اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
في انطلاقة رمزية لبداية حدث تاريخي أحرق حزب العمال الكردستاني سلاحه إيفاداً لقرار زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان بانتهاء حقبة النضال العسكري الكردي ضد الدولة التركية وبدء مرحلة النضال الديموقراطي لتحقيق حقوق الكرد الأتراك.. جرى ذلك على مقربة من محاولات المبعوث الرئاسي الأميركي توم براك إلى سورية الذي عمل على أخذ قوات 'قسد' التي يوجد بداخلها امتداد لحزب العمال الكردستاني الى تنفيذ خطوة مشابهة من خلال إقناعها بالموافقة على دمج قواتها بجيش الدولة السورية الجديدة المنقادة من أحمد الشرع. وقبل أيام كان براك يزور لبنان لمتابعة غاية مشابهة وهي التوسط لجعل حزب الله يقبل بتسليم سلاحه للدولة اللبنانية؛ وينهي حقبة تاريخية من الجهاد العسكري لمصلحة التفرغ للعمل الديموقراطي أسوة بنظرائه الأحزاب اللبنانية.
والواقع أنه من تركيا إلى سورية فلبنان هناك فيما يبدو هدف واحد وإن تنوعت خصوصيات ساحاته، وهو إنهاء حقبة تصدر القوى ما دون الدولتية لواجهة الصراع العسكري في المنطقة.
طوال العقدين الماضيين تحولت معادلة الحرب والسلم في المنطقة أيدي دول بمقابل دول إلى تنظيمات بمقابل دول تنهشها مشاكل بنيوية وليس لها قدرة على احتكار العنف والتفرد بقرار الحرب والسلم.
وعلى هذا يبدو أن هناك توجهاً دولياً لإنهاء حقبة سيطرة القوى ما دون الدولتية على معادلة الأمن والحرب في المنطقة وذلك لمصلحة إعادة إنتاج الدول المركزية المتحكرة للعنف في بلدانها؛ وذلك كمقدمة لإطلاق حوار إقليمي حول الاستقرار والتنمية وإنهاء الحروب.
يقترح الأوروبيون أن يكون حل الدولتين هو أحد حلقات هذا المسار المزمع تنفيذه في الشرق الأوسط؛ غير أن تحالف ترامب نتنياهو يعتبران أنه يمكن للعالم أن يبدأ من نقطة أخرى غير نقطة حل الدولتين؛ أي من نقطة إنجازات نتنياهو العسكرية وبخاصة تلك التي تشارك فيها مع أميركا ضد طهران. ويسمي ترامب هذا الخيار 'بالسلام القوي'، فيما نتنياهو يضيف عليه مصطلح تغيير الشرق الأوسط.
حتى الآن ليس مضموناً إلى أين ستتجه مسألة إنهاء حقبة سيطرة القوى ما دون الدولتية على جزء من قرار الحرب والسلم في المنطقة؛ ذلك أنه قد لا يكون مقنعاَ بالنسبة لأكراد سورية أن يقبلوا ضمانات أحمد الشرع بحماية التنوع في سورية؛ وقد لا يفي أردوغان بتعهده بمنح أكراد تركيا بالسياسة الحقوق التي لم يعطهم إياها بالحرب؛ وقد لا يكون مقنعاً لحماس ولا لحزب الله أن نتنياهو سينسحب من غزة أو من جنوب لبنان؛ وبالتالي سيصبح موضوع سحب سلاح القوى ما دون الدولتية هو عنوان لحرب جديدة طالما أن الأسباب التي وجدت هذه القوى من أجلها لم تحل لا بالحرب سابقاً ولا بالسلم الآن؛ ومرة جديدة ستجري عملية الالتفاف عليها وعدم تحقيقها.
يبقى القول أن مسألة سلاح حزب الله هي واحدة من أزمات القوى ما دون الدولتية في المنطقة التي تجري محاولات لإنهاء عصرها وتعويضها سياسياً عن سلاحها؛ ولكن هذه الحقيقة لا تنفي خصوصية سلاح الحزب لصلته ببعد إقليمي وبصراع تاريخي وبتموضع داخلي. ويبدو حتى الآن أن قطار سحب سلاح حزب الله لا يزال في حالة انطلاق عند محطة موجودة خارج لبنان وتحديداً في سورية التي ستكون الحلول التي تطبق فيها نموذجاً للحلول التي ستتبع في كثير من دول المنطقة.