اخبار سوريا
موقع كل يوم -الميادين
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
اختطاف المدنيين في سوريا مستمر: المال مقابل الأمان
تصاعدت حالات الخطف والابتزاز في دمشق ومحيطها ومدن الساحل، وسط غياب لدور فاعل للجهات الأمنية، ما أثار ذعر العائلات. الناشطون يحذرون من تحول الفلتان الأمني إلى ظاهرة تهدد النساء والأطفال، ويطالبون بتدخل عاجل لضمان الأمان المجتمعي.
'بنتي انخطفت قدام عيوني، وأنا على باب الله عم اشتغل ليل نهار لأمّن أكل وشرب لولادي'؛ بهذه الكلمات الممزوجة بالدموع والغصّة، وجّهت السيدة إخلاص محمد سعيد والدة الطفلة المختطفة آية بلّوق (3 سنوات) رسالة إلى السلطات الأمنية في سوريا، من أجل الكشف عن مصير ابنتها والعمل على إعادتها سريعاً.
عائلة الطفلة كشفت معلومات عن الحادثة التي وقعت في منطقة 'الزبلطاني' المكتظّة وسط العاصمة دمشق، يوم السبت الماضي، حيث أقدم شخص يرتدي كمّامة زرقاء وقبّعة سوداء وبنطال جينز على خطف آية أمام أعين الناس وهرب بدراجته النارية مبتعداً من دون أن يعترضه أحد.
والدة آية، ناشدت في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي 'أهل النخوة' المساعدة في العثور على ابنتها، داعية الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للتدخل من أجل الإسراع في عمليات البحث عن الخاطف.
حادثة الطفلة آية آثارت تفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث دعا ناشطون للعمل على حلّ القضية سريعاً وإنهاء حالة الفلتان الأمني التي تعيشها مناطق مختلفة من سوريا، وخاصّة داخل العاصمة دمشق، حيث تصاعدت مؤخراً عمليات الخطف والابتزاز المالي، وتحوّلت إلى كابوس مخيف يلاحق النساء والأطفال، من دون تحرّك فاعل من الجهات الأمنية حتى الآن.
آية ليست الوحيدة
في اليوم نفسه الذي اختُطِفت فيه الطفلة آية بلّوق من منطقة 'الزبلطاني'، فَقَدت عائلة الشابة نور سامر أسعد المنحدرة من محافظة طرطوس الاتصال بها، أثناء توجهها إلى كلية 'التمريض' في منطقة المزة بدمشق، وذكر أصدقاء الشابة -وهي طالبة سنة ثالثة في كلية التمريض- أنها شوهدت آخر مرة قرب 'نفق المواساة' الذي يفصل بين السكن الجامعي والكلية حوالى الساعة العاشرة صباحاً، قبل أن ينقطع الاتصال بها بشكل كامل.
'بنتي وحيدة قلبي، ما عندي غيرها'؛ والدة نور ظهرت في مقطع فيديو لتناشد أيّ شخص يمتلك معلومات للمساعدة في العثور على ابنتها الوحيدة، وكأن الأمهات في هذا الوطن مكتوب عليهن أن يعشن الخوف والرعب دائماً.
حادثة اختفاء الطالبة نور أسعد، أحيَت المخاوف بشأن حوادث اختطاف النساء من الطائفة العلوية في سوريا، واحتمال انتقال تلك الحالات من الساحل السوري إلى دمشق وباقي المحافظات، وسط تهميش إعلامي من السلطات الجديدة في البلاد، وغياب أيّ إجراءات أمنية للحيلولة دون استمرار عمليات الاختطاف والابتزاز.
ويأتي اختفاء طالبة التمريض ضمن سلسلة حالات اختطاف وثّقها ناشطون خلال الأشهر الماضية، وطالت عشرات النساء والفتيات، معظمهنّ من الطائفة العلوية، وتوّزعت الحالات في مناطق عدة، منها: طرطوس، جبلة، حماة، حمص، السويداء، اللاذقية، وريف دمشق، من دون أن تتضح حتى الآن ظروف اختفائهن أو الجهات المسؤولة عن ذلك.
ومن بين الأسماء التي تم توثيقها: بشرى ياسين مفرّج من جبلة، وزينب نصر دياب من حماة، ولانا حمّود ولبنى حمّود من طرطوس، وكاتيا قراقط من جديدة عرطوز في ريف دمشق، وغيرهن.
