اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
القاضي م جمال الحلو:
العدالة هي حجر الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات المستقرّة والمتقدّمة. وهي الضّامن لحقوق الأفراد والجماعات، والحَكَم العادل بين النّاس، بغضّ النّظر عن مناصبهم أو انتماءاتهم.
غير أنّ تحقيق العدالة لا يمكن أن يتمّ من دون وجود قضاء مستقلّ، يُمارس سلطته بحرّيّة ونزاهة، ومن دون تدخّل من السّلطات الأُخرى، أو أي ضغط خارجيّ.
فاستقلال القضاء ليس ترفًا مؤسّسيًّا، بل هو ضرورة وجوديّة لأي نظام قانونيّ سليم.
هذا، والسّؤال الذي يُطرح: ما معنى استقلال القضاء؟
استقلال القضاء يعني أن يتمكّن القضاة من أداء وظائفهم بحرّيّة تامّة، من دون خوف أو تحيّز أو تبعيّة لأي جهة كانت، سواء كانت سياسيّة أم اقتصاديّة أم اجتماعيّة. وهذا الاستقلال يشمل جانبين:
أوّلهما الاستقلال المؤسّسيّ: أي أن يكون للسلطة القضائيّة كيان منفصل عن السّلطتين التّنفيذيّة والتّشريعيّة، لها مواردها، وأنظمتها، وآلياتها في التّعيين والتّرقية والمحاسبة.
ثانيهما الاستقلال الفرديّ: وهو يعني أن يتمتّع القاضي نفسه بالحرّيّة التّامّة في اتّخاذ قراراته القضائيّة، وفقًا للقانون وضميره، من دون أي تأثير خارجيّ.
إنّ أهمّيّة استقلال القضاء في تحقيق العدالة لبلوغ الأهداف المرجوّة، وتتلخّص بالتّالي:
1. ضمان سيادة القانون:
إذ لا يمكن تطبيق القانون بشكلٍ عادلٍ إذا كان القاضي خاضعًا لأوامر من جهة أخرى.
فاستقلاله يضمن أن تُطبَّق القوانين على الجميع، حكّامًا ومحكومين، على قدم المساواة.
2. حماية الحقوق والحرّيّات:
القاضي المستقلّ هو الدّرع الحامي للفرد في مواجهة أي تعسّف من الدّولة أو من الأفراد، وهو المرجع في النّزاعات التي تمسّ الحرّيّات الأساسيّة.
3. منع الفساد:
القضاء الخاضع للتأثير السّياسيّ أو الماليّ يصبح أداة للظلم بدل أن يكون وسيلة للإنصاف، بينما القضاء المستقلّ يشكّل رادعًا ضدّ الفساد، ويعمل على كشفه ومحاسبة مرتكبيه.
4. تعزيز الثقة في الدولة:
حينما يلمس المواطن عدالة مستقلّة، تنمو ثقته في النّظام السّياسيّ ككلّ، ويشعر بالانتماء والمساواة، ممّا يعزّز الاستقرار الاجتماعيّ والسّياسيّ.
وعليه، فإنّ التّحدّيات التي تواجه استقلال القضاء ورغم أهمّيّة هذا
المبدأ، إلا أنّ العديد من الدّول تواجه تحدّيات حقيقيّة في ترسيخه، من أبرزها:
أوّلًا: التّدخّل السّياسيّ:
حين تتدخّل الحكومات في تعيين القضاة أو الضّغط عليهم في القضايا الحسّاسة.
ثانيًا: الفساد الماليّ والإداريّ:
ضعف الرّقابة أو استغلال النّفوذ قد يؤدّي إلى خضوع بعض القضاة لمصالح خاصّة.
ثالثًا: نقص الموارد والدّعم المؤسّسيّ:
ممّا يضعف أداء السّلطة القضائيّة ويجعلها عرضة للتبعيّة.
رابعًا: غياب الوعي العامّ:
حين لا يطالب المواطنون باستقلال قضائهم، يقلّ الضّغط الشّعبيّ والسّياسيّ لتحقيق هذا المطلب.
ومن هذا المنطلق، وفي سبيل تعزيز استقلاليّة القضاء، لا بدّ من اتّخاذ خطوات جدّيّة وعمليّة، منها:
أ- ضمان تعيين القضاة وترقيتهم وفق معايير شفّافة وعادلة.
ب- توفير ميزانيّة مستقلّة وكافية للسلطة القضائيّة.
ج- تحصين القضاة قانونيًّا ضدّ أي تدخّل أو ترهيب.
د- تعزيز ثقافة القانون لدى المجتمع، لتصبح العدالة مطلبًا شعبيًّا لا تنازل عنه.
ه-دعم المؤسّسات الرقابيّة والقانونيّة المستقلّة.
*صفوة القول*:
لا عدالة من دون قضاء مستقلّ، ولا دولة قانون من دون مؤسّسات تحترم مبدأ الفصل بين السّلطات. فاستقلال القضاء ليس شعارًا يُرفع، بل هو ممارسة ومبدأ يجب أن تتجسّد آثاره في حياة النّاس اليوميّة، وفي المحاكم، وفي القرارات، وفي حماية الحقوق.
وحده القضاء الحرّ يمكن أن يكون بوّابة لتحقيق المساواة والكرامة لكلّ إنسان