خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة 

اليوم يعود الإيرانيون والأميركيون للتفاوض على اتفاق نووي جديد. مبعوث ترامب للشرق الأوسط قال أمس إذا لم تستجب طهران لشروط واشنطن فسوف ينسحب ترامب من المفاوضات.. وقال على إيران أن لا تجرب ترامب!!.

وفي إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأميركية أيضاً يتم بكثافة تسريب أخبار شبه رسمية عن البيت الأبيض مفادها أن ترامب لن يقبل أن يتلاعب به نتنياهو كما سبق له وتلاعب ببايدن؛ ومعنى الكلام أنه يجب على نتنياهو أن لا يجرب ترامب.

وفي روسيا وكذلك في أوكرانيا كرر ترامب قوله أن الحرب الروسية الأوكرانية غبية؛ وكان قبل أسبوعين تقريباً هدد بأنه سوف ينسحب من توسطه في مفاوضات بوتين زيلنسكي إذا لم يستجيبا لرغبته بوقف النار.. لمّح بما معناه أنه على زيلنسكي وبوتين أن لا يجربا ترامب!!.

وأمس في باكستان والهند تم تداول أخبار تدخل ترامب لوقف إطلاق النار بين البلدين.. وصدر عن ترامب إشادة بخطوته التي نجحت في جعل البلدين النوويين يوافقان على مبادرته..

وفي اليمن يقول الحوثيون أن ترامب طلب أولاً وقف النار؛ وترامب يقول إن الحوثي استسلم؛ ولكن معهد الأمن الأميركي يقول إن سلطنة عمان أجرت وساطة مع إيران لوقف قصف الحوثيين للسفن في البحر الأحمر.. 

هناك أيضاً مجموعة اتصالات جرت من قبل ترامب بشأن نزاعات أخرى ولكن ليس هنا محال عرضها؛ وجميع هذه المبادرات تجري تحت عنوان: لا تجربوا ترامب الذي يريد وقف الحرب في كشمير وفي أوكرانيا وفي البحر الأحمر وربما أيضاً في غزة حسب آخر الأخبار. 

.. لكن حصيلة جهود ترامب هذه لا يبدو أنها توصلت إلى وقف النار لا في كشمير ولا في غزة ولا في اليمن ولا في أوكرانيا ولم تتحسن أجواء غرفة التفاوض بين طهران وواشنطن؛ وربما النتيجة الوحيدة التي أسفرت عنها جهوده هي بدء تآكل سلاح ترامب من نوع لا تجربونني. الجميع جرب أو بدأ يجرب رد فعل ترامب على عدم إطاعته. النتيجة أنه لا يفعل شيئاً بل ينتقل إلى مربع أقل ثمناً في التفاوض.

والاستنتاجات التي أفرزتها وقائع مئة يوماً من حكم ترامب تقول أنه يسعى لترتيب أوراق استقرار أميركا في العالم؛ ولا يريد ترتيب أوراق العالم داخل نظام دولي مستقر.

ترامب يقول إنه يريد تصحيح وضع أميركا التجاري مع دول العالم؛ شرط أن يجري ذلك مع كل دولة على حدة؛ وعلى نحو يظهر أن ترامب لا ينظر إلى العالم كمنظومة اقتصادية بل كسوق تجاري لا توجد فيه حتى نقابة تنظم الشؤون العامة لأصحاب المحال الموجودة فيه.. ترامب لا يريد مؤسسات عالمية ولا أي شيء يذكره بالعولمة التي قتلها ويقوم الآن بدفنها. 

.. نائبه فانس؛ يسمي ترامب بالزعيم الذي له 'طريقته في العمل' وليس 'في التفكير'.. أما ويتكوف فيردد أمام عواصم العالم الجملة عينها: 'لا تجربوا ترامب'.

مضى نحو شهرين على وساطة ترامب مع بوتين وزيلنسكي والنتيجة هو حصول خلاف في البيت الأبيض بين ترامب وزيلنسكي قام ويتكوف بحله من خلال جعل زيلنسكي يوافق على اتفاق سخي لترامب بموضوع المعادن النادرة الموجودة في أوكرانيا؛ ولكن لم يكن هذا هو الهدف في البداية؛ ذلك أن أساس مبادرة ترامب وسببها كان يهدف إلى مصالحة بوتين مع زيلنسكي وليس زيلنسكي مع ترامب.. ولكن ما حدث هو أن مصالحة بوتين – زيلنسكي تعثرت وتراجعت، وتقدمت مكانها المصالحة بين ترامب وزيلنسكي وحصل اتفاق المعادن النادرة بدل أن يحصل اتفاق وقف الحرب الأوكرانية. 

الآن هناك خلاف – يقال – بين ترامب ونتنياهو؛ أسبابه غير معروفة على وجه الدقة؛ وفي ظل هذا الخلاف سيصل ترامب إلى الخليج ولن يزور إسرائيل. 

بالأساس كانت الفكرة والخطة هي أن يأتي ترامب إلى السعودية من أجل إبرام صفقة قوامها تطبيع مقابل موافقة إسرائيل على دولة فلسطينية؛ أما الآن فقد تحولت الخطة وأصبح نتنياهو في موضوع أزمة الشرق الأوسط يشبه زيلنسكي بموضوع حرب أوكرانيا؛ حيث باتت مصالحة ترامب مع زيلنسكي أهم عملياً وليس كلامياً من إنهاء الحرب الأوكرانية؛ وبات اتفاق المعادن النادرة أهم من اتفاق وقف الحرب الروسية الأوكرانية. 

.. هناك خشية من تكرار المشهد في المنطقة؛ بحيث يصبح الكلام عن خلاف بين ترامب ونتنياهو هدفه إعطاء مخرج للأخير كي يعطل صفقة تطبيع مقابل دولة فلسطينية، وهدفه أن يصبح لاحقاً البحث عن اتفاق المصالحة بين ترامب ونتنياهو أهم من الاتفاق على وقف الحرب بين إسرائيل وحماس؛ الخ.. 

من غير الممكن الجزم في هذه اللحظة عما إذا كان موقف واشنطن من قضايا المنطقة تغير فعلياً؛ أم أن ترامب هو من يغير 'اتجاهات النظر' فوق مسرح المنطقة، وليس 'وجهات النظر' بشأن أحوال مسرح المنطقة!!.