اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٤ أيار ٢٠٢٥
تواصل إسرائيل عمليتها العسكرية في قطاع غزة تحت عنوان «مركبات جدعون»، وإن بدا واضحاً وجود انفصام عميق حالياً وخلافات بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية، بما يتجاوز الحرب نفسها ومجرياتها وأهدافها. فبينما يصر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على فرض خطوط نهاية صارمة للحرب والابتعاد عن أي احتمال للتوصل إلى اتفاق قريب لوقف إطلاق نار، يعمل الجيش الإسرائيلي في ظل ضبابية إستراتيجية، من دون خطة واضحة وأهداف معروفة، وإن كانت المقاربة التي تصدر عنه، توحي بعكس ذلك.
فالتصريحات السياسية تكرّس عدم التزام إسرائيل بأفق ديبلوماسي واضح، فيما المؤسسة العسكرية توحي في مقاربتها الإعلامية بأن العمليات الأخيرة، وخاصة في خانيونس ورفح، تمثّل مؤشرات على أن حركة «حماس» تمر بمرحلة انهيار حقيقي.
إلا أن هذا التقدير المعلن، كما يرد في تسريبات نُشرت في الإعلام العبري في الأيام الماضية، لا يأتي من موقع اليقين، بل من أمل في أن الضغوط الإنسانية المتزايدة، إلى جانب تدمير البنية التحتية، وعمليات قتل المدنيين وتهجيرهم، قد تؤثّر في إخضاع «حماس» وإجبارها على تقديم التنازلات المطلوبة إسرائيلياً. وما يزال الجيش يرصد باهتمام أي مؤشرات على فقدان «حماس» السيطرة، وإن كان يعمد لاحقاً إلى تضخيم هذه المؤشرات ودلالاتها، علماً أن المؤسسة العسكرية نفسها تدرك أن الثقة بتغيير المعادلة عبر هكذا رهانات، تبقى محدودة.
وما يزال مصير المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة قضية مركزية في الداخل الإسرائيلي، وما يزال التعامل معها يتم بحساسية عالية في الخطاب العام، لكن الواقع العملي يشير إلى أنهم لم يعودوا محور الحسابات الإستراتيجية، بل أصبحوا في جوهر الأمر عائقاً أمام القيادة السياسية في متابعة الحرب بلا قيود.
أما الجيش، فأقل اندفاعاً ممّا كان عليه سابقاً. وتصدر عنه بين الحين والآخر تحذيرات من أن العملية العسكرية قد تؤدي إلى قتل المحتجزين، لكن هذه التحذيرات باتت تُستخدم بشكل متزايد كذريعة للحد من الخيارات العسكرية، وتجنّب العمليات النوعية والتوغّلات العميقة في القطاع، التي يجد صعوبة في تنفيذها، لأكثر من اعتبار يتعلّق بالنتيجة، وكذلك بمحدوية القدرة اللوجستية والإرهاق العملياتي. بمعنى، أن الأسرى باتوا مبرّراً للجمود أو التحفّظ في اتخاذ القرارات الصعبة، رغم أنهم كانوا في بدايات الحرب، عنواناً معتداً به للمعركة.
وما يجري في قطاع غزة في المرحلة الحالية لا يقتصر على القتل أو القبض على مقاتلي «حماس» و«إبادتهم»، ولا حتى تدمير الأنفاق والمخابئ فقط. إذ إن هناك مؤشرات واضحة ولا لبس فيها، على أن العملية تتّجه نحو تدمير البنية التحتية للفلسطينيين بشكل نهائي، بمعنى أنها تستهدف ليس فقط الأشخاص والمواقع، بل القدرة المستقبلية لأي تنظيم، سواء «حماس» أو غيرها، على التحرك في قطاع غزة، عبر تغيير القطاع نفسه.
المعنى هو: من القتل إلى القتل مع إعادة رسم الأرض، ضمن هدف لم يعد خافياً، وهو تغيير الواقع الجغرافي والإنساني داخل القطاع، عبر إخلاء السكان من أماكن وجودهم وسكنهم، وتحويل هذه المناطق التي يُراد لها أن تكون معظم المناطق الجغرافية للقطاع، إلى مناطق غير مأهولة تحت سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد.
ومع استمرار العملية العسكرية، بما هي عليه حتى الآن، من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة توسيع نطاق العمليات البرية في رفح وخانيونس تحديداً، مع محاولة تطبيق نموذج جديد لتوزيع المساعدات الإنسانية ليخدم الأهداف نفسها المشار إليها: تهجير الفلسطينيين وعزلهم عن «حماس». فأماكن توزيع المساعدات مع الإبقاء على التجويع، هي عامل جاذب للسكان لحشرهم في أماكن ضيّقة ومحدودة في القطاع، تؤدي إلى تسهيل مهمة التغيير الديموغرافي والجغرافي الواسع النطاق.
لكن مع زيادة الخسائر المدنية، ثمة احتمال بأن يزداد الضغط الدولي على إسرائيل، ما قد يدفع بالحكومة الإسرائيلية إلى إعادة النظر في طبيعة وتكتيكات العمليات. كما إن احتمال تغيير موقف نتنياهو يبقى قائماً إذا زاد الضغط عليه، وتحديداً من الجانب الأميركي، الذي يضغط الآن عملياً على استحياء.
المصدر: الأخبار اللبنانية