اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
بقلم: د. صبري صيدم
في خضم السيل الجارف من الأنباء المتاحة تارة والمتقطعة تارة أخرى، حول وقف إطلاق النار في غزة، كان لا بد من مراجعة لسيل المعطيات التي أحاطت بهذا الموضوع، الذي استجلب مئات آلاف المقالات والأخبار وملايين الكلمات، وعليه جرى توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لمراجعة البيانات وتقديم الاستنتاجات المرتبطة بالموضوع، خاصة أن تقلبات السياسة والميدان والمواقف والحروب، جعلت من فوضى ما ارتبط بموضوع كهذا، امراً يستأهل تقييماً آلياً وواضحاً. إليكم لذلك ما رشح من ملخص واستنتاجات كما صاغها الذكاء الاصطناعي.
تتراجع الأصوات المطالبة بوقف إطلاق النار، كلما اشتعلت النيران في غزة، وكأن هناك من يهوى اللهب ويرتضي الرماد. تتسارع الأحداث، وتُختلق الأزمات في الإقليم، لتُغلق الأبواب أمام أي بارقة أمل، ولتبدو الحرب قدراً محتوماً، لا يجرؤ أحد على كسره. وما أن يُطرح الحديث عن التهدئة حتى تُبادر الماكينات الإعلامية والسياسية، إلى توجيه البوصلة نحو ملفات جانبية، وتختفي غزة مجدداً تحت غبار الحروب المفتعلة.
تتعمّد القوى الكبرى، وفي مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة، إطالة أمد العدوان. وهو ما لا يأتي من فراغ، بل من رغبة محمومة في تركيع سكان القطاع، وسحق إرادتهم، ودفعهم إلى القناعة بأن لا جدوى من البقاء. يُراد للفلسطيني في قطاع غزة أن يصل بنفسه إلى استنتاج مفاده، أن الخروج من القطاع ليس خيانة، بل ضرورة، وأن الأرض التي أحبها وأحبته، لم تعد تتسع له، بعد أن أحرقت عن بكرة أبيها. وعندما تكتمل هذه القناعة، تبدأ المرحلة الأخطر: وقف النار تحت وقع الرحيل، أو ما تريد أمريكا وإسرائيل أن يسميانه بالهجرة الطوعية.
يتحول وقف إطلاق النار حينها إلى واجهة لتلك العملية، عملية التهجير «الطوعي»، التي تم الإعداد لها بعناية فائقة، بحيث لا يُطلب من الناس الرحيل قسرًا، بل يُمنحون فرصة ما يسمى بـ»الخروج الآمن»، بعد أن تكون مقومات الحياة قد دُمِّرت، والأمل تبخّر، والإرادة تآكلت.
يبدو كل شيء حينها وكأنه خيار شخصي، لكن الحقيقة أن التهجير قد نُفذ بأدوات القصف والحصار والتجويع والتدمير المتعمد للبنية الاجتماعية والاقتصادية.
تنفَّذ الخطة من دون أن تُعلن، وتُستكمل فصول مشروع ريفييرا ترامب، ذاك المشروع الذي وُلد في الغرف الخلفية للسياسة العالمية، ويريد لغزة أن تتحوّل إلى شريط ساحلي خالٍ من سكانه، مُفرَّغ من هويته تمص إسرائيل وأمريكا دمه وغازه وتقتل فيه ارتباطه العضوي بفلسطين. يتجلى في هذا المشهد القاتم الشكل النهائي لقطاع غزة، ليصبح ضمن خريطة شرق أوسط جديد، وفي إطار ما خطط له نتنياهو وترامب، ورُسمت ملامحه بين جدران الغرف المظلمة بين واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم الصامتة.
لا يحمل هذا الشرق في طيّاته سوى التهجير والتطبيع والابتزاز المادي، إذ تصبح العلاقات مع الاحتلال شرطا لبقاء الأنظمة، والمساعدات رهينة بالمواقف، والولاءات تُشترى وتُباع على قارعة الخوف.
يتقدّم هذا المشروع خطوةً أخرى حين يُفتَح ممر الهند ـ البحر المتوسط، ذلك الحلم الذي راود نتنياهو ورئيس وزراء الهند طويلا، ليكون بديلا عن طريق الحرير الصيني، ويُعيد رسم خطوط التجارة والسيطرة والنفوذ. ومع اكتمال ذلك المشروع تُختزل الجغرافيا في ممر، وتُختصر الكرامة في صفقة، وتُفرَغ غزة من جوهرها لتصبح مجرد نقطة هامشية في سباق جيوسياسي محتدم.
يتراجع الإنسان أمام كل هذا البركان، تتوارى الأصوات الحرة، ويصمت الضمير العالمي، وتبقى غزة وحدها تصرخ. لا يسمعها أحد، لأن ما تبقى من هذا العالم مشغول بحسابات الربح والخسارة. تقف الآلة، كما أراد صانعوها، فوق أنقاض الإنسان، وتُعلن عن وقف إطلاق النار، لكنه ليس سلاما، بل هو إعلان عن انتصار القسوة على الرحمة، وعن تفوق الحديد على الدم، وعن انكسار المعنى أمام آلة لا تأبه بالبشر.
وحدها غزة، رغم الحصار، تواصل التذكير بأن الإنسان لا يُقهر بسهولة، وأن البقاء فيها ليس خيارا سياسيا، بل فعل مقاوم، وأن الأرض لا تملّ مَن أحبها بصدق، ولو ضاق عليه العيش فيها. من ينتصر آخراً في هذه المعركة سينتصر أبداً… ننتظر ونرى!
[email protected]