الأطفال يعيشون الرعب
في ريف دمشق؛ تعيش بلدة 'صحنايا' حالة من الترقّب لمعرفة مصير الطفل محمد الحمدوش، الذي تم اختطافه في أواخر نيسان/أبريل الماضي، وتبيّن لاحقاً وجوده لدى عصابة تطالب ذويه بدفع فدية مالية قدرها 130 ألف دولار مقابل إطلاق سراحه.
وبينما تعمل العائلة منذ أسابيع على محاولات لجمع المبلغ المطلوب، تقوم العصابة بإرسال مقاطع فيديو توّثق تعذيب الطفل، ورسائل صوتية تهدد بتصفيته وبيع أعضائه، في محاولة لابتزاز الأهل وإجبارهم على دفع المبلغ المطلوب.
وفي ظل العجز عن تأمين المبلغ، ناشدت عائلة الطفل الجهات المعنية والمجتمع المدني التدخل العاجل لإنقاذ حياة ابنهم، قبل فوات الأوان.
واللافت في جميع الحوادث السابقة هو غياب أيّ دور فاعل للجهات الأمنية، التي تكتفي بمتابعة القضايا بشكلٍ خجول بدون تحرّك جدّي على الأرض، وغالباً ما كانت تنتهي حوادث الخطف بدفع العائلات للفدية المطلوبة وإعادة أبنائها، أو تحول المختطَفين إلى جثث هامدة على الطرقات، ما يؤكد هشاشة النظام الأمني في البلاد حتى الآن.
السيارات مستهدفة أيضاً
خلال الأسابيع الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات المنشورات التي توثّق تعرّض سوريين لحوادث سرقة سياراتهم الخاصّة، وغالباً ما كانت المنشورات تترافق مع مواصفات السيارات في محاولة للعثور على أيّ معلومة تقود إليها أو إلى العصابة.
ومعظم حوادث السرقة التي تم توثيقها في دمشق مؤخراً حدثت في وضح النهار، ما يعزز المخاوف من حالة الفلتان الأمني التي تعيشها البلاد.
'سيارتي انسرقت من قدّام بيتي'؛ هذا ما كشفه 'أبو محمد' -اسم مستعار- حول حادثة سرقة سيارة الأجرة التي يمتلكها في منطقة 'المهاجرين' وسط العاصمة دمشق قبل أسابيع، ما جعله يفقد مصدر رزقه الوحيد الذي يعيل به عائلته.
يقول أبو محمد (52 عاماً) للميادين نت: 'الحادثة وقعت قبل ثلاثة أسابيع في وقت الظهيرة أثناء عودتي لتناول الغداء في المنزل؛ وبعد حوالى الساعتين من الاستراحة خرجت للعمل مجدداً، لأتفاجأ باختفاء السيارة، وهنا سارعت إلى قسم الشرطة للتبليغ عن الحادثة، وسجّلت لديهم كامل التفاصيل ومواصفات السيارة، لكنهم لم يتعاملوا مع القضية بالجدّية المطلوبة، حيث قال لي أحد العناصر: كل يوم يأتينا حالات عديدة مشابهة'.
ويتابع 'أبو محمد': 'السيارة مصدر رزقي الوحيد، ولا أملك وسيلة أخرى لأعيل بها عائلتي، لذلك أنا اليوم عاجز عن فعل أيّ شيء، وهذا ما دفع بعض الأصدقاء لنشر تفاصيل الحادثة عبر فيسبوك، عسى أن نحصل على معلومات تقودنا إلى السارق'.
الخوف يسيطر على الجميع
أمام تكرار حوادث الخطف والابتزاز في العاصمة دمشق، بات الرعب والخوف والترقّب هو المسيطر على المشهد العام، وبدأت العائلات تعتمد على أساليب جديدة لتأمين أبنائها، مثل: إيصال الأبناء إلى المدارس والجامعات بشكلٍ شخصي خوفاً من تعرّضهم لحوادث اختطاف على الطريق، وهو ما لم يكن معروفاً سابقاً في الأوساط الدمشقية.
بالتوازي مع ذلك، تخرج مطالبات مستمرة من السوريين عبر منصات التواصل الاجتماعي بضرورة تعزيز الأمن والاستقرار من قبل الجهات المعنية، وأن أيّ تحسّن مرتقب في الوضع الاقتصادي يجب أن يكون مقترناً بالسلم الأهلي والأمان الداخلي.