسطوة وجبروت أمريكا سيعني تخلصهم من عقدة تجنب المواجهة مع إسرائيل التي باتت بعد حرب عام 1967 ينظر إليها على أنها الدولة صاحبة الجيش الذي لا يقهر. أكد وصرح في لوحة مستمدة من الهزيمة العسكرية لأمريكا في فيتنام على اعتقاده بهذا الشأن، فهذا حنظله المقاتل الأممي يشهد وينقل للعرب من ساحات فيتنام القتالية كيف تهاوى العلم الأمريكي أمام ضربات الفيتكونغ الذين قادتهم نخبة ثورية من أمثال هوشي Ho Chi Minh منه والجنرال جياب Jiab، ومن بين السطور يستشف الباحث بأن ناجي أراد أن يقول للجماهير العربية أن مصيبتهم في قياداتهم المهزومة المأزومة.
ناجي يوضح بالريشة أسباب حربه مع أمريكا
علل ناجي في لوحات أخرى سبب عدائه المستفحل مع أمريكا، فهي في نظره مشعلة الحروب العربية البينية، وصانعة الفتن في الوطن العربي، وأشار إلى ذلك بالمروحية الأمريكية التي تقصف أرض العرب فتقتل نخيلهم وتفرح لاقتتالهم، وهي المسئولة عن مأساة الشعب الفلسطيني بمواقفها المناهضة لحقوقه المشروعة بدعمها اللامحدود للكيان الصهيوني ومساندتها له في عدوانه على الشعب الفلسطيني. قدم أمريكا للقاريء بأقبح شكل ممكن، فهي الذئب الذي ينهش طفلاً فلسطينياً والدم يقطر من جسمه، فيما الكيان الصهيوني طفل صغير يرضع من حليب هذا الوحش الكاسر أمام الأهرام المصرية. تحمل هذه اللوحة الكثير من المفاهيم أولها: أن الإرهاب والوحشية أصيلة في ممارسة الولايات المتحدة وهي المعلم الإرهابي الأول للكيان الصهيوني، وثانيها: حجم الذئب بالنسبة للرضيع مقارنة بشموخ وضخامة الأهرام في خلفية الصورة تشكل دعوةً صريحة للعرب إلى استغلال قوتهم وكثرة عددهم وشساعة أراضيهم للإجهازعلى هذا الرضيع قبل أن يصبح ذئباً فينهشهم جميعاً، وثالثها: حزنه على تردي الواقع العربي الذي لا ينتصر لدماء أشقائه الفلسطينيين. خشيته من قبول العرب بدور أمريكي في المنطقة تحت مسمى مراقب محايد أو قوة حفظ سلام وخاصة بعد حرب عام 1973، كانت سباً آخر لمواقفه من أمريكا لا سيما بعد أن أرسلت واشنطن قوات لها لمراقبة الإلتزام بفك الإشتباك ووقف الحرب بين مصر وإسرائيل، صور ناجي الوجود العسكري الأمريكي في مصر على شكل لص يسرق البلد بأكمله، فرسم جندياً أمريكياً يبتلع كل الأهرامات التي تعني للمصريين الكثير.
حزن ناجي كثيراً من تحول دول الخليج العربي إلى محميات أمريكية، وعمل على تثوير الشعوب من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي من خلال الكاريكاتير الذي أظهر فيه مرساة السفينة الأمريكية تغوص في مياه الخليج لتحطم مراكب العرب الصغيرة المتهالكة المتهاوية دلالة على دويلات ومشايخ النفط العربي، فوجود هذه الإمارات والممالك وهمي ولا يتعدى الورق وهي جزر أمنية تقع في سياق المصالح الحيوية الاقتصادية لأمريكا. وغوص المرساة في قعر الخليج إشارة إلى المرمى الأمريكي من هذا التواجد في المنطقة والمتمثل بالهيمنة على النفط وسحبه.
دخل ناجي في تأجيجه للمشاعر ضد أمريكا إلى أعمق من ذلك بتناوله للسياسات الأمريكية في الوطن العربي بشكل مباشر وتفصيلي، فرصد هذه التوجهات في مراحل معينة ومواقف محددة وأرخها بريشته بالرسم والكلمة، وقدمها للمواطن العربي مفسرة واضحة وجلية كي يخلق عنده توعية سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية تجاه ما يدور حوله، وما تدبره أمريكا له ولمستقبله.
لعنة ريشة ناجي تطال كل المتخندقين في الخندق الأمريكي
عداء ناجي العلي لأمريكا طال حلفاءها في العالم الغربي، فهولا يرحم من يعادي حقوق الشعب الفلسطيني، ويجهض آمال الأمه العربية بدولة قومية موحدة وقوية، طالت سهام نقده رئيسة الوزراء البريطانية في حقبة الثمانينات من القرن الماضي مارجريت تاتشر، ولإنجلترا عند ناجي سجل أسود، فهي المسئولة عن تمكين الحركة الصهيونية من أرض فلسطين منذ احتلالها بحجة الإنتداب بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي من أعطى اليهود حقاً في فلسطين تمثل بوعد اللورد بلفور في 2/11/1917 الذي وجهه لأقطاب الحركة الصهيونية وأكد لهم فيه دعم بريطانيا لهم في إقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، والإنجليز هم الذين منعوا الفلاحين والمزارعين الفلسطينيين من اقتناء السلاح للدفاع عن أرضهم، وسهلوا في المقابل الهجرة اليهودية قبل عام 1948 إلى فلسطين من كافة أنحاء أوروبا، وغضوا الطرف عن تسلح العصابات الصهيونية وتدربها على مختلف وسائل القتال، وهم من ترك معسكراتهم وأسلحتهم غنيمة سهلة لليهود عند انسحابهم من فلسطين.
بريطانيا أمام العلي هي المسئول الأول والمباشر عن معاناته الشخصية وألم شعبه. استخرج ناجي مواقفه من بريطانيا من بين أوراق موروثه التاريخي، فعبر عن موقف اللامرحب بزيارة تاتشر في الثمانينات للمنطقة العربية، ودعا لرجم مستقبليها بحفاوة من الحكام العرب بالأحذية لا بالحجارة، حرصاً منه على أن لا تصاب حجارة فلسطين بالنجاسة، ووصف مضيفي المرأة الحديدية كما كان يطلق عليها بأنهم أنجس منها، ويمارسون العهر والدعارة السياسية على حساب آلام المشردين عن وطنهم من الفلسطينيين بسبب سياسات بلادها في التاريخ المعاصر.
وضع ناجي العلي الأنظمة العربية في ذات الخانة التي أدرج فيها الولايات المتحدة، وحرض عليهم بنفس المستوى. اعتبر العرب الرسميين عنده خدماً لواشنطن، وإن إختلفوا فيما بينهم، فجل ما يشغلهم التفكير بنيل رضى أمريكا، مدللاً على مدى استفحال خيانتهم وانقطاع الرجاء فيهم بذيولهم، وهو مشهد مقتبس من الإرث الثقافي العربي، فالذيل عند العرب علامة التبعية والخيانة وانعدام القرار.
قدم كذلك للقارئ والمتابع لوحة أخرى تشير إلى انغماس النظام العربي الرسمي في علاقة حب ووهم كاذبين مع أمريكا، فالحكام العرب هللوا وكبروا مع وصول ريغان Reaganإلى سدة الحكم في البيت الأبيض ووصفوه بحامل المفتاح السحري لحل القضية الفلسطينية، كشف ناجي في كاريكاتير آخر خسارة رهان العرب على ريغانReagan، فمشروعه السياسي بالنسبة للمنطقة العربية ليس إلا الخنزير أقذر المخلوقات في الثقافة العربية، واختياره الخنزير لم يكن صدفة، وهدف من وراء ذلك بناء مواقف شعبية ضد هذا المشروع بالاستناد إلى الموروث الديني الإسلامي الذي يحرم هذا الحيوان وتربيته والانتفاع به في مواجهة حالة العمى السياسي عند الحكام العرب الذين وصفوا خنزير ريغان بالخروف والعجل السمين والغزال.
حاز الحب العربي الأعمى لأمريكا على اهتمام واسع من إبداعات ناجي العلي، فالعرب يهتفون بحناجرهم ويلوحون بقبضاتهم ولاءً للسيد الأمريكي العم سام، فأظهر إجماعهم على الولاء له مهما كانت سياساته وجرائمه فهفواته عندهم تغتفر، وهم جميعاً يحجون في ذات الحافلة التي يقودها كسنجر نحو أمريكا وإن بدوا في اللوحة مختلفين في وجهات النظر، إلا أن باص كسنجر للسلام على الطريقة الأمريكية هو نقطة الإجماع الوحيدة بينهم، والوحيد الرافض الذهاب معهم هو حنظله بما يمثله من رمزية ممانعة للشعوب العربية المقهورة.
دعا كذلك الشعوب العربية لنفض يديها من عرب أمريكا الذين قبلوا ذبح الثورة الفلسطينية وقطع يدها وتزيينها بالورود ووضعها على طبق كهدية لإسرائيل طمعاً في رضى واشنطن وسكان البيت الأبيض، في إشارة واضحة الدلالة على دور الأنظمة العربية في شل حركة المقاومة الفلسطينية عبر أراضيها. طال ناجي بسهام ريشته النارية القيادة الفلسطينية، ووضعها في نفس السلة مع النظام العربي الرسمي، فمنظمة التحرير منذ قبولها الدخول في دهاليز الحل السلمي وقعت بحب أمريكا وغرامها وتحولت إلى لاعب ورق متيم بالولايات المتحدة في مقابل الشعب الفلسطيني الذي بقي ولهاناً وعاشقاً لفلسطين وللكوفية المقاتلة، المنظمة لدى ناجي أضاعت بوصلتها ولم تعد هي قيادة المقاومة بعد تخليها عن البندقية المقاتلة والكوفية الثائرة وراحت تستعطف أمريكا، فقدمها على أنها رجل يتشح بالكوفية على كتفيه وقد أنزلها عن رأسه وحلق شعر رأسه على شكل العلم الأمريكي.
تحدى ناجي العلي في أكثر من رسمة كاريكاتيرية له حالة التماهي العربي العمياء مع الولايات المتحدة وعاد ليراهن على الشعوب في إسقاط الأوصياء عليه المدعومين من أمريكا مباشرة المؤتمرين بأوامرها المرتهنين لسياساتها، فرجم زوار البيت الأبيض من الحكام بالأحذية، وطالب شعوبهم إزاحتهم عن الحكم وحتى قتلهم، مبيناً خوف الحكام وجبنهم، فبوادرالإستسلام والتسليم بواقع احتلال إسرائيل لفلسطين وأجزاء من أراضيهم يكشفها حنظله للعيان. كلهم عند ناجي قابلين بالقرارين الدوليين 242 و338 المدموغين على إست كل واحد منهم استجابة لطلب أمريكا التي تقيس بين الفينة والأخرى مدى هذه الاستجابة عبر وزير خارجية ريغان Reagan جورج شولتز George Shultz، فثقتهم بالإدارة الأمريكية لا حدود لها.
استنجد العلي كذلك بالموروث الشعبي وخزان الذاكرة لدى الشعوب العربية وعند الفلسطينيين للتصدي لحالة الهزيمة والتساوق مع الأمريكيين من قبل قياداتهم، فحنظله يقفز على ظهر إحدى القيادات بقدميه لتلفظ حب أمريكا من قلبها، وبقية الحكام وقفوا في ذات اللوحة يقولون له بنحبها من قلوبنا. تأتمن فاطمة الفلسطينية في لوحة أخرى حنظلة على حفنة من تراب فلسطين لينثرها في وجه عرب أمريكا علهم يستفيقون من غفلتهم ويعودون عن غيهم وغرقهم في هذا الحب.
أعرب ناجي عن خشيته من تداري القضية الفلسطينية وحق العودة من الوجدان العربي بسبب التحاق الكتاب والصحفيين بمسلسل غزل وحب أنظمتهم لأمريكا ما يعني استجابتهم لمطالب التطبيع مع إسرائيل، فلم يجد سوى حنظله ليقوم بمهمة كسر هذه التوجهات حاملاً رواية الأديب الفلسطيني غسان كنفاني عائدٌ إلى حيفا خلف ظهره متمشياً بقدميه على العلم الأمريكي كاسراً قدسية وحرمة أمريكا، إستنتج ناجي في إحدى كاريكاتيراته أن عرب أمريكا لا يمكن أن يعدلوا عن مواقفهم وأن العوض في ذلك مفقود، فحتى الحمار يأمل بالتطور ليصبح حصاناً أمام قناعتهم بالحضن الأمريكي التي لا تتبدل.