ليس هناك من نوعية ثابتة في مستويات الأحاديث التي تدور على طاولات مقاهي الثقافة، ففي تنوّعها ما بين الترويح عن النفس وما يتعلق بالحالة العامة، ان كانت سياسية أو اجتماعية أو غيرها، تتخلل الجلسات أحياناً أحاديث وحوارات نوعية لا تخلو من فائدة.

في جلسة أخيرة دار الحديث عن وضع الحالة التشكيلية، وكان بين المجتمعين فنانة تشكيلية شَكتْ من الظلم الذي يلحق بالبعض من حيث الإضاءة الإعلامية عليه وعدمها، وان هناك مستويات جيدة تغطّي عليها مستويات أقلّ كفاءة وإبداعاً..

قلت لها ان هذا ليس جديدا، وسردت لها وللموجودين ما جرى ذات يوم من حديث بيني وبين الفنان التشكيلي الراحل عارف الريس - رحمه الله، ففي تلك الآونة كانت ثمة أسماء معروفة في عالم التشكيل تتبوأ الإعلام مع هجمة كثيفة من رعيل جديد يحاول إيجاد موقع له في هذا المجال..

وسبّب ذلك نوعاً من الالتباس في قطاع فني هام فمحاولات التواجد وفيها الكثير من الغث والسمين أحدثت ضجيجاً وحالة ملتبسة..

قلت لعارف يومذاك عن رأيه في ما يجري..

فقال: الحالة التشكيلية في حاجة الى (منخل) وليس هناك من (نوَر)، ويقصد بالـ (نوَر) الغجر الذين يقيمون في المضارب خارج المدن وبعض القرى ويتخصصون في صناعة (المناخل) و(الغرابيل)..

قصد يومها عدم وجود حالة نقد تقوم بالنخل والغربلة لتحديد المستويات وذلك من قاعدة ان الحالة الإبداعية تقوم على ثلاثة عناصر: (المبدع) (المتلقّي) و(الناقد)، وأي نقص في هذه العناصر الثلاثة يسبب الخلل البشع الحاصل الآن..

فهل ما زلنا بحاجة الى (منخل) عارف الريس؟..

بالتأكيد غياب هذا المنخل هو الحلقة المفقودة التي تسبب كل هذا الضجيج والغيث التشكيلي المنهمر علينا من كل حدب وصوب.