اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
كتب جورج شاهين في 'الجمهورية'
مخطئ مَن يعتقد أنّ المناقشات الجارية في أي مكان، يمكن أن تتجاهل السلاح غير الشرعي، وإن كان بعضها مخصّصاً للإصلاحات الإدارية والمصرفية، فهو ينتهي بالتحذير ممّا يُهدّد أيّاً منها إن تجدّدت الحرب. ذلك أنّه وعندما يستقر الأمر للسلاح الشرعي يعني أنّ مسؤولية أي قرار تلقى على عاتق جميع اللبنانيِّين. ولذلك، ينصبّ الحديث على مخاطر ما تبقّى من سلاح يُهدّد الداخل، بعدما تخلّصت إسرائيل أو تجنّبت ما يُهدّدها منه. وعليه ما هي الظروف التي أدّت إلى هذه المعادلة؟
تعترف مراجع سياسية وديبلوماسية من هويات مختلفة بأنّ المناقشات الجارية في بعض العواصم الكبرى وتتناول شؤون المنطقة منذ تسلّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهمّاته، قد تجاوزت الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولا سيما منها تلك التي شكّلت الأحداث فيها الشرارة الأولى للمتغيّرات الكبرى فيها على الطريق المؤدّي إلى رسم صورة جديدة للشرق الأوسط وبعض المناطق الساخنة في العالم. وإن كانت هذه المتغيّرات لن تمسّ الحدود المعترف بها لدوَلها، فإنّ شؤونها الداخلية ما زالت معلّقة في انتظار ما ستنتهي إليه المفاوضات التي ستقود إلى إعادة توزيع مواقع النفوذ للقوى الإقليمية تحت مظلة التحالفات الدولية الكبرى.
على هذه الصورة غير المكتملة بمعالمها المستقبلية، رست المناقشات التي شهدتها جلسة جمعت ديبلوماسيِّين وسياسيِّين من مشارب مختلفة، التقوا في خلالها على مجموعة من المعطيات والمؤشرات المقلقة، وانتهوا إلى ضرورة التنبّه لما يُحاك للبنان وسوريا وغزة والمنطقة من مخططات لم ترسُ بعد على برّ هادئ. وإلى أن تنجلي الصورة أظهرت بعض الوقائع أنّ تجميد الوضع في لبنان على ما هو عليه مدعاة قلق، وما لم تُحسَم الأمور بالسرعة القصوى ستدخل البلاد مرحلة من الاستنزاف البطيء. فالإصلاحات التي يجري إعدادها لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية بالدولة ومؤسساتها لن تكون كافية ما لم تواكبها الخطوات الأمنية والعسكرية ليستتب الأمن وتُحصَر المهمات العسكرية بالقوى الشرعية، وستبقى البلاد في مرمى الخروقات الإسرائيلية بحجة الفشل في إنجاز الترتيبات المتوافق عليها ليستعيد لبنان أمنه واستقراره.
وعند بلوغ هذه المرحلة، وتحديداً عند البحث في مصير السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه «حزب الله» والمنظمات الأخرى اللبنانية منها والفلسطينية التي أُدرجت على لائحة جديدة بعد الحرب، يتوقف المراقبون عند «معادلة البيضة قبل الدجاجة أو العكس». وهو ما عكسته المواقف الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في إطار حملة جنّد لها الحزب قياداته الدينية والسياسية والأمنية والإعلامية، بمَن فيهم بعض المنظّرين من بيئته، لرفع سقف الشروط المؤدّية إلى التخلّي عن سلاحه وتسليمه للدولة. وأياً كانت هذه الشروط فإنّ أصعبها وأكثرها دلالة على عقم المعالجات، أنّها رُبِطت بالإنسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة وإعادة الأسرى وإطلاق مسيرة الإعمار قبل البحث في مصير السلاح، من دون النظر إلى المهلة التي تستغرقها هذه التفاهمات والخطوات ولو لسنوات عدة.
وعلى وقع هذا الجدل، ينبري ديبلوماسي عتيق إلى التعبير عن الخوف الحقيقي من إهمال الملف اللبناني في هذه المرحلة، لتبقى الأمور على ما هي عليه معلّقة بين الأمن وعدمه، وليبقى احتمال عودة الحرب واستمرار الأعمال العسكرية التي تظللها الضمانات الأميركية على الأراضي اللبنانية محتملاً من دون أي رادع. وهو أمر ينعكس سلباً على الحياة اليومية للبنانيِّين. فكيف أنّ كانت بعض المعلومات تتحدّث عن قرار إسرائيلي بتعطيل موسم الاصطياف في لبنