اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
ملامح البعد السياسي والأمني لخطة ترامب لغزة باتت واضحة تماما بأنها تعمل على استبدال مشروع الدولة الفلسطينية على حدود 67 ووحدة جغرافية بين الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، بكيانية في قطاع غزة، ويتطلب ذلك إيجاد وسائل حكم وآليات تنفيذه بما يخدم ذلك الهدف، ولذا الحديث عن تشكيل مجلس السلام برئاسة ترامب، بات مهمة مركزية للإدارة الأمريكية من أجل صياغة الأهداف اللاحقة، ومنها تحديد مسار آليات العمل التنفيذية.
مجلس السلام الذي يريده ترامب سيكون هو الحاكم الأعلى المفروض لقطاع غزة، ويكلف حاكم تنفيذي، والعين الترامبية على صهره غاريد كوشنير بدلا عن طوني بلير المكروه عالميا، كون كوشنير صاحب مشروع 'غزة الكبرى'، الذي صممه منذ فبراير 2024.
خبراء الامن الدوليين بدؤا ببحث تشكيل ما أسموه 'قوة استقرار دولية'، ستتولى مهام الأمن الشامل في قطاع غزة، وتشرف على نزع السلاح بما سيترافق معه من إجراءات، وترسم طريق عمل اللجنة الإدارية، والدور الشرطي الخاص، والذي سيكون أكثر تعقيدا من العمل التقليدي، لما سيكون معقدا جدا جراء أحداث سنتي حرب الإبادة.
نصت خطة ترامب ذات النقاط العشرين والتي تم الاتفاق عليها بين الدول الضامنة لحماس، انه في المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب على غزة سيتم دخول قوة دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاق ونزع سلاح حماس، إلا أنه حتى اللحظة لم يتم الإتفاق او الإعلان، هل هي قوة حفظ أمن ام قوة استقرار، ام حفظ سلام، وكل مصطلح من هذه المصطلحات يعني شيء مختلف عن الآخر، ولا حتي الاتفاق على شكل هذه القوة الدولية الخاصة بغزة، وما يجب أن تكون مجهّزة به، وحجم وجودها على الأرض، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة التضاريس، والتهديدات، والأهداف، والتفويض، وإمكانيات القوى البشرية المحتملة، والديناميات الاجتماعية الحساسة، والبيئة الجيوسياسية المعقدة.
وهناك رغبة لدى صناع القرار في قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي والخبراء الدوليين في الأمن على شكل وعن ماهية التجهيزات التي ينبغي أن تتوافر لدى قوة الاستقرار في غزة لضمان نجاحها، وتجنّب فشلها كما حدث مع مهمة قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) في جنوب لبنان، وهذه التجهيزات تشمل التالي:
السرعة والمرونة:
يجب أن تكون تجهيزات القوة قادرة على تحقيق السرعة القصوى في الانتشار والاستجابة السريعة للتهديدات، وأن تمتلك قدرة عالية على التحرك في تضاريس حضرية معقدة.
ويعني ذلك استخدام مركبات مدرعة خفيفة والاعتماد على العجلات للمهمات الهجومية، مع الاحتفاظ بالمركبات المجنزرة للمهام الدفاعية والثابتة.
وتشمل هذه القدرات شاحنات صغيرة مدرعة، ومركبات قتال مشاة خفيفة، ومركبات استطلاع وعمليات خاصة.
الاستخبارات وجمع المعلومات:
ينبغي أن تُزوَّد القوة بمجموعة واسعة من الطائرات المسيرة (درونز) وأنظمة جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية، لتوظيفها في مهام الاستطلاع، والعمليات الوقائية، والهجومية.
وهذه القدرات حاسمة لأنها تمكّن القوة من تحديد التهديدات والتمييز بين المدنيين والمقاتلين، والدخول إلى الأماكن الخطرة مثل المخابئ والأنفاق.
قوة نارية دقيقة ورشيقة:
يجب ألا يكون هدف القوة استخدام القوة المفرطة كما فعل الجيش الإسرائيلي، بل امتلاك قدرات على الضربات الدقيقة والموجهة لتغطية القوات أو دعمها، وتنفيذ ضربات وقائية ضد الأخطار الواضحة، وتدمير البنى التحتية الإرهابية مثل الأنفاق والأسلحة.
ويشمل ذلك مدفعية صاروخية بعيدة المدى، ومدفعية ذاتية الحركة، وطائرات مسيّرة، وذخائر دقيقة بعيدة المدى.
قدرات نوعية هجومية ودفاعية:
يجب تجهيز أفراد القوة بما يعزز فعاليتهم في أداء المهام، مثل السترات الواقية المتطورة، والخوذ، ومناظير الرؤية الليلية، وكواتم الصوت، وأجهزة تحديد الأهداف، ووسائل التمويه والإخفاء، والطائرات المسيّرة على مستوى الفِرق، وأنظمة اتصالات ميدانية متكاملة، ومراكز دمج بيانات، وأدوات إسعاف ميداني.
من خلال ما سبق من مقترحات لشكل قوة الاستقرار الدولية سنكون أمام اوضاع امنية غير مسبوقة في قطاع غزة وستكون آثارها لسنوات طويلة. وهذه الأوضاع الأمنية سيكون لها الأثر الفادح على المستقبل السياسي الفلسطيني برمته وعلى مستقبل قطاع غزة بالخصوص، فمجلس السلام ومجلسه التنفيذي، بدأ وضع أول ملامح كيفية استغلال إعادة الإعمار، بأنها ستبدأ في مناطق لا تزال تحت سيطرة جيش الاحتلال، وهنا رسالة سياسية بأن الأمن المرتبط بالمصلحة الإسرائيلية هو طريق البناء الجديد، أي لا إعمار في مناطق يمكن أن يكون بها شبه أمنية.
الرسالة الامريكية واضحة، بأن اليوم التالي بدأ يتشكل نحو خلق 'قيادة جديدة'، فطريق إعادة إعمار قطاع غزة يبدأ من إعادة إعمار الهيكل السياسي.
خطة ترامب مازالت عبارة عن محددات عامة وتم وضع الاسس لها ولكن تفاصيلها مازالت تحبك بعيدا عن الاضواء. وحتى الآن لم تحسم كامل تفاصيلها. وكل طرف يحاول أن يضع بعض من شروطه. لذلك هنا الآن فرصة أمام الرسمية الفلسطينية للتحرك لدى الدول العربية الفاعلة في الملف الفلسطيني وخاصة مصر والسعودية والإمارات وايضا دول إقليمية كتركيا لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشروع الوطني الفلسطيني مع إتخاذ إجراءات حاسمة نحو إطلاق خطة وطنية لمواجهة خطة التدمير الأمريكية التي تستهدف الكيان الوطني الفلسطيني، على ان يكون الهدف النهائي للتحرك الفلسطيني العاجل هو وجود دولة فلسطينية وفقا لقرار الأمم المتحدة 19/67 عام 2012 المعزز مايو 2025.
واستباقا لبدء دور مجلس السلام على الرسمية الفلسطينية ان تطالب بتحديد بعد زمني لدور هذا المجلس، كي لا يصبح وصاية دائمة وتحديد دوره في المرحلة القادمة بإعادة الإعمار وترتيبات المرحلة الانتقالية فيما يتعلق بالحكم وخاصة تشكيل لجنة إدارية، ونشر قوات الأمن الفلسطينية، وتطبيق إعلان شرم الشيخ لاستكمال انسحاب قوات جيش الاحتلال كليا من قطاع غزة. والعمل فورا على تشكيل لجنة تنسيق واتصال بين دولة فلسطين وأطراف إعلان شرم الشيخ لمتابعة التنفيذ، وأن تكون دولة فلسطين عضوا في لجنة الإعمار بصفة المنسق أو دور تنفيذي مباشر.
هذه الخطوات هي ضرورة عاجلة يجب أن تتخذها القيادة الفلسطينية قبل فوات الأوان.