قال الكاتب والمختص في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، إن أوروبا بدأت فعليًا في إظهار مواقف تعبّر عن رغبة واضحة في نزع الغطاء – ولو جزئيًا – عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما تلك المتعلقة بالعدوان المتواصل على قطاع غزة واستمرار المجاعة فيه، مؤكدًا أن المواقف الأوروبية لا تزال عاجزة عن اتخاذ خطوات حقيقية بشأن حظر تجارة السلاح مع (إسرائيل).

وأضاف شاكر، في حوار مع 'فلسطين أون لاين'، أن مشاهد المجاعة التي تنقلها وسائل الإعلام من قطاع غزة 'أحرجت داعمي الاحتلال أمام شعوبهم، وأثّرت بعمق في الضمير العالمي'.

وأوضح أن الصور القادمة من غزة، التي توثق المجاعة رغم مشاهد الإبادة الجماعية المتواصلة، تحمل وقعًا معنويًا خاصًا في العالم، نظرًا لحساسيتها الشديدة وطبيعتها الإنسانية الصادمة.

وتابع: 'الاحتلال لم يعد يُخفي عدوانيته؛ فالتصريحات الرسمية لقادته باتت صريحة في استهداف المدنيين والبنية التحتية، بعكس الروايات التي تروّج لها (إسرائيل) في الغرب حول الدفاع عن النفس'.

وبيّن أن الخطاب الفاشي العلني، إلى جانب المجازر وتجويع السكان، 'جعل من دعم الاحتلال أو التواطؤ معه أمرًا لا يُحتمل أخلاقيًا ولا سياسيًا في العديد من العواصم الأوروبية'. كما رأى أن فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه خلال الشهور الماضية، وافتقاده لأي إنجازات ملموسة يمكن الترويج لها، جعله مكشوفًا أمام حلفائه الغربيين.

عزلة دولية

ورأى شاكر أن تطور المواقف الأوروبية يرتبط أيضًا بإدراك متزايد بأن الحكومة السياسية والعسكرية للاحتلال قد خرجت عن السيطرة، وتخوض حربًا بلا أفق وبأهداف توسعية معلنة، ما أدى إلى شعور أوروبي متنامٍ بأن استمرار هذه الحرب يحمل تكاليف سياسية وإنسانية باهظة لا يمكن تجاهلها.

وشدد على أن 'الإشارات الناقدة' التي بدأت تصدر، سواء من أوروبا أو من الإدارة الأميركية – ولو بشكل رمزي – تُعد مؤشرات على انكسار موجة الدعم غير المشروط للاحتلال.

وقال: 'ما يحدث الآن هو رفع للغطاء المعنوي على الأقل، وبدء تحوّل في المزاج العام في الغرب'.

ورأى شاكر أن من أبرز انعكاسات هذا التحول الأوروبي المرتقب، تشجيع الأصوات الناقدة للاحتلال على رفع سقف مواقفها وخروجها من حالة الصمت، إلى جانب تحفيز موجة جماهيرية ومدنية أوسع ضد سياسات الاحتلال، خصوصًا إذا ما استمرت المجازر والمجاعة خلال الأسابيع المقبلة.

وأوضح أن هناك انتقالًا ملموسًا للاعتراضات من الأوساط المعارضة التقليدية نحو الأوساط المجتمعية الأوسع، حتى وإن كانت التصريحات الأوروبية لا تزال حتى اللحظة 'ملتوية وغير صريحة' في توصيف الجرائم على أنها إبادة جماعية.

ضغوط على الاحتلال

وحذّر شاكر من أن استمرار الاحتلال في تجاهل هذه التطورات 'لن يُغيّر من واقع الأمر شيئًا'، مشيرًا إلى أن المجتمع الإسرائيلي، لا سيما مكوناته ذات الخلفية الغربية، يشعر بتداعيات هذه التحولات و'بالخذلان من العواصم التي طالما اعتبر أنها داعمة له'.

وقال إن 'هذا الشعور يعمّق عزلة الاحتلال، سواء على المستوى السياسي أو التجاري أو الثقافي، مما سيفرض في المدى المنظور ضغوطًا متزايدة على حكومة الاحتلال، بسبب الكلفة الباهظة لحرب الإبادة المستمرة في القطاع'.

واعتبر شاكر أن الاحتلال لن يوقف عدوانه تلقائيًا، لكنه أكد أن تنامي الضغوط الدولية، إلى جانب صمود الفلسطينيين ميدانيًا، والتحديات المتزايدة أمام جيش الاحتلال، كلها عوامل سترفع من 'كلفة العدوان'، وتجعل استمراره غير قابل للتحمل على المدى البعيد.

ورأى أن هذا التراكم، في حال استمراره، قد يقود إلى 'لحظة كسر' لجدار العدوان الوحشي، عبر ضغوط حقيقية تُمارس على الاحتلال من أكثر من جهة.

وحول قرارات حظر تجارة السلاح مع (إسرائيل)، قال شاكر إن المواقف الأوروبية لا تزال عاجزة عن اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الاتجاه، موضحًا أن 'ما يصدر عن أوروبا هو مواقف نقدية متأخرة، بعد عشرين شهرًا من الحرب، ولم ترقَ إلى مستوى الإجراءات العقابية'.

وأشار إلى المفارقة في أن الاتحاد الأوروبي فرض 17 حزمة عقوبات صارمة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، لكنه لم يفرض عقوبة واحدة ذات شأن على الاحتلال، رغم حجم الفظائع التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ويعتقد شاكر أن أوروبا، رغم تطور مواقفها، لا تزال بعيدة عن اتخاذ إجراءات فعلية.

وتابع: 'ما نشهده هو نزع جزئي للغطاء السياسي عن الاحتلال، لكنه ليس انسحابًا كاملًا من مربع التواطؤ معه'، لافتًا إلى أن 'بيروقراطية القرار الأوروبي وتعدد الفيتوهات تعيق مراجعة الاتفاقات مع (إسرائيل)، لكن تصاعد الحراك الشعبي والسياسي في أوروبا قد يغيّر هذا الواقع، ويضع السياسات الغربية على مشرحة النقد كما لم يحدث من قبل'.