اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٣ أيار ٢٠٢٥
حين تدقّ ساعة الانتخابات في بلدة القاع، لا تكون المواجهة مجرّد استحقاق بلدي روتيني، بل تتحول إلى ساحة تتقاطع فيها السياسة مع العائلية، وتختلط فيها الطموحات الإنمائية بالحسابات الشخصية. في القاع، حيث التاريخ حافل بالصمود والجغرافيا على تماسٍ مباشر مع الحدود، يصبح للصندوق الانتخابي نكهة مختلفة. إنها مواجهة بين من واكبوا هموم الناس في أحلك الظروف، وبين طامحين يرون البلدية ممراً إلزامياً نحو النيابة.
تقع بلدة القاع في أقصى شمال محافظة بعلبك الهرمل، وتعد واحدة من البلدات الحدودية التي دفعت ثمناً باهظاً لموقعها الجغرافي الحساس، وهي ذات طابع مسيحي واضح، وتاريخ طويل في مقارعة التطرف والإرهاب، تعرف بصلابة أهلها وتماسكهم، وقد عانت من التهميش لسنين، لكنها شكلت نموذجاً فريداً في الاعتماد على الذات، سيما في الأزمات المتلاحقة.
تُخاض الانتخابات البلدية في القاع الأحد المقبل على أكثر من مستوى، إذ توجد لائحة إنمائية برئاسة بشير مطر، عملت على الأرض خلال السنوات الماضية متجاوزةً الاصطفافات التقليدية، ومدعومة من «القوات اللبنانية»، مقدمةً نموذجاً في الالتزام الشعبي عبر العمل الدؤوب في ملفات النفايات والصحة والبنى التحتية والأمان الاجتماعي، خاصةً في ظل تدفق النازحين السوريين، إضافةً إلى مواقف واضحة بشأن الحدود ورفض الاعتداء على أهالي القاع وحقوقهم. وتحظى هذه اللائحة بدعم شريحة واسعة من أبناء البلدة الذين لمسوا حضورها الفعلي، لا سيما خلال معركة فجر الجرود، حيث كانت على الخط الأمامي للنار، فضلاً عن الأزمات الصحية وجائحة كورونا، وما ترتب على النزوح خلال الحرب الأخيرة.
وتتألف بلدية القاع من 15 عضواً، ينتخبون من قبل ما يقارب 6800 ناخب مسجل في القوائم الانتخابية، وسط توقعات أن تصل نسبة الاقتراع إلى خمسين بالمئة، ما يعني أن الكتلة التصويتية الفعلية قد تتجاوز 3400 صوت، وهو رقم كفيل بقلب المعادلات، سيما في بلدة تتداخل فيها العائلية مع الحسابات الإنمائية والسياسة.
في المقابل تبرز لائحة غير مكتملة مدعومة من شخصيات تنضوي تحت سقف «التيار الوطني الحرّ»، يحاولون فرض أنفسهم في المشهد المحلي، ويسعون من خلال المعركة البلدية إلى تثبيت حضور يمهد للانتخابات النيابية المقبلة، حيث يفرضون أنفسهم كمرشحين لـ «التيار»، وهم يدركون أن البلدية منصة ضرورية للتواصل مع الناس، وإبراز الأدوار العامة، ولو على حساب الانتماء الفعلي. وفي حين تستثمر كل الأسلحة للمواجهة، تبرز حركة هؤلاء واستخدام انتساب بشير مطر لـ «القوات اللبنانية» حجةً للقول بأن المنطقة والمحيط ليس لديهم قابلية لهكذا انتماء سياسي.
وأكدت مصادر لـ «نداء الوطن» أن اللائحة التي يترأسها مطر «أرضي هويتي لنبقى»، مدعومة من حزب «القوات» والعائلات، وفيها من الكفاءات الشبابية والزراعية والاقتصادية، وتمثل كافة العائلات والقطاعات، مقابل اللائحة الثانية التي يدعمها «التيار الوطني الحرّ»، والتي هدفها الأساسي إسقاط مطر ومن خلفه «القوات». وأضافت المصادر أن اللائحة الأولى تُتهم من قبل «التيار» بالانعزال والعداء للمنطقة، رغم إثباتها خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة الانفتاح واستقبالها النازحين اللبنانيين واحتضانهم، ورغم كل ما حصل من انهيارات اقتصادية والظروف بقيت صامدة. أما على الجهة الأخرى، فيحاول البعض تشكيل اللائحة المضادة رغم الانسحابات المتتالية، ومن يستطيع تشكيلها يعتبر نفسه خلفاً للنائب عن «التيار» الدكتور سامر التوم، وهي تضم خليطاً من العونيين والقوميين وغيرهم.
وأضافت المصادر أن أداء البلدية خلال المرحلة الماضية دفع بالكثيرين ممن هم على الضفة السياسية الأخرى إلى تأييد اللائحة الأولى، والمعركة اليوم في القاع هي سياسية – عائلية، إضافة إلى معركة أحجام ضمن الفريق المناهض لـ «القوات»، خاتمةً بأن الأمور حتى اليوم مضبوطة والجيش ينتشر على الحدود ربطاً بالتطورات التي تحصل، ولا داعي للقلق بخصوص حصول الانتخابات هناك.
وعليه لن تكون الانتخابات البلدية في القاع مجرد استحقاق محلي، بل اختبار للوعي الشعبي ولمدى قدرة الناس على التمييز بين من عمل بصمت، ومن يحاول الدخول من باب العمل البلدي إلى الطموح النيابي، ويبقى السؤال: هل تلعب العائلية دورها التقليدي وتحتكم إلى الحسابات الشخصية ما يضفي على المعركة تعقيداً إضافياً، إلى جانب السياسي والإنمائي؟