في لقاء صريح وملهم عبر شبكة رايـــة الإعلامية، استضاف برنامج 'ضيف الراية' السياسية والدبلوماسية الفلسطينية هند خوري، وزيرة شؤون القدس السابقة وسفيرة فلسطين لدى فرنسا بين عامي 2006 و2010، التي تحدثت عن نشأتها في بيت لحم والقدس وتجربتها في ظل التهجير، كما استعرضت محطاتها المهنية في العمل الوطني والدبلوماسي والإنساني، مؤكدةً أن القضية الفلسطينية بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وحدة وطنية حقيقية وتكاتف اجتماعي شامل.

وقالت خوري: 'نحن نعيش كارثة، وإذا لم نتوحد على كل المستويات، فلن نتمكن من الخروج من المأزق الذي نحن فيه'، تقول خوري بأسى، وهي تستحضر ألم ما يجري في غزة، وتوجه نداءً لكل العائلات الفلسطينية لتبني من هم بحاجة، دعمًا نفسيًا وماليًا وإنسانيًا.

النشأة والوعي المبكر

ولدت خوري عام 1953، بعد نكبة 1948 التي هجّرت عائلتها من القدس. في حديثها، أوضحت أن الطفولة في ظل هذا الواقع المؤلم كانت مليئة بالأمان النسبي، رغم المأساة، 'كان الأهل يحمون الأطفال من مشاعر الخوف، وهذا منحني شجاعة نادرة لاحقًا في حياتي'، كما تقول.

وترى أن القيم العائلية والتكافل المجتمعي الذي ميز جيلها، بدأ يتلاشى تدريجياً اليوم تحت وطأة الاحتلال والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، داعيةً إلى إعادة بناء هذه القيم لمواجهة التحديات.

من الاقتصاد إلى الوزراة

دخلت خوري عالم التنمية من بوابة الاقتصاد، حيث درست إدارة الأعمال، ومن ثم انخرطت في العمل المجتمعي والدولي، وتدرّجت في مواقع مختلفة قبل أن يتم تعيينها وزيرة لشؤون القدس في العام 2005. تقول عن تلك المرحلة: 'لم تكن هناك ذاكرة مؤسساتية، كل مسؤول يبدأ من الصفر، وهذا أحد أهم الإخفاقات في نظامنا السياسي.'

خلال فترة عملها الوزاري، عملت على ملفات اقتصادية وتنموية، وشكلت لجانًا مجتمعية وتخطيطية لربط أحياء القدس وفهم الواقع المتغير بفعل السياسات الإسرائيلية، ولكنها تأسفت لغياب الاستمرارية في تطبيق هذه السياسات بعد مغادرتها المنصب.

في فرنسا... الصوت الفلسطيني في المحافل الدولية

تنتقل خوري للحديث عبر 'رايـــة'عن تجربتها الدبلوماسية سفيرة لفلسطين في فرنسا، حيث تصفها بـ'الثرية والمليئة بالتحديات'، خصوصًا أنها خلفت السيدة ليلى شهيد، 'كانت سيدة ملهمة، تركت إرثًا كبيرًا حاولت أن أواصل البناء عليه رغم غياب التسليم الرسمي بيننا'، تضيف خوري.

وتستذكر الدعم الكبير للقضية الفلسطينية في فرنسا آنذاك، خاصة من الرئيس شيراك، لكن هذا الاهتمام بدأ يضعف لاحقًا مع تغير السياسات والانجرار نحو الخصخصة والضغط اللوبياتي في الغرب، ما انعكس على تغطية الإعلام وتضامن الشعوب.

مبادرة كايروس: المسيحيون في قلب النضال

تحدثت خوري كذلك عن دورها في مبادرة 'كايروس فلسطين'، وهي وثيقة سياسية إنسانية أطلقتها شخصيات مسيحية فلسطينية كنداء للضمير العالمي ضد الاحتلال، مستلهمةً نموذج جنوب إفريقيا في مقاومة الأبارتهايد. وقالت: 'هدفنا كان مقاومة المحبة… المقاومة باللا عنف، التي تجمع ولا تفرق'.

وترى خوري أن على المسيحيين الفلسطينيين اليوم دورًا جوهريًا في الدفاع عن العدالة والحقوق، من خلال خطاب يتحدى استغلال الدين ويعيد التركيز على القيم الإنسانية والروحية المشتركة.

دعوة إلى الوحدة والتكافل

في ختام اللقاء، وجهت هند خوري رسائل واضحة للمجتمع الفلسطيني: 'نحتاج إلى وحدة، لكن ليست فقط بين الفصائل… نحتاج وحدة على مستوى العائلات، الأفراد، المؤسسات. كل عائلة يجب أن تتبنى عائلة من غزة أو جنين. التكاتف المجتمعي اليوم ضرورة وطنية وإنسانية'.

وشددت على أهمية العودة إلى مؤسسات منظمة التحرير، وتقوية المجتمع المدني، والاستناد إلى دراسات وخبرات سابقة بدل إعادة اختراع العجلة كل مرة.

'نحن لا نعيش أزمة فقط… نحن أمام لحظة مصيرية إما أن نستفيق وننهض أو نفقد ما تبقى لنا'، ختمت خوري حديثها برسالة تجمع بين التحذير والأمل.