اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
يروي جلال الدين الرومي حكاية في المثنوي مفادها بأنه ركل سكير رجلاً ضريراً. سمع الضرير صوت جمل في أثناء ذلك. فظن أن الجمل هو الذي ركله. ثم يبدي الرومي ملاحظة مهمة ويقول؛ أن مرآة الضرير هي أذنه ليست عينه.
نعم، مرآة المجتمعات التي فقدت بصيرتها ليست ما تراه بل ما تسمعه. هذه المجتمعات أشبه بقطيع من الناس المشوشين الذين فقدوا قدراتهم العقلية. إنهم يتركون العقل والمنطق جانبًا في تقييم الأحداث ويقيمون في مناطق ”الراحة المؤقتة“ التي يوفرونها لأنفسهم. وفي النهاية يصبحون خاسرين.
لقد أصيبت الأمة الإسلامية أيضًا بالعمى خلال القرنين الماضيين. فهي تعاني من العمى المعرفي الاجتماعي. لذلك فهي ترى الهزيمة نصراً والعدو صديقاً. وحقيقة الأمر أن ما تسمعه هو عبارة عن عناصر متلاعبة ومشوهة لا تظهر الحقيقة إطلاقا.
الأمة في حالة من الغيبوبة
إن من أبلغ المصطلحات التي تصف الوضع الحالي للأمة الإسلامية هو بلا شك ”الغيبوبة التاريخية“. نحن نتحدث عن أمة تبلدت حواسها، واهتز إدراكها، وبالتالي أصبحت غير قادرة على اتخاذ الموقف الصحيح. أمة تتفاعل خلف الشاشات ”لحظياً“ مع الأحداث التي تواجهها ولا تتجاوز في الغالب الطيف الانفعالي، سلبية لا شيء في مواجهة الواقع. أمة تحاول تفسير وضعها البائس بتحديدات خاطئة رغم الحقائق التاريخية الماثلة أمامنا بوضوح، كالضرير الذي يظن ألمه من الجمل.
نعم، يستمر هذا الوضع الذي هو نتيجة فقدان المرآة الحقيقية، بأقصى سرعة. ومن العبث أن نتوقع من إدراك اجتماعي وقع ضحية لوسائل التواصل الاجتماعي وموجات الترندات أكثر من ذلك. إن الغيبوبة التي نتحدث عنها ليست فقداناً لحظياً للوعي، بل هي صفة تمتد إلى العقيدة وأهم النقاط الأساسية في الحياة. وهذا ما يجعل المسألة أكثر تعقيدًا.
الصهيونية وتحطيم الإحساس والإدراك
إن الجهود المبذولة لتحطيم إحساس الأمة وإدراكها لطالما شهدها التاريخ؛ غير أن مستوى الجهد والنجاح الذي حققته الصهيونية في هذه الفترة الأخيرة لم يسبق أن بلغه أي طرف في التاريخ. وقد نفذت الصهيونية هذه العملية بالأمور الثلاثة التالية؛
- الإعلام: تم تشويه الحقائق وتقديم الجلاد على أنه الضحية.
- التعليم: على سبيل المثال، تم شطب مفهوم الجهاد من المناهج الدراسية. تم نسيان نماذج البطولة في التاريخ. تم حقن الخنوع والجبن والخسة في الأجيال الجديدة تحت شعار ”التسامح“.
- الاقتصاد والثقافة: تحول العدو الألدّ إلى صديق بالتعاون الاقتصادي، وشاعت مفاهيم مثل ”التطبيع“ و”السلام“.
ولا ننسى بالطبع عمليات الصهيونية على الإسلام نفسه. لقد تم تصوير الإسلام في الأذهان بطريقة بعيدة كل البعد عن العقيدة الصافية، وتم تقديم تفسيرات بدعية إما -في الإفراط أو التفريط - للأمة على أنها الفهم النموذجي للإسلام.
إذا نسيت التاريخ ستُنسى
نكسة 1967 جديرة بالذكر بشكل خاص في هذا السياق. ففي غضون ستة أيام فقط، احتلت 'إسرائيل' أراضي ثلاث دول عربية: سيناء والجولان والضفة الغربية...لم تكن الهزيمة عسكرية فقط. بل كانت أيضًا هزيمة كبيرة من حيث الوعي والإدراك. فقد تحطمت الجيوش المزعومة التي لا تقهر في أيام قليلة. ضرب الصهاينة، وسمعت الأمة الضريرة صوت الجمل... صُدمت المجتمعات...لأن مرآتهم لم تكن مرآة الواقع بل ”الخطاب الناري للزعيم“. البعض عزا الحادث إلى ”مؤامرة دولية“ والبعض الآخر إلى ”ظواهر جوية“. لكن قلة قليلة جداً عرفت وأدركت أن المشكلة كانت ”عدم الوحدة، وغياب المشروع، وإهمال السنن الإلهية“. ولذلك، فإن هذه المجتمعات التي اعتبرت ما سمعته مرآة لما حدث، ولم ترَ الواقع الذي تعيشه تعرضت ل”نكسة“ كبيرة.
في حالة الاصرار على هذا العمى...
وإذا ما استمرت الأمة الإسلامية على هذا العمى وأصرت على أن تجعل من ”أذنها“ مرآة لها، فإن التشرذم الكامل، والاحتلال الأكبر الذي سيتحقق بعناصر القوة الناعمة - الصلبة، وهيمنة الصهيو-غربية على العقول والثروات سيكون حتمياً. ولن يقتصر الأمر على فلسطين، بل سيمتد إلى العواصم الإسلامية الكبرى. وما لم نتخلَّ عن حماقة ” الجمل هو الذي ركلني! “ فإننا سنكون مكرهين على هذه النهاية.
لا يكفي أن تسمع آذاننا. نحن بحاجة إلى عيون تبصر وعقول تفكر. نعم، نقول مرة أخرى: دعونا لا نكون كالضرير الذي يلوم الجمل بعد أن ركله العدو السكران... إن الألم الذي هو أكبر من كل شيء هو أن نسيء تقدير سبب الألم.