خاص - راية

قال محلل البيانات والباحث السياسي، علي عبد الوهاب، إن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً محورياً في تشكيل السردية الفلسطينية والتضامن الشعبي خلال حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة، مشيراً إلى أن الفلسطينيين أعادوا إنتاج خطابهم تحت القصف، وسط انهيار البنية التحتية الرقمية وتكرار انقطاع الإنترنت.

وجاء حديث عبد الوهاب في مقابلة عبر 'راية' تعليقاً على ورقة موقف أصدرها مركز 'حملة' بعنوان: 'حرب غزة: كيف شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي السردية والتضامن بين الغزيين؟'*، والتي سلّطت الضوء على التحولات العميقة في الخطاب الاجتماعي والرقمي منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

سردية بالصوت والصورة

وأوضح عبد الوهاب أن 'ورقة الموقف لم تكن تقنية أو نفسية بحتة، بل محاولة استكشافية لفهم كيفية إنتاج الغزيين لسرديتهم في لحظة تاريخية استثنائية، حيث باتت المجازر تُوثق بالصوت والصورة والنَفَس الأخير'.

وأشار إلى أن الفضاء الرقمي لم يكن مجرد انعكاس للواقع، بل جزء من شروطه، قائلاً: 'المنشورات لم تكن تعبيراً عادياً، بل كانت خطابات نجاة فورية، وتحولت الهواتف إلى أدوات للإغاثة والتوثيق والمناشدة في آن واحد'.

إرهاق رقمي وتوقعات قاسية

وأضاف عبد الوهاب أن الورقة كشفت عن وجود 'إرهاق رقمي'عميق بين الشباب الغزي، نتيجة التوقعات الداخلية والخارجية منهم بإنتاج محتوى يعكس 'الصمود البطولي'، في حين كان الواقع النفسي شديد القسوة.

وقال: 'كان هناك تردد في التعبير عن الانهيار الشخصي، لأنه قد يُفهم وكأنه خيانة وطنية. كثيرون لجأوا لنشر منشورات مغلقة بين أصدقائهم فقط، تجنباً للضغوط'.

رمزية موجعة ومنشورات النجاة

وتحدث عبد الوهاب عن تحول الرموز الرقمية، مثل فيديوهات 'فتح الصندوق – unboxing'، من الترويج للمنتجات الفاخرة إلى عرض المساعدات الإنسانية البسيطة، 'وهو ما يعكس عمق المأساة التي يعيشها الغزيون'.

انقطاع الإنترنت.. عزل مضاعف

وبحسب الورقة، فإن نحو 80% من الشبكة الرقمية في غزة تعطلت خلال الأسابيع الأولى من الحرب، ما ضاعف عزلة السكان، وعرقل جهود الإغاثة الإنسانية وتبادل المعلومات حول الأوضاع في المناطق المنكوبة.

دعوة إلى أرشفة جماعية وحماية الفضاء الرقمي

ودعا عبد الوهاب المؤسسات الإعلامية والحقوقية الفلسطينية إلى بناء أرشيف رقمي مفتوح يوثق الصور، والفيديوهات، والشهادات، والمناشدات، من أجل حماية الذاكرة الجمعية، ومواجهة محاولات طمس السردية الفلسطينية.

كما طالب بإنشاء وحدة لرصد السرديات المضادة، وسنّ مدوّنة سلوك وطنية لحماية التعبير الرقمي، وتطوير صندوق فلسطيني لدعم المحتوى الرقمي والمبادرات الشعبية.

كسر الحصار الرقمي؟

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت الرواية الفلسطينية استطاعت كسر الحصار الرقمي، أجاب عبد الوهاب: 'نعم، إلى حد كبير. لكن ما زلنا بحاجة إلى دعم رسمي واضح، وتبني خطاب رقمي استراتيجي على مستوى الدولة والسلطة الوطنية، لأن هذا الفضاء بات أداة ضغط ووسيلة مناصرة سياسية في العالم'.

وختم بالقول: 'صوت غزة لم يعد مجرد صدى، بل وثيقة حيّة تتشكل كل لحظة، والواجب الآن أن نحمي هذا الصوت من الضياع'.