اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٧ تموز ٢٠٢٥
بينما يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقاء مرتقب في البيت الأبيض، حيث يراهن على ما يصفه بـ”فرصة تاريخية” لتوسيع دائرة التطبيع في المنطقة، تقف غزة، بأحيائها المدمرة ودماء أبنائها، عقبة ثقيلة أمام أحلامه وأحلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعادة إطلاق مشروع “سلام الشرق الأوسط”.
ففي تقرير موسّع نشرته صحيفة واشنطن بوست، يرصد الكاتب إيشان ثارور كيف تحاول إدارة ترامب الجديدة ونتنياهو تحويل لحظة التصعيد مع إيران إلى نقطة انطلاق نحو صفقات دبلوماسية كبرى، تشمل وقف إطلاق النار مع حماس، واتفاقات تطبيع مع دول عربية، وربما حتى سوريا، غير أن الواقع على الأرض – كما يكشف التقرير – أكثر تعقيدا، ويهدده فشل أخلاقي وإنساني متفاقم في غزة.
ويشير الكاتب إلى أن ترامب يبدو في مزاج لصناعة السلام، فبعد أن أمر بقصف إيران لفترة وجيزة الشهر الماضي، سارع إلى الترحيب بوقف إطلاق النار بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية. كما نسب الفضل لنفسه في التوصل إلى هدنة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، رغم تحذيرات المحللين من أن تنفيذ الاتفاق – الذي يشمل جماعات مسلحة متعددة وتمردا متجذرا – سيكون أصعب بكثير من التوسط فيه. كما يأمل ترامب هذا الأسبوع في الإعلان عن وقف جديد لإطلاق النار في غزة.
من وجهة نظر ترامب، وربما نتنياهو، فإن الهدنة الجديدة قد تشكل تمهيدا لسلام أوسع في الشرق الأوسط. ويحرص ترامب على إحياء روح “اتفاقيات إبراهيم” التي وقّعت خلالها عدة دول عربية – ولا سيما الخليجية – اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل خلال ولايته الأولى. ويسعى المسؤولون الأمريكيون إلى ضم السعودية إلى هذه الاتفاقيات، بل ويتصورون أيضا مسارا لانضمام سوريا، بقيادة معارضة “إسلامية سابقة” – كما يوصف – إلى هذا المسار، في حال حدوث انتقال من الديكتاتورية.
يبرز التقرير ما قاله اللواء المتقاعد إسرائيل زيف، الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، لصحيفة واشنطن بوست: “سياسيا، لن يحظى نتنياهو بفرصة أفضل من تلك المتاحة له بعد نجاح الهجوم على إيران، وهو نجاح سيتلاشى بمرور الوقت”. وأضاف: “إذا تمكّن من إبرام اتفاق إقليمي مع سوريا، وبدء عملية سلام مع السعودية، واستعادة الأسرى، فهذه، في المجمل، أعظم مكاسب يمكن أن يحققها قبل الانتخابات”.
ويرى ترامب، الذي استغل منصاته للتنديد بملاحقة نتنياهو القضائية في ملفات فساد مزمنة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يمتلك أوراقا تمكنه من تحقيق مكاسب دبلوماسية أوسع في المنطقة.
وفي هذا السياق، نقل كاتب العمود في الصحيفة، ديفيد إغناطيوس، عن مسؤول إماراتي رفيع قوله: “يمكن لترامب اغتنام هذه الفرصة لتوسيع نطاق وقف إطلاق النار مع إيران ليشمل غزة وما وراءها. كيف نفكر على نطاق واسع ونتخيل أن هذه نقطة تحول محتملة في التاريخ؟ علينا أن نكون جريئين، وننطلق نحو الجائزة الكبرى”.
لكن في الطريق تقف أنقاض غزة. فرغم آمال ترامب في أن تقود الجهود الدبلوماسية إلى وقف جديد لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، لا تزال نقاط الخلاف الجوهرية قائمة. وتتضمن نسخة مكررة من اتفاق وقف إطلاق النار المقترح في 30 حزيران/يونيو إطلاق حماس سراح 28 رهينة إسرائيلية – بينهم 10 أحياء و18 جثة – على خمس مراحل خلال فترة وقف إطلاق النار التي تستمر شهرين، وفقا لملخص حصلت عليه الصحيفة. وفي المقابل، يُفترض أن تدخل المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة فورا.
