اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في ظلّ الحروب الإسرائيلية اللامتناهية التي عصفت ولا تزال تعصف بالمنطقة بعد عملية طوفان الأقصى، والتي كانت نتيجتها إغراق أذرع الأخطبوط الإيراني العسكرية في المنطقة وإعطابها، وعلى وقع هزيمة نظام الملالي السياسية المدوّية في قطاع غزة وسوريا، وتقهقر نفوذه نسبيًا في لبنان واليمن، اتجهت أنظار المراقبين إلى الساحة العراقية، التي بقيت مُحيّدة عن أتون النيران الإسرائيلية، لقراءة النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكيفية انعكاسها على النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين.
من نافل القول في بادئ الأمر إن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي يدور في الفلك الإيراني كما الإطار التنسيقي الحاكم، نجح في إبعاد كأس الضربات الإسرائيلية عن بلاده، وظفر في تحييدها عن لهيب البركان العسكري الذي يضرب المنطقة، من خلال زيارات مكوكية عدّة قادته إلى طهران، حيث جهد لإقناع صناع القرار هناك بضرورة تحييد بلاده عن الجنون الإسرائيلي، وببقاء العراق بمنأى عن هذه الحروب، فبقيت حكومة السوداني على قيد الحياة السياسية، وبالتالي تمكّن من استخدام جنة السلطة ونفوذه السياسي، في انتخابات ضُخت فيها ملايين الدولارات لشراء الأصوات الانتخابية، ليتصدّر بذلك ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامته، نتائج الانتخابات النيابية.
أظهرت نتائج الاقتراع أن الأجنحة السياسية التي تمثل الفصائل العراقية المسلّحة التي تدين بالولاء المطلق لطهران، عززت حضورها في البرلمان الجديد من خلال حصدها أكثر من 60 مقعدًا مجتمعة. وهذا الحضور المتنامي سيُصعّب على الحكومة العتيدة مهمة حصر السلاح بيد الدولة المركزية، كما تعاطيها مع هذه الأذرع، التي ستنصت حتمًا لأولياء نعمتها في طهران، وليس لسلطات بلادها في بغداد.
بات جليًا إذًا من إفرازات الانتخابات العراقية، أن الجمهورية الإسلامية في إيران لم تكتفِ فقط بالحفاظ على نفوذها السياسي في بلاد الرافدين، بل عززت قبضتها السياسية عليه من بوابة الانتخابات، وهي بأمسّ الحاجة إليه لمقارعة واشنطن في أي مفاوضات نووية مقبلة، والإفادة منه في كباشها المحتدم معها، ولتوجّه رسائل إلى قاطن البيت الأبيض، مفادها أن حرب الإثني عشر يومًا في حزيران الفائت أوجعتها، وأعادت برنامجها النووي سنوات إلى الوراء، لكنها لم تقضِ عليها وعلى نفوذها في بعض دول الإقليم، وبالتالي ستواصل طهران استخدام أجنحتها في العراق، في عمليات البيع والشراء السياسية مع الولايات المتحدة.
لا ريب في أن مقاطعة التيار الوطني الشيعي، الذي يتزعّمه السيد مقتدى الصدر، المعارض للنفوذ الإيراني في بلاده، للانتخابات النيابية في دورتها الأخيرة، بعد انسحاب نوابه الـ 73 من البرلمان عام 2022، كان لها وقعها الانتخابي على الخريطة السياسية العراقية، وسمح لفرقاء شيعة آخرين بالحلول مكانه. بيد أن نسبة المشاركة المرتفعة في التصويت التي تجاوزت الـ 56 في المئة، بعدما كانت حوالى 42 في المئة في انتخابات عام 2021، حدّت من تأثير مقاطعة التيار الصدري للعملية الانتخابية.
في المحصّلة، أظهر التقارب في نتائج الانتخابات، أن رحلة السوداني للمرّة الثانية نحو مقر رئاسة الحكومة، لن تكون مفروشة بالورود، بل يعتريها العديد من المطبّات. فصحيح أن ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الحكومة حصد أكثر من مليون و 300 ألف صوت، خوّلته حجز 46 مقعدًا برلمانيًا من أصل 329، إلّا أنه لم يحز غالبية مطلقة تتيح له التربّع سريعًا على عرش الحكومة العتيدة، بل ربّما تجري رياح التحالفات بما لا تشتهيه سفنه، في وقت يتوقع فيه الخبراء أن يكون مخاض تشكيل الحكومة عسيرًا ويستمرّ أشهرًا مديدة.











































































