اخبار الاردن
موقع كل يوم -صحيفة السوسنة الأردنية
نشر بتاريخ: ٦ كانون الأول ٢٠٢٥
في عالمٍ تتقاطع فيه النوايا، وتتشابك فيه العلاقات، لا يظهر معدن الإنسان الحقيقي إلا عند مفترق الطرق، هناك حيث تتكشّف النفوس، ويتعرّى الخبيث من الطيب، وتظهر الخيانة مرة أخرى كوجهٍ قبيح مهما تجمّل بصورته الخارجية. وعند تلك المواجهة، يصبح الثبات في الموقف ضرورة لا خياراً، وممارسةً أخلاقية قبل أن تكون ردّة فعل.
إن التعامل مع أهل السوء ليس معركة ضجيج، بل ميزان وعيٍ ونضج.
فليس ضعفاً أن يكون الإنسان شهماً كريماً، يمنح وقته ومشاعره وجهده بصفاء، فهذا دليل أصلٍ حسن، وتربيةٍ رفيعة، وذوقٍ لا يصدر إلا عن النفوس البيضاء. إنما الضعف الحقيقي يكمن في أن نتنازل عن هذه القيم خوفاً من غدر الآخرين، أو أن نسمح للخبثاء بزعزعة ما تربّى عليه القلب من نقاء.
لكنّ المشكلة ليست في الطيبة… المشكلة في من يحملون في داخلهم ظلماتٍ لم يمسسها نور. أولئك الذين يعانون نقصاً داخلياً يجعلهم يسيئون تفسير كل جميل، ويتسلّقون على ظهور من أحسن إليهم، فإن ساعدتهم أيدي الرجال امتدت أظافرهم لا ليمسكوا بها، بل ليخدشوها.
ومع ذلك، سيأتي أهل المروءة — دائماً — لمحاولة رأب الصدع؛ فهذه طبيعتهم وفطرتهم. غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل الغادر قابل للإصلاح؟
كيف يمكن لقلوبٍ لوثتها الأنانية، واعتمرت الغدر عادةً لا طارئاً، أن تعود إلى جادة الصدق؟
من خان وهو بكامل وعيه، ونوى وتعمّد، ونشأ في بيئةٍ اعتادت الغدر، سيجد طريق الإصلاح ثقيلاً على نفسه، لأنه لم يُدرَّب يوماً على النقاء، ولم يتذوّق لذة الوفاء.
الحياة، بكل ما فيها من تناقضات، مدرسة لا تهدأ.
تعلمنا كل يوم أن لا نُغترّ بالمظاهر؛ فهناك من يرتدي قشور الارتفاع بينما جوفه منحدر، وهناك من يلمع في الضوء، لكن في داخله ظُلمة لا تنطفئ.
هؤلاء تكشفهم تصرفاتهم؛ فهم يرون بعيون غير عيون البشر، وقلوبهم ضيقة لا يسكنها ضوء، ولا تستقر فيها ثقة.
وفي النهاية، يظل الدعاء ملاذ النفس السليمة:
اللهم أبعد عن دروبنا من يضع العثرات، وقرّب إلينا من يستحق نقاءنا.
فنحن لا نصنع السعادة من زيف، بل من زهور حقيقية؛
زهورٍ تُمزج بالحب والرضا وعزة النفس، لتمنح الآخرين أطيب العطر، وترسّخ في القلوب طمأنينة اللقاء، وفي الأرواح جمال المعشر، وفي العيون بهجة الحضور.
هكذا فقط يبقى الخير أقوى من الشر، وتظل الأصالة أمتن من الزيف، ويظل الإنسان الطيب—مهما جرحته المواقف—أكبر من كل خيانة












































