اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال القمة الخليجية الأميركية في العاصمة السعودية أن 'لدى لبنان فرصة حقيقية لمستقبل خالٍ من 'حزب الله'، وفرصة لبنان تأتي مرة في العمر ليكون مزدهراً'. والفرصة بعلم السياسة، هي المومنتم الذي لا يجب إضاعته، والمومنتم الحالي لا يوصّف حتى بالمثالي، كونه أكثر من مثالي، إذ من كان يتوقّع حصول الانهيارات كلها دفعة واحدة، بدءاً من إيران، وصولاً إلى أذرعها، وما بينهما أن يطوّق 'حزب الله' في الداخل جغرافياً ووطنياً وسياسياً؟
وما يجب تأكيده بداية ، أن هدر الفرصة الذهبية، لا سمح الله، لا يعني العودة بلبنان إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، فهذه العودة ممكنة فقط بأحلام 'حزب الله' وتمنياته، ولكن على أرض الواقع الزمن الماضي مضى إلى غير رجعة، والحمد لله، انطلاقاً من اللاءات التالية:
لا إسرائيل في وارد إعادة ترك 'حزب الله' يراكم قوته من جديد، وما تقوم به يومياً بقتل كوادره، منذ وقف الحرب في 27 تشرين الثاني، مع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لن يتوقّف، وهو لا يجرؤ على الرد كونه لا يستطيع الردّ.
ولا سوريا الشرع في وارد التساهل مع محاولات عبور الحرس الثوري من أراضيها إلى لبنان من أجل مده بالمسلحين والسلاح، والرئيس الشرع ليس بحاجة إلى توصية من الأميركيين لمنع تواجد الحرس و'حزب الله' في سوريا، فهو كأن أول من طرد ميليشيات إيران انتقاماً على ما ارتكبته بحق الشعب السوري.
ولا الولايات المتحدة ستسمح لإيران باستعادة دورها الخارجي المزعزع لاستقرار المنطقة، والإدارة الترامبية تضع جهودها كلها لإقفال ملفات النزاع مع طهران في حدود أشهر قليلة: النووي، الدور والصواريخ الباليستية.
ولا الدولة اللبنانية التي أصبحت أقوى من 'الحزب' ستتهاون مع أي أمر واقع عسكري يحاول فرضه أو اللجوء إليه، وواقعة إقفال طريق المطار أكبر دليل أنه لم يعد باستطاعته إقفال مجرّد طريق.
وعليه، فإن المقصود بهدر الفرصة التاريخية والذهبية ليس العودة إلى ما قبل 'حرب الإسناد'، إنما استمرار حالة المراوحة الوطنية والسياسية والمالية والاقتصادية والاستثمارية، وهذه الحالة مرشحة للاستمرار في ظل حلقة مقفلة ناتجة عن رفض مثلّث: رفض المجتمع الدولي مساعدة لبنان قبل احتكار الدولة وحدها للسلاح، رفض الدولة بسط سيطرتها بالقوة على رغم تأكيدها المستمر على ضرورة بسط سلطتها على كامل أراضيها، ورفض 'حزب الله' إنهاء مشروعه المسلّح على رغم انسداد أفق استخدام سلاحه إقليمياً ومحلياً.
والمؤسف في هذا المشهد، أن المنطقة دخلت في عصر جديد ومرحلة جديدة، فيما لبنان ما زال خارج هذا المشهد، والخشية هذه المرة ليست من عودة عقارب الساعة إلى الوراء، فلا عودة بتاتاً إلى الوراء، إنما من المراوحة في الفشل وعدم التقدُّم إلى الأمام، ويرتكب 'حزب الله' على هذا المستوى جريمة إضافية بحقّ اللبنانيين عموماً وبيئته خصوصاً، بسبب تمسكه بسلاح فقد دوره وصلاحيته، ويتحمّل مسؤولية الخروقات الإسرائيلية واستهدافه المتواصل، من دون أن تكون له القدرة على الردّ عليها وحتى الدفاع عن نفسه، وهذا الوضع، مرشّح للاستمرار إلى أن تبسط الدولة سلطتها، وما لم تبادر إلى بسط سلطتها يعني أن لا مساعدات ولا وقف للضربات الإسرائيلية، فتكون المنطقة انتقلت إلى حقبة الاستقرار، وبقي لبنان وحيداً بؤرة غير مستقرة، والفارق هذه المرة عن المرات السابقة، أنها ساحة معزولة وغير قادرة على التأثير على الساحات الأخرى، أي أن ضررها يرتد على اللبنانيين حصراً.
وانطلاقاً من ذلك، فلا المبالغة في التشاؤم صحيحة، ولا المبالغة في التفاؤل دقيقة، إنما البقاء في دائرة المراوحة طالما أن 'حزب الله' لم يبادر إلى إعلان نهاية مشروعه المسلّح، وطالما أن السلطة لم تبادر إلى إبلاغه بضرورة إنهاء هذا المشروع ضمن فترة زمنية محددة، وإلا ستضطر إلى استخدام القوة معه، ولكن ما هو غير معروف بعد يكمن في التساؤلات التالية: هل ينتظر 'الحزب' الإشارة الإيرانية ليتخلى عن سلاحه؟ وماذا لو أرادت طهران أن يُبقي على سلاحه؟ وهل يراهن أن الدولة لن تجرؤ على نزعه بالقوة؟ ولماذا يتخلى عن سلاحه إذا لم يشعر أن الدولة عازمة على نزعه بالقوة؟ وبالمقابل، هل رفض السلطة وضع جدول زمني لإنهاء السلاح غير الشرعي مرده إلى رهانها على المفاوضات بين واشنطن وطهران وما سترسو عليه؟أم أنها تراهن على القضم التدريجي للدولة الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية؟
ما لا يفترض إغفاله، أن من يربح في الإقليم يربح في لبنان، وبما أن 'حزب الله' هُزِم في الإقليم، فإن نهاية دوره المسلّح في لبنان باتت مسألة وقت لا أكثر، خصوصاً أن الوضع في المنطقة يشهد تحولاً معاكساً للمسار الممانع السابق، ولن تنفع طويلاً محاولات 'الحزب' فصل لبنان عن المنطقة أو عزله عنها، فيما العزلة الحقيقية الداخلية والخارجية تصيب 'الحزب' نفسه وليس لبنان، الذي أعاد ترميم جسور علاقاته مع الغرب والشرق.
إن 'فرصة العمر' التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي تحقّقت مع زوال مشروع الممانعة الذي تقطّعت أوصاله، ولا حياة لدور 'حزب الله' طالما أن مشروعه الإقليمي انتهى، ولكن السؤال الذي لا بدّ من طرحه: هل ستسهِّل هذه المجموعة 'فرصة العمر' لعودة لبنان سويسرا الشرق، أم ستعرقلها؟