في مشهد طال انتظاره ولاقى ترحيبًا شعبيًا واسعًا، أطاح مجلس الوزراء بمحافظ الشمال رمزي نهرا، منهياً ولاية حفلت بالفضائح، والتجاوزات، والاتهامات الصارخة بالفساد والتسلّط. قرار الإقالة لم يكن مفاجئًا، بل جاء كخاتمة لحقبة مظلمة مرّت على طرابلس والشمال اللبناني، طُبعت بالكيدية السياسية، ومظاهر 'البلطجة الإدارية'، والارتباط الفجّ بأجندات حزبية، لطالما انتُقدت من الشارع الطرابلسي ومن فعالياته.

نهرا الذي تسلّم منصبه عام 2014 كقاضٍ سابق في ديوان المحاسبة، لم يُنظر إليه يومًا كممثل لدولة القانون، بل كأداة تنفيذية في يد 'التيار الوطني الحر' ورئيسه جبران باسيل، حيث تحوّل مكتبه في سراي طرابلس إلى منصّة لتصفية الحسابات وتوزيع النفوذ أكثر منه مركزًا إدارياً لخدمة الناس.

صدام مع المدينة… واستعلاء فاق حدود السلطة

منذ تعيينه، فاحت رائحة الاستعلاء من تصرفات المحافظ، وتعددت الحوادث التي أظهرت استخفافه بالمواطنين وممثليهم، من رئيس بلدية طرابلس رياض يمق الذي تعرّض للإذلال في مكتبه، إلى اعتداء موثّق على الصحافي عبد الكريم فياض، مدير مكتب 'الوكالة الوطنية' في طرابلس، حين اقتحم نهرا المكتب محاولًا ضربه.

إضافة إلى ذلك، كان نهرا خصمًا للحرية، حيث هاجم موظفة بلدية بسبب منشور لها على 'فيسبوك'، ووجّه لها إنذارًا لمجرّد تعبيرها عن رأيها. وكأنّ الحريات العامة أصبحت تُدار بمزاج المحافظ، لا بنصوص الدستور!

فساد بغطاء سياسي

الأخطر من الاستعلاء هو التواطؤ. فنهرا كان، بحسب مصادر مطلعة، شريكًا صامتًا وربما نشطًا في شبكات فساد معروفة، أبرزها 'مافيا المولدات' في الشمال، التي فرضت خوات على المواطنين، وأهلكت الناس بأسعارها الباهظة، من دون أي تدخل أو ردع من السلطة المحلية المفترض بها أن تحميهم.

كما كشفت تقارير عن تدخلات مباشرة لنهرا لتعطيل ملاحقات قضائية ضد رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين، بضغط سياسي لحماية المحسوبين عليه، ما اعتُبر صفعة لهيبة القضاء وهيبة الدولة معًا.

وفي العام 2019، أعطى المحافظ رخصة غير قانونية لشركة Wilco لإنشاء مزرعة دواجن في منطقة أثرية في كفريا (زغرتا)، ما

أثار موجة غضب أجبرته لاحقًا على التراجع تحت الضغط الشعبي والوزاري.

انتخابات طرابلس… القشة التي قصمت ظهر الوالي

في أوج التحضيرات للانتخابات البلدية في طرابلس، انفجرت المواجهة بين المحافظ ووزير الداخلية أحمد الحجار. نهرا لم يوفّر جهدًا في عرقلة اللوائح المعارضة، ومنع تصاريح المندوبين، ومحاولة 'ضبط' حركة الحملات الانتخابية، وكأنّ المدينة مزرعة باسيلية لا ساحة ديمقراطية.

في مشهد صارخ أمام الكاميرات، حاول المحافظ الردّ على أحد المواطنين خلال زيارة الوزير، لكن الحجار أوقفه بكلمة حاسمة: 'أنا اللي عم بحكي'. كانت هذه الكلمة لحظة مفصلية، أظهرت بشكل لا لبس فيه أن ساعة نهرا قد دقّت.

إقالة نهرا… احتفالات الشارع ورسالة الدولة

لم تنتظر طرابلس طويلاً لتُظهر نشوتها بسقوط المحافظ الذي أرهقها لسنوات. مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بالتهاني، والناشطون وصفوا القرار بـ'التحرير الإداري'. أخيرًا، انتصر الصوت الطرابلسي على من أساء لكرامة المدينة.

إقالة نهرا حملت في طياتها رسالة واضحة: لا أحد فوق المحاسبة، لا الحصانة السياسية تنفع، ولا الغطاء الحزبي يحمي. وزير الداخلية أحمد الحجار، الذي واجه الضغط بصمت وعمل بحزم، أوصل رسالة لا تحتمل التأويل: كل موظف فاسد مصيره المحاسبة، مهما علت رتبته.

ردود الفعل على مواقع التواصل بعد إقالة رمزي نهرا

تفاعل ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع قرار إقالة محافظ الشمال رمزي نهرا ووضعه قيد الإقامة الجبرية، حيث اعتبر كثيرون أن القرار طال انتظاره، ويمثل خطوة نحو محاسبة الفاسدين في الإدارة العامة.

النائب أديب عبد المسيح كتب على منصة 'أكس':

'إقالة محافظ الشمال خطوة منتظرة منذ سنوات، وبداية مسار محاسبة المقصرين في الإدارات العامة. الدولة تبدأ باستعادة هيبتها… ولو متأخرة'.

وسرعان ما تصدر اسم رمزي نهرا قائمة المواضيع الأكثر تداولاً (Trending) على المنصة، حيث غصت التعليقات بالفرح، والنقد، والمطالبة بالمحاسبة. ومن أبرز ما ورد:

• 'الشي الوحيد لي كان متفق عليه الشمال كله هو كره هالإنسان، واليوم الشمال ارتاح منه… سقوط #رمزي_نهرا.'

• 'لا تكفي إقالة الفاسد رمزي نهرا، نريد التحقيق معه بملف جبل النفايات وملف المولدات. نريد محاسبته هو وكل من حماه وعطاه وتحالف معه في ملفات الفساد ونهب طرابلس والشمال.'

المزاج العام في طرابلس والشمال عكس حالة ارتياح من جهة، ومطالبة بالعدالة من جهة أخرى، في مشهد يعكس تصاعد ضغط الرأي العام باتجاه محاسبة من وصفهم المتابعون بـ'رموز الحماية السياسية للفساد'.

من جهة أخرى، اعتبر البعض أن اقالة نهرا تثير القلق في الأوساط المسيحية، حيث تتوالى القرارات التي تُضعف حضور المسيحيين في مواقع الدولة الإدارية والرسمية.

هل يبدأ الشمال صفحة جديدة؟

فيما تستعد القائمقام إيمان الرافعي لتسلّم مهام المحافظ بالوكالة، تترقّب طرابلس والشمال كيف ستُدار المرحلة المقبلة، وهل تنجح الدولة في ترميم الثقة المفقودة مع أهل المدينة، التي عانت من إهمال وتسلط محافظ فُرض عليها بقوة السياسة، لا القانون؟

أملٌ جديد يُولد في الشمال اليوم، مع سقوط أحد رموز الفساد السياسي – الإداري، الذي لطالما كان يُعتبر 'خطًا أحمر'. ومعه، يتجدد سؤال قديم: كم نهراً بعد في الإدارة؟ وكم من مسؤول محميّ يفعل ما يشاء باسم 'الزعيم' أو 'المذهب'؟

لقد سقط رمزي نهرا، لكن المعركة مستمرة… معركة استعادة الدولة من قبضة الفاسدين.