اخبار سوريا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
أنقرة تسعى إلى إصلاح سكة حديد الحجاز التي تربطها بالمنطقة العربية واستخدامها في النقل التجاري
أفصحت تركيا عن رغبة مشتركة مع الأردن لإصلاح وتجديد الخط الحديدي الحجازي عقب سقوط نظام بشار الأسد، وتولي سلطات جديدة الحكم في سوريا، وتوالت خلال العام الحالي اجتماعات متفرقة، سرعان ما تحولت تلك النية إلى اتفاق لربط سككي يعيد للخط الحجازي دوره المعهود.
الجديد ما أعلنه وزير التجارة التركي عمر بولات عن تنسيق مع الجانب الأردني بهذا الشأن، إذ أكد تقدم المشاورات بوتيرة متسارعة، وقال في تصريحات صحافية 'إن مثل هذه المشاريع المشتركة لا يمكن تنفيذها من طرف واحد، ويتطلب الأمر إقناع جميع الدول المعنية'.
وتسعى أنقرة إلى إعادة طريق الشرق التاريخي، وما الخط الحديدي إلا جزء من حزمة اتفاقات واسعة، ومنها مرور الشاحنات التركية إلى الأردن ودول الخليج العربي عبر سوريا، ومن المرجح أن يوضع الطريق بالخدمة العام المقبل كما كان عليه قبل عام 2010 بينما توصلت اللجنة المشتركة الأردنية - السورية على الانضمام إلى عدد من الاتفاقات الدولية للنقل البري مثل الاتفاقية الأوروبية لعمل أطقم المركبات في النقل الدولي، وزار الوفد الأردني محطتي الحجاز والقدم بدمشق للاطلاع على واقع السكك الحديد والبنى التحتية.
ومع الاضطرابات الأمنية توقف الخط الواصل بين سوريا والأردن عام 2011 في حين ما زال يعمل في أجزاء من الأراضي الأردنية، وفي تصريح صحافي أعرب معاون وزير النقل السوري لشؤون النقل البري، محمد رحال، عن أهمية الربط السككي بين الدول الثلاث الذي يمثل استثماراً استراتيجياً في أمن واستقرار المنطقة ويسهم في إعادة الإعمار وتنشيط حركة التجارة والاستثمارات.
والخط الحديدي الحجازي يعد واحداً من أعرق المشاريع السككية في المنطقة، أسس في عهد السلطان العثماني، عبدالحميد الثاني لخدمة الحجاج المسلمين، وافتتح عام 1908 قبل أن يتوقف عن العمل إثر تدميره خلال الحرب العالمية الأولى عام 1916 وكان الحجاج وقتها يقطعون المسافة من دمشق إلى المدنية المنورة خلال خمسة أيام فقط بدلاً من 40 يوماً، كما كانت سابقاً قوافل الحج تتوافد إلى دمشق كمنطلق لحملات الحج من دول آسيا الوسطى استعداداً لمحمل الحج الدمشقي إلى الديار المقدسة.
ومنذ ذلك الوقت ظلت محطة الحجاز أحد أبرز المعالم في العاصمة السورية، وصمم بناء المحطة المعماري الإسباني فرناندو دي أرنادا وتميز التصميم بالطراز العثماني التقليدي ممزوجاً بلمسة أوروبية زينت واجهتها بأقواس حجرية منحوتة، ونوافذ خشبية مطعمة بالزجاج الملون إلى جانب برج الساعة.
في غضون ذلك علمت 'اندبندنت عربية' عن نية المؤسسة العامة للسكك الحديد في سوريا استثمار الخطوط الحديدية بعد دمار واسع لحق البنية التحتية بسبب الحرب وسرقة القضبان الحديدية على طول الشبكة المتوقفة طوال فترة الصراع المسلح، وزيارة وفد تركي من المتخصصين مقر الشركة العامة للسكك بصورة غير معلنة واطلعوا على واقع السكك.
إزاء ذلك من المتوقع تأهيل الخط الحديدي الواصل بين تركيا وسوريا عبر ميدان اكبس والراعي في حلب، وهذا الخط تعرض لأضرار جسيمة، إذ دمر ما بين 45 و50 كيلومتراً بوقت تتابع الشركة أعمال الصيانة على طول خط حلب إلى دمشق، جنوب سوريا، وبهذا يكون الخط الحديدي من دمشق إلى الأردن متوافراً، وبحسب معلومات من مصدر متخصص في السكك الحديد أن نسبة القاطرات الجاهزة في السكك الحديد حالياً للعمل تبلغ نسبتها 20 في المئة مقارنة بالقاطرات قبل الحرب الأخيرة في سوريا.
إزاء ذلك كانت أنقرة أعلنت سابقاً عن استعدادها ببذل الجهود لإعادة إعمار الجزء المتضرر، وتبلغ الكلفة بين 50 و60 مليون يورو في المرحلة الأولى خط ميدان اكبس ـ حلب، وأنشئ عام 1908 ضمن مشروع قطار الشرق السريع برلين ـ بغداد، ومع أن الحرب دمرت 50 كيلومتراً إلا أن الأجزاء المتبقية وصولاً إلى دمشق لا تزال قائمة.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمد حاج عثمان أن هذا الربط السككي ليس له تأثير كبير في التجارة الإقليمية في المنطقة فحسب، بل يترك تأثيراً سياسياً بالغاً، إذ يسد الطريق على أمل طهران بمد خط حديدي يصل إلى مدينة اللاذقية، وهي الواجهة البحرية في المتوسط بعدما بدأت منذ عام 2018 بمد سكة حديد من منفذ شلامجة الحدودي إلى مدينة البصرة العراقية.
وأضاف عثمان 'في حال أعادت تركيا وسوريا والأردن تفعيل اتفاقات التعاون بالنقل البري ومنها التعاون في مجال النقل السككي فإن الأمر سيترك تأثيراً إيجاباً في كل الدول وينعش الاقتصاد وينشط حركة التبادل التجاري'.
في السياق ذاته شهدت محطة الحجاز التي تتوسط المدينة أخيراً أمسية ثقافية حملت عنوان 'ذكريات الحجاز' ضمن فعاليات الدورة الـ62 من الخط الحديدي الحجازي لإحياء ذاكرة السكة المتوقفة، وتضمنت عرضاً توثيقياً قدمه الكاتب والمؤرخ الإيرلندي ليون ماكرون وتحدث خلال العرض عن رحلته البحثية في عامي 2024 ـ 2025 على امتداد مسار الخط الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة مروراً بالأردن.
يقول المؤرخ ماكرون 'الخط الحجازي كان واحداً من أعظم الإنجازات الهندسية في بداية القرن الـ20، إذ جمع بين البعد الديني والسياسي، ولم يكن المشروع مجرد وسيلة نقل بل حلقة وصل حضارية ربطت مكز الدولة العثمانية بالمقدسات الإسلامية، وفتحت آفاقاً واسعة للتقارب الثقافي والتنموي في المنطقة'.
بالنتيجة يأتي المشروع في سياق التغيرات السياسية التي طرأت على سوريا بعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وعملية تحرير دمشق ورغبة إسطنبول في فتح أبواب التبادل التجاري مع الحكومة الجديدة بما يخدم مصالح البلدين، ومن جهة ثانية هذا المشروع الذي يمكن أن يبصر النور العام المقبل حسب متخصصين سيمنح تركيا دوراً محورياً في إعادة إعمار البلاد المدمرة عقداً من الزمن، مع انفتاح أبواب إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة والمتهالكة، علاوة على فتح الطريق لمد جسور من التعاون التجاري الدولي يصل إلى دول الخليج وحتى إلى مصر إذا ما توفرت البيئة اللوجيستية المناسبة.




































































