اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
لقد أصبحت فلسطين مكانا رمزيا لإعلان انتهاء النظام الدولي المبني على القواعد الذي نشأ بعد الحرب الثانية 1945، وسبيلا للتمرد ضد النفاق الغربي وغطرسة القوة المادية، والنظام الاستعماري القمعي.
أصبح النضال في فلسطين ومن أجلها قضية عالمية تتعلق بالعدالة والحقوق ومناهضة الاستعمار، مما يربطه بنضالات أخرى، مثل العدالة العرقية والبيئية وبين الجنسين، وعدالة توزيع الثروات والدخول، وحركات مناهضة الحروب، والقتل الجماعي في جميع أنحاء العالم.
وهي تعمل كعدسة حاسمة يتم من خلالها فحص اتساق وإخفاقات النظام الدولي، وقيم حقوق الإنسان العالمية. لقد اكتسبت القضية الفلسطينية مكانة رمزية عميقة على الصعيد العالمي، وخاصة بين كثير من دول 'الجنوب العالمي'، وفي المدن الغربية بين الحركات السياسية الرافضة كل مظالم النموذج المهيمن، وبين الأجيال الشابة الذين يرون مستقبلهم في التمرد ومناهضة كل ما هو سائد ومسيطر من معاني القوة.
يحمل التضامن العالمي بطبيعته انحيازا معياريا نحو العدالة. هذا الانحياز موجه ضد القتل الجماعي والإبادة الجماعية، وجميع أشكال التمييز على أساس العرق أو الأصل أو الجنس أو الثروة.
جوهر العدالة هو الاتساق المعياري؛ إذ يجب أن يُطبق المبدأ بالتساوي على الجميع، ويطالب بحماية حياة الجميع، مع الاعتراف بالتكريم الإلهي الأصيل الممنوح لجميع البشر، وليس لعرق واحد، أو مجموعة واحدة فقط.
إن الصراع يفرض على العالم مواجهة المقدمات الأساسية التي بُني عليها النظام العالمي، وخاصة تلك التي تركز فقط على الربح المادي دون مراعاة الكرامة الإنسانية. إنه يكشف عن الطبيعة الحقيقية للنظام الدولي الحالي المبني على ازدواجية المعايير والهيمنة الأميركية.
اندمج النضال المعاصر من أجل تحرير فلسطين في مختلف الحركات الاجتماعية والعدالة العالمية، مما أدى إلى توسيع نطاق أهميته إلى ما هو أبعد من الخطوط الوطنية أو القومية أو الدينية البحتة، وهو للأسف ما لا يدركه الخطاب العربي حتى الآن بعمق.
أصبح النضال الوطني الفلسطيني قضية عدالة تطالب بها المجتمعات المهمشة في جميع أنحاء العالم. يُنظر إليه على أنه امتداد للحركات القوية التي تطالب بالعدالة العرقية والاجتماعية والجنسانية.
تشمل هذه المطالب العالمية بالعدالة، معارضة الاستعمار الاستيطاني. تتم مقارنة القضية الفلسطينية بالنضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
يساعد مفهوم التقاطعية على توحيد المجموعات المتباينة- بمن في ذلك اليساريون، والنسويات، وأعضاء مجتمع LGBTQ+، والناشطون البيئيون، واليهود غير الصهاينة، والشعوب الأصلية، والعرب، والمسلمون – الذين يجدون أرضية مشتركة في ربط نضالاتهم المحددة (على سبيل المثال، العدالة المناخية، والعدالة العرقية) بالعدالة الفلسطينية. بالنسبة لهذه المجموعات، فإن تفكيك القوة بكل أشكالها هو المفتاح لتحقيق العدالة.
ويسلط الصراع الضوء على الفشل العميق في تحقيق العدالة؛ بسبب الحرمان المستهدف من الإنسانية واستخدام المعايير المزدوجة. إن نظام المعتقدات الذي يصدر عنه ترامب وإدارته وقيادات إسرائيل، الذي يتضمن فرضية أن الفلسطينيين 'أقل بشرية' مقارنة بالإسرائيليين، يشكل عاملا أساسيا في استمرار الإبادة الجماعية كل هذه الشهور. معركة التجريد من الإنسانية ونزعها، مقدمة ضرورية للقيام بالقتل الجماعي، أو الإبادة أو التطهير العرقي.
فضحت الحرب ضد الفلسطينيين 'البوصلة الأخلاقية الملتوية' في الحكومات الغربية، والتي تعمل على مبدأ 'الاستثناء'. وهذا واضح من خلال إدانتهم للاحتلال غير الشرعي في أوكرانيا، في حين يدعمون إسرائيل بنشاط، على الرغم من العدد الهائل من القتلى، والانتهاكات في غزة.
كشفت الحرب عن عيوب جوهرية في النظام الدولي لحقوق الإنسان. إن النفاق الغربي الملحوظ والمعايير المزدوجة يؤديان إلى تراجع القناعات الشعبية فيما يتعلق بعالمية قيم حقوق الإنسان بشكل كبير، وخاصة بين الجماهير العربية.
'إن النموذج الذي تدافع عنه حركة التضامن العالمية بالغ الأهمية؛ لأنه لا يسعى إلى تحرير الفلسطينيين فحسب، بل الإنسانية جمعاء، من حالة العجز. إنه التغلب على العجز بتحقيق العدالة'.
إن الدعم العالمي واسع النطاق للفلسطينيين، والذي يتجلى غالبا في حركات المجتمع المدني والاحتجاجات، يعكس بحثا إنسانيا جماعيا عن معنى العدالة في العصر المعاصر.
تسعى الحركات الشعبية الداعمة للفلسطينيين إلى تحقيق الكرامة الإنسانية، متحدية الصيغ الاقتصادية البراغماتية البحتة التي تقترحها الأنظمة وحلفاؤها الرأسماليون الدوليون.
سياسة غزة
يُستخدم مفهوم 'سياسة غزة' لوصف هذه المساحة السياسية الناشئة حيث يتقاطع دعم الفلسطينيين مع قضايا محلية مهمة لمجموعات مثل اليسار، والسكان الأصليين، والنسويات، أو مجتمعات المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، وقضايا دول الجنوب.
يتجلى هذا التقاطع بين القضية الفلسطينية وبين القضايا المحلية للشعوب في جميع أنحاء العالم من خلال النضالات المشتركة ضد القمع السياسي، وعدم المساواة الاقتصادية، وتآكل حقوق الإنسان، والنفاق الملحوظ للنظام الدولي، والتفاوت بين دول الجنوب وبين الدول التي استعمرتها سابقا.
وهناك عدة طرق حاسمة يتشابك فيها النضال الفلسطيني مع القضايا العالمية والمحلية. إن القضية الفلسطينية تحتل مكانة محورية في المعنى الإنساني، مما يعكس النضالات العالمية الأوسع نطاقا من أجل العدالة. لقد احتضنت الفئات المهمشة في جميع أنحاء العالم النضال الفلسطيني من أجل الكرامة والعدالة.
يربط إطار التقاطعية النضال الفلسطيني بنضالات مختلف الفئات المهمشة في جميع أنحاء العالم. إن السعي لتحقيق العدالة للفلسطينيين مرتبط بمطالب العدالة العرقية، والعدالة المناخية، والعدالة الإنجابية، والعدالة بين الجنسين، والعدالة بين الشمال والجنوب.
تمثل فلسطين رمزا قويا للتمرد ضد النفاق الغربي والنظام الاستعماري الظالم. لقد ربطت حركات التضامن العالمية بشكل إبداعي القضية الفلسطينية بمخاوفها المباشرة والمحلية. عبر المتظاهرون في الغرب والمتضامنون في الجنوب عن دعمهم كوسيلة 'لاستعادة كرامتنا وذاتنا الإنسانية'.
تشمل المظاهرات العالمية الداعمة للفلسطينيين مكونات متنوعة: اليسار، واليهود غير الصهاينة، والحركات النسوية، والشعوب الأصلية، والسود، ومجتمع الميم، وبعض حكومات دول الجنوب.
ترتبط القضية الفلسطينية ارتباطا وثيقا بالهياكل الاقتصادية العالمية والممارسات الإمبريالية المستمرة التي تتردد أصداؤها في جميع أنحاء الجنوب العالمي.
يندرج النضال الفلسطيني في إطار مناهضة السياسات النيوليبرالية وامتداداتها (الإقليمية والدولية والوطنية)، مما يعطي النضال بعدا أوسع.
كانت النماذج النيوليبرالية للسلام (مثل اتفاقيات أبراهام) مبنية على الاقتصاد والأمن فقط، في حين أهملت بشكل أساسي الكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان التي قامت عليها القضية الفلسطينية.
ترتبط الأزمة الحالية بمنطق رأسمالي متوحش يعمل بشكل منهجي على تقليص الناس إلى مجرد مدخلات اقتصادية أو مواد استهلاكية. وغالبا ما يتحمل الجنوب العالمي العبء الأكبر من التفاوتات العالمية الناتجة في الثروة والدخل والفرص.
لقد كشف العدوان على الفلسطينيين عن عيوب في النظام الدولي، مما جعل القضية مسألة تتعلق بالحوكمة العالمية والاتساق الأخلاقي. تنظر العديد من الدول في الجنوب العالمي إلى الموقف الغربي- إدانة العدوان في أوكرانيا مع دعم قوي للأفعال الإسرائيلية- على أنه 'نفاق صارخ'، مما يضر بمصداقية النظام الدولي.
إن عمليات الإبادة الجماعية التي شهدتها غزة مرتبطة بظاهرة عالمية أوسع نطاقا تتمثل في القتل الجماعي الذي لوحظ في الصراعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك اليمن، والسودان، ومنطقة الساحل الأفريقي، والمكسيك، وأوكرانيا. وهذا يشير إلى أن العنف ضد المدنيين أصبح قضية مقبولة عالميا.
تسلط الأزمة الضوء على القضايا العالمية المتزايدة المتمثلة في القومية المتطرفة والفساد وكراهية الأجانب المتزايدة والاستبداد واتساع فجوة التفاوت في الدخل والفرص. ينظر الكثيرون إلى سلوك إسرائيل وحلفائها الغربيين على أنه يقوض النظام الدولي القائم على القواعد والمبادئ الراسخة للكرامة الإنسانية.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية بمثابة بؤرة للانقسامات الجيلية والأيديولوجية الناشئة على مستوى العالم. أدت هذه القضية إلى إحداث انقسام بين الأجيال، وخاصة في الدول الغربية، حيث إن الأجيال الأصغر سنا (Z وY وAlpha) أكثر تشككا في السياسة الإسرائيلية، وأكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من نظرائهم الأكبر سنا.
يستخدم الشباب أساليب جديدة، غالبا ما تكون متجذرة في دافع أخلاقي/إنساني، تركز على القيم الإنسانية المشتركة، لدعم الفلسطينيين، مما يميز نهجهم عن الخطابات الأخرى.
يندمج النضال الفلسطيني في إطار قائم على الحقوق يتضمن معارضة الفصل العنصري، والإبادة الجماعية، والنيوليبرالية في سردية واحدة متماسكة.
وأخيرا، فإن القضية الفلسطينية تتقاطع بشكل عميق مع قضايا الجنوب العالمي، حيث تشكل رمزا قويا للنضال المشترك ضد النفاق الغربي الملحوظ، والسياسات النيوليبرالية، واستمرار الأنظمة الاستعمارية.
يتجلى هذا التقاطع في توافق القضية الفلسطينية مع مقاومة الاستغلال الاقتصادي في الجنوب العالمي، حيث تتجلى فيها الإمبريالية المستمرة التي تتردد أصداؤها في جميع أنحاء الجنوب العالمي.
تسلط القضية الفلسطينية الضوء على الأولويات المختلفة بين الشمال والجنوب، والتأثير المتزايد لدول الجنوب العالمي في تحدي النظام الدولي القائم الذي يهيمن عليه الغرب.
إن الظهور المتزايد لدول الجنوب العالمي في معارضة الأزمة الحالية يمثل تطورا جيوسياسيا مهما، على سبيل المثال، لعبت جنوب أفريقيا وناميبيا دورا قياديا، مثل رفع قضية الإبادة الجماعية ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية. تهدف هذه الجهود التي تبذلها بلدان الجنوب العالمي إلى استعادة فاعلية القانون الدولي وآليات المساءلة.
مشاركة الجنوب العالمي، وخاصة في السبل القانونية مثل محكمة العدل الدولية، جزء من التحرك لإنشاء نظام جديد يعطي الأولوية للعدالة للجميع، متجاوزا 'عدالة المنتصر' إلى 'عدالة الضحية'، مما يضمن عدم إدانة جرائم الإبادة الجماعية متأخرة فحسب، بل منعها وملاحقتها قضائيا على نطاق عالمي، بدلا من إدانتها بشكل انتقائي.
وفي حين تتعاطف دول عديدة، إلا أن الجنوب العالمي ليس موحدا. تختلف المواقف بناء على الأيديولوجية والمصالح الوطنية. فعلى الرغم من الإجماع التاريخي على دعم فلسطين، فإن الهند، المتأثرة بالقومية الهندوسية المتطرفة (التي يمثلها مودي)، غيرت موقفها لتصبح حليفا قويا لإسرائيل.