كتب طوني كرم في 'نداء الوطن':

بين الجلسة النيابيّة المخصّصة لمناقشة الحكومة في سياساتها العامة، والنقاش التشريعي المفتوح في لجنة الإدارة والعدل عشية اكتمال التشكيلات القضائية الشاملة، تتقدّم إلى الواجهة مسألة استقلالية السلطة القضائيّة، بوصفها الاستحقاق التشريعي الأبرز والأكثر ارتباطًا بإعادة انتظام عمل المؤسّسات. فبعد مخاضٍ تشريعي امتدّ لأكثر من خمس سنوات، ووسط تعاقب حكومات ووزراء عدل على تعديل النصوص وسحب المشاريع وإعادتها، بات مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي في مراحله النهائية، ومن المتوقّع أن يُحال إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه خلال الأسابيع المقبلة.

وإذ تشخص الأنظار اليوم إلى جلسة مساءلة الحكومة، كشفت عضو تكتل 'الجمهورية القوية' النائبة غادة أيوب أن السؤال الجوهري المطروح راهنًا أمام مجلس النواب لا يقتصر على تقييم سياسات الحكومة، بل يتعلّق بتحديد وظيفة السلطة التنفيذية، التي لا يصحّ أن تستمرّ بدور الوسيط أو ساعي البريد بين المؤسسات. وشدّدت على وجوب تحمّل مجلس الوزراء مجتمعًا مسؤولياته وفق الدستور، لا سيّما في ما يتعلّق بتطبيق اتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن، ومن ضمنها القرار المتعلّق بحصرية السلاح بيد الدولة.

ومع توجّه رئيس الحكومة نواف سلام إلى الإجابة عن أسئلة وهواجس النواب في ختام جلسة المساءلة، أوضحت أيوب لـ 'نداء الوطن' أنّ استعادة السلطة التنفيذية هيبتها، لا تتحقق بتأكيدات سياسية أو إنشائية، بل من خلال سلوك مؤسساتي واضح، يبدأ بتطبيق التزاماتها الواردة في البيان الوزاري الذي وعدت اللبنانيين بتنفيذه، ونالت الثقة على أساسه، ويُستكمل بخطوات تشريعية وتنفيذية تؤسّس لمرحلة مختلفة في الأداء العام، وتضع حدًّا لمحاولة البعض الإطاحة بالحكومة أو تعطيل قدرتها على تنفيذ التزاماتها، وفي طليعتها مطلب حصرية السلاح.

وإلى جانب الفرصة التي أتاحها المجلس النيابي للحكومة من أجل إعادة تعويمها إذا قرّرت استعادة هيبة المؤسسات وتجديد التزامها بتطبيق البيان الوزاري، وتأكيدها وجوب احتكار قرار الحرب والسلم وتجريد المنظمات المسلّحة والميليشيات من سلاحها، يشكّل القضاء المستقل، وفق النائب أيوب، مدماكًا أساسيًّا لبناء الدولة. لذلك، لا تغيب المساعي النيابية والوزارية الهادفة إلى إقرار قانون استقلالية القضاء، باعتباره أحد المفاتيح الأساسية لإعادة الانتظام وتثبيت مبدأ الفصل بين السلطات.

في هذا الإطار، أوضحت أيوب أن لجنة الإدارة والعدل تشهد نقاشات مكثفة لصياغة الصيغة النهائية للقانون، بعد إدخال التعديلات المطلوبة بناءً على ملاحظات مجلس القضاء الأعلى، ووزير العدل، وبعض الكتل النيابية. ولفتت إلى أنها المرة الأولى التي تتقاطع فيها الإرادات التشريعية والحكومية نحو إقرار مشروع القانون بصيغته الموحّدة، تمهيدًًا لإحالته إلى الهيئة العامة، وسط توجّه لإنهاء النقاش خلال جلستين على الأكثر.

وفي موازاة ذلك، وبعد تسجيل وزير العدل عادل نصار سابقة تمثّلت بتراجع الرئيس نبيه بري عن فرض تعيين القاضي زاهر حمادة مدعيًا عامًَا ماليًّا، أوضح نصار أنّ المنهجية التي يعتمدها في إدارة الوزارة مكّنته من تسريع معالجة المسائل التي تعيق انتظام عمل العدليّة، وفي مقدّمها ملف التعيينات ومشروع قانون تنظيم القضاء العدلي. وكشف لـ 'نداء الوطن' ما قاله له الرئيس بري خلال لقاء جمعهما: 'أنت مؤسساتي، ومع المؤسساتي لا مشكلة لدي أن أكون مؤسّساتيًا'. كما أشار إلى أنه طالب رئيس المجلس بتسهيل وتسريع عملية إقرار القانون، بعد أن كانت الحكومة قد أعادت إحالته إلى المجلس بصيغته المعدّلة التي أُدخلت عليها تعديلات جوهرية.

ومع تأكيد نصار التزامه بمبدأ الفصل بين السلطات، ورفضه تسييس الملف القضائي أو ربطه بأي اعتبارات خارجية، أبدى ارتياحه لمناخ التعاون الذي أبداه رئيس المجلس والقوى السياسية، في سبيل تمرير القانون ضمن مقاربة إصلاحية، بعيدة من الحسابات المرتبطة بملف السلاح أو غيره من الملفات الخلافية.

وتبرز، في المحصلة، أهمية هذا القانون، إذا ما أُقرّ بعد مخاض طويل، ليس فقط كإجراء إصلاحيّ، بل كمحكّ لقدرة السلطات التشريعية على إقرار قانون يكرّس فعليًّا استقلال القضاء، ويؤسس لإعادة انتظام عمل الدولة من بوابة السلطة القضائية.

فالاختبار لم يعد في الشعارات، بل في ترجمة الالتزامات إلى نصوص قابلة للتنفيذ: حكوميًّا، من خلال وضع إطار زمني واضح لتنفيذ اتفاق الطائف وتسليم الميليشيات سلاحها؛ وبرلمانيًّا، من خلال تهيئة البيئة التشريعية التي تضمن استقلال القضاء، وتعزّز بناء الدولة على قاعدة حكم القانون.