عنب بلدي – حسام المحمود

شارك الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 5 من آذار الحالي، في القمة العربية الطارئة التي استضافتها القاهرة، بعنوان 'قمة فلسطين' لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية.

وجاءت مشاركة الشرع كأول حضور له في قمة عربية منذ سقوط نظام بشار الأسد، وتولي الشرع الرئاسة، ما جعل هذه المشاركة محط أنظار واهتمام عربي، إذ جمعت الرئيس السوري بكل الرؤساء الذين لم يلتقِهم من قبل، ولا تزال اتصالاتهم مع دمشق دون لقاءات رئاسية ثنائية بمعظمها، باستثناء السعودية وقطر والأردن، وهي دول عقد الشرع لقاءات مع رؤسائها وزار اثنتين منها.

وعلى هامش أعمال القمة، أجرى الشرع اجتماعات ولقاءات مع مسؤولين عرب وأجانب، منهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ورئيس السلطة الفلسطينية، والرئيس اللبناني، والرئيس المصري.

كما أجرى لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بحضور وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الذي رافق الشرع خلال هذه المشاركة.

وخلال القمة، رحّب ملك البحرين، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، رئيس القمة العربية للدورة الحالية، بحضور الشرع كرئيس للجمهورية العربية السورية، كما ألقى الشرع كلمة من ثماني دقائق، أثنى خلالها على عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد سنين من الغياب (في إشارة إلى منح جامعة الدول العربية مقعد سوريا للمعارضة في 2013).

علّق وزراء الخارجية العرب عضوية نظام الأسد في جامعة الدول العربية، بعد اجتماع طارئ عُقد في العاصمة المصرية، القاهرة، في تشرين الثاني عام 2011، وذلك بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، للمطالبة بإسقاط النظام.

وظل المقعد السوري شاغرًا في الجامعة العربية منذ تجميد العضوية حتى آذار 2013، حين مُنح خلال القمة العربية المنعقدة في الدوحة للمعارضة، وألقى رئيس 'الائتلاف السوري المعارض' حينها، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.

وإثر صدور قرار التجميد بموافقة 18 دولة عربية، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، أُعلن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على نظام الأسد.

وبعد محاولات بعض الدول العربية كالجزائر والعراق، ومعارضة دولة عربية أخرى مثل قطر والكويت، شارك الأسد بقمة جدة في أيار 2023، ثم في قمتين عربيتين إسلاميتين استثنائيتين في الرياض حول حرب غزة، وفي قمة عربية عادية بالمنامة في أيار 2024.

الرئيس السوري قال إن المشاركة في القمة العربية تأكيد على دعم سوريا للقضايا العربية العادلة، وسعي للاستقرار في المنطقة، مشددًا على حق الفلسطينيين بالبقاء في غزة، ورفض التهجير، كما دعا الدول العربية إلى تحمل مسؤوليتها في دعم سوريا لمحاربة سياسات إسرائيل والضغط عليها للانسحاب من الجنوب السوري (في إشارة إلى عمليات التوغل البري التي نفذتها إسرائيل جنوبي سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ولا تزال مستمرة).

وقال إن 'التهاون في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي قد يفتح المجال لمزيد من التحديات والتهديدات على الأمن القومي العربي'، لذا من الضروري أن تتحمل الدول العربية مسؤوليتها في دعم سوريا، وأن تتحد جهودها لمحاربة هذه السياسات العدوانية التي لا تسعى إلا إلى زرع الفتنة والاضطراب في المنطقة، وفق الرئيس السوري.

وتحدث الشرع أن إسرائيل منذ احتلالها للجولان السوري في عام 1967 لم تتوقف عن انتهاك حقوق الشعب السوري، بل عملت على تجاهل الاتفاقيات الأممية في هذا الإطار، وصعدت هجماتها العسكرية وزادت من الاستيطان على الأراضي السورية، معتبرًا أن العدوان الإسرائيلي المتواصل إلى جانب الهجمات العسكرية التي تستهدف أمن سوريا واستقرارها يتطلب من الجميع الوقوف صفًا واحدًا ضد هذا التصعيد.

وأشار الرئيس السوري إلى تمسك سوريا والتزامها باتفاق 1974، الخاص بالفصل بين القوات الذي تم التوصل إليه برعاية الأمم المتحدة، مضيفًا، “إننا نحث المجتمع الدولي على الوفاء بالتزاماته القانونية والأخلاقية، في دعم الحقوق السورية في الضغط على إسرائيل للانسحاب الفوري من الجنوب السوري، وعلى ضرورة وضع حد لسياسات الاحتلال الإسرائيلية التي تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين، كما يجب أن تكون هناك إجراءات عملية لوقف هذه الاعتداءات المتواصلة'.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح لعنب بلدي أنه لا حاجة للبحث عن إرادة عربية للاعتراف بالشرع، فالزيارات السابقة التي أجراها الشرع إلى بعض الدول، أظهرت استقباله كرئيس شرعي، كما أن الدول العربية تريد اليوم التعامل مع الشرع كرئيس أمر واقع، إذ يرى البعض ضرورة في التعامل معه لملء الفراغ.

وبحسب السبايلة، فإن هذه الرغبة العربية تكونت قبل أحداث الساحل في سوريا، وفي حال تكرار مثل هذه الأحداث قد يكون الشرع في أزمة، أو أزمات مستقبلية وقد لا يكون تعبيرًا عن إمكانية الحل في سوريا.

الخبير الاستراتيجي اعتبر أن مجرد الدعوة التي تلقاها الشرع تعبير عن قبول عربي، مع عدم إمكانية التعامل معه حاليًا على أنه رئيس سوريا الجزء من القرار العربي، فالوضع الحالي يجعله رئيسًا هامشيًا وليس جزءًا من القضايا التي يتحدث عنها العرب في القمة الطارئة.

وفي إشارة إلى وقوف الشرع على الطرف في الصورة الجماعية لممثلي الدول العربية المشاركة، خلافًا لما كان عليه الحال في مشاركات بشار الأسد الأخير في قمتي جدة والمنامة، فسّر السبايلة المسألة بأنها رسالة مفادها أن الشرع وإن تم الاعتراف به كرئيس، لكنه ليس رئيسًا ثابتًا شرعيًا لدولة قوية، لا سيما أن الشرع رئيس للمرحلة الانتقالية في سوريا.

وكانت القمة العربية انتهت ببيان ختامي من 22 بندًا، حضرت سوريا في الـ21 منها، الذي تضمن إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا والتوغل داخل أراضيها الذي يعد خرقًا فاضحًا للقانون الدولي وعدوانًا على سيادة سوريا وتصعيدًا خطيرًا يزيد من التوتر والصراع، ومطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن بالتحرك الفوري لتطبيق القانون الدولي وإلزام إسرائيل وقف عدوانها والانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها في خرق واضح لاتفاق الهدنة للعام 1974، وإعادة التأكيد على أن هضبة الجولان هي أرض سورية محتلة ورفض قرار إسرائيل ضمها وفرض سيادتها عليها.

مصر هي الوجهة العربية الثالثة للشرع بعد السعودية والأردن، والرابعة دوليًا بعد تركيا أيضًا، ومن المتوقع أن يجري الرئيس السوري زيارة قريبة إلى فرنسا، للقاء الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كما أن البيان الختامي للمؤتمر الدولي بشأن سوريا في باريس، منتصف شباط الماضي، وبيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 7 من آذار، واجتماعات الرياض بشأن سوريا، في 12 من كانون الثاني الماضي، كلّها حملت تأكيدًا على دعم عملية انتقالية سياسية تتمثل في القوى السياسية والاجتماعية السورية، وتحفظ حقوق السوريين، وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري.