أصدرت كل من بريطانيا، فرنسا وكندا توبيخاً علنياً نادراً لإسرائيل، مطالبةً إياها بوقف هجومها العسكري المتجدّد على غزة، في دعوة كشفت عن تصدّعات متزايدة بين إسرائيل وحلفائها الغربيِّين التقليديِّين، وأثارت رداً غاضباً من الدولة العبرية أمس.

جاء في بيان مشترك للدول الثلاث القوية مساء الاثنين: «لطالما دعمنا حق إسرائيل في الدفاع عن الإسرائيليِّين ضدّ الإرهاب... لكن هذا التصعيد غير متناسب على الإطلاق».

ودان البيان الحملة الإسرائيلية المتوسعة ضدّ «حماس» في غزة والقيود المفروضة منذ أشهر على المساعدات الإنسانية، واصفاً إياها بأنّها «أعمال فاضحة»، في لهجة تُعدّ من الأقسى حتى الآن من قِبل دول غربية كبرى لطالما كانت داعمة لإسرائيل.

وأضاف البيان: «إذا لم تُوقِف إسرائيل هجومها العسكري المتجدّد ولم ترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ إجراءات ملموسة إضافية رداً على ذلك».

وظهر أمس، ذهبت بريطانيا إلى أبعد من ذلك، معلنةً تعليق المحادثات مع إسرائيل بشأن توسيع اتفاقية التجارة الحرة، وأنّها ستفرض عقوبات على عدد من المستوطنين الإسرائيليِّين المتطرّفين الإضافيِّين في الضفة الغربية المحتلة.

تعكس هذه الخطوات مدى تصاعد الاستياء الدولي من إسرائيل بعد مرور أكثر من 19 شهراً على هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول 2023، الذي أشعل فتيل الحرب الإسرائيلية في غزة. وبينما سارعت الحكومات حول العالم إلى دعم إسرائيل بعد الهجوم، تراجع الدعم الديبلوماسي مع تصاعد أعداد القتلى بشكل كبير في غزة نتيجة الحملة الإسرائيلية.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالانتقادات الأخيرة في وقت مبكر أمس، قائلاً إنّ بريطانيا وفرنسا وكندا قدّمت «جائزة ضخمة» لـ»حماس». وادّعى أنّ الدول الثلاث تُشجّع ضمنياً تكرار هجمات 7 تشرين الأول، التي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل وأسر 250 آخرين.

وأضاف نتنياهو: «هذه حرب حضارة ضدّ الهمجية. ستواصل إسرائيل الدفاع عن نفسها بوسائل عادلة حتى تحقيق النصر الكامل».

وفي إعلان تعليق محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل بعد ساعات فقط، أوضح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أمام البرلمان البريطاني، أنّ خطط نتنياهو تهدف إلى «دفع سكان غزة إلى النزوح من منازلهم نحو زاوية جنوبية من القطاع، وتزويدهم بجزء ضئيل من المساعدات التي يحتاجون إليها. المدنيّون في غزة، الذين يواجهون الجوع والتشرّد والصدمات النفسية، ويتوقون لنهاية هذه الحرب، يواجهون الآن قصفاً متجدّداً، ونزوحاً ومعاناة جديدَين».

واعتبر هيو لافات، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنّ المسؤولين الأوروبيِّين كانوا يعبّرون تحديداً عن «إحباط متزايد، بل وغضب من التصرّفات الإسرائيلية في غزة».

ولم يتضح على الفور ما هي الإجراءات الإضافية التي تنوي بريطانيا وفرنسا وكندا اتخاذها إذا لم تستجب إسرائيل لتحذيرهم. لكنّ البيان العلني مثّل «تغيّراً كبيراً في النبرة والرسالة»، بحسب لافات.

في آذار، أنهت إسرائيل وقف إطلاق النار الذي دام شهرَين مع «حماس»، كان من شأنه أن يؤدّي إلى الإفراج عن الرهائن مقابل إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل. وصرّح نتنياهو أنّ إسرائيل لا يمكنها قبول أي شيء أقل من نزع سلاح «حماس» ورحيل قادتها عن غزة إلى المنفى.

ويُهدّد نتنياهو حالياً بسيطرة إسرائيلية على غزة وترحيل قسري للمدنيِّين الفلسطينيِّين إلى مناطق محدّدة. ومنعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة لأكثر من شهرَين، ما دفع الأمم المتحدة للتحذير من مجاعة محتملة.

ويُشير المنتقدون إلى أنّ العملية العسكرية المرتقبة قد تكون أكثر تدميراً للمدنيِّين الفلسطينيِّين. ووفقاً لمسؤولي الصحة في غزة، الذين لا يُميّزون بين المدنيِّين والمقاتلين، قُتل أكثر من 53,000 شخص في الحملة العسكرية الإسرائيلية ضدّ «حماس».

ولا يبدو من الواضح ما إذا كان تصعيد الهجوم الإسرائيلي سيؤدّي إلى هزيمة «حماس»، إذ إنّ القوات الإسرائيلية حوّلت معظم غزة إلى أنقاض، في وقت استمرّت فيه «حماس» بشن تمرّد عنيد وتجنيد آلاف المقاتلين الجدد في صفوفها.

أمّا الولايات المتحدة، وهي أقوى داعمي إسرائيل وأكثرهم ثباتاً، فلم تنتقد علناً الهجوم الإسرائيلي المتجدّد. لكنّ الرئيس دونالد ترامب بات يتجاوز نتنياهو بشكل متزايد، فعقد اتفاقاً منفصلاً مع «حماس» للإفراج عن آخر رهينة أميركية حية، وتجاهل إسرائيل خلال زيارته إلى الشرق الأوسط.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت إسرائيل أخيراً أنّها ستبدأ بالسماح بدخول بعض المساعدات الإنسانية إلى غزة. لكنّها لم تسمح سوى بدخول 5 شاحنات يوم الاثنين، وهو ما يمثل قطرة في محيط مقارنةً بالحاجة الهائلة. وحتى صباح أمس، لم تكن تلك الشاحنات قد استُلمت بعد من قِبل مسؤولي الأمم المتحدة، الذين يحتاجون إلى تصريح إسرائيلي للوصول إلى المنطقة القريبة من حدود غزة مع إسرائيل.

واجتمع المسؤولون الأوروبيّون في بروكسل أمس، جزئياً لمناقشة طلب هولندي بفحص ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضدّ الفلسطينيِّين.

وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، أنّ الاتحاد الأوروبي قد يُقرّر في نهاية المطاف تعليق الاتفاق مع إسرائيل ما لم تُوقِف الهجوم على غزة، ما من شأنه أن يضع إسرائيل في فئة دول مثل سوريا، ليبيريا، وزيمبابوي.

وأضاف بارو في مقابلة إذاعية: «حوّل العنف الأعمى والحصار الإنساني الذي تفرضه الحكومة الإسرائيلية، غزة إلى فخٍ للموت».