وكتب مراسلو الصحيفة أن قادة الجيش ووزارة الدفاع في إسرائيل أبلغوا نتنياهو منذ العام الماضي أن الهدف الأول للحرب، وهو تقويض قدرة حماس على تهديد إسرائيل، قد تحقق، بينما الهدف الثاني، وهو إعادة الأسرى، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال اتفاق.
ويتصاعد الضغط على الطرفين للموافقة على وقف إطلاق نار يمتد لـ60 يوما، في وقت تحصي فيه حماس خسائرها المتزايدة، ويواجه نتنياهو احتجاجات داخلية، حتى من كبار قادة جيشه. وقبل مغادرته إلى واشنطن، ترأس نتنياهو اجتماعا وزاريا محتدما، شهد صداما حادا بين رئيس الأركان إيال زامير ووزراء من اليمين المتطرف، الذين يعارضون أي هدنة دون “تدمير حماس واحتلال غزة بالكامل”.
ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن زامير قوله خلال الاجتماع: “هل تريدون حكومة عسكرية في غزة؟ من سيحكم مليوني إنسان؟”.
في هذه الأثناء، تواصل إسرائيل قصف القطاع المدمر، حيث تسقط أعداد كبيرة من الضحايا يوميا. وأفاد مراسلو واشنطن بوست الأسبوع الماضي بأن “المرافق الطبية مثقلة بالمصابين، ونفدت أكياس الجثث. ووفقا للأمم المتحدة، تم تسجيل سقوط أعداد كبيرة من الضحايا يوميا طوال الأسابيع الخمسة الماضية، إذ أُطلق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين أثناء اقترابهم من نقاط توزيع المساعدات التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكيا وإسرائيليًا، أو تجمعهم بالقرب منها، أو انتظارهم على الطرق التي خصصتها السلطات الإسرائيلية لاستلام شاحنات الإغاثة”.
وتثير الهجمات على المدنيين في أثناء انتظار المساعدات مزيدا من التدقيق والانتقادات. فقد صرح عدد من المتعاقدين الأمريكيين الذين يعملون في حماية عمليات مؤسسة غزة الإنسانية لوكالة أسوشيتد برس الأسبوع الماضي بأنهم شاهدوا زملاءهم يطلقون النار والذخائر الحية بشكل عشوائي على الحشود.
وفي نهاية الشهر الماضي، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية شهادات لجنود أكدوا أنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على فلسطينيين عزّل قرب مواقع توزيع المساعدات.
وفي صورة أوسع، لا يزال الغموض يحيط بمن سيحكم غزة بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، وسط دعوات من اليمين الإسرائيلي لاحتلال القطاع، وإجبار سكانه البالغ عددهم مليوني شخص على مغادرته. وتتطلب خطط إعادة الإعمار، متى ما أُطلقت، إعادة توزيع بعض سكان القطاع المحاصرين.
وفي خضم هذه الفوضى، حذرت منظمات حقوقية ومسؤولو الأمم المتحدة من انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ترتكبها إسرائيل، في الوقت الذي تزعم فيه معاقبة حماس على هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على جنوب إسرائيل واختطاف مئات الأسرى.
وقال المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، في أيار/مايو الماضي: “قصف منازل المدنيين، وإجبارهم على النزوح تحت تهديد الغارات المكثفة، والتدمير المنهجي لأحياء بأكملها، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية – كلها مؤشرات على وجود توجه نحو تغيير ديموغرافي دائم في غزة، في خرق واضح للقانون الدولي، يرقى إلى مستوى التطهير العرقي”.
لطالما تجاهل نتنياهو وحلفاؤه انتقادات الأمم المتحدة، معتبرين إياها متحيزة ضد إسرائيل. لكنهم قد يجدون أنفسهم مضطرين للاستماع إلى شركائهم العرب، الذين يشترطون أن يكون أي اتفاق إقليمي مع إسرائيل مرتبطًا بحل حقيقي لمأساة الفلسطينيين.
وقال المسؤول الإماراتي لإغناطيوس: “عندما تنتصر على خصومك، عليك أن تفكر في كيفية الفوز باللعبة على المدى الطويل – اللعبة هي الاندماج والقبول في منطقتنا. هذه نصيحتنا للإسرائيليين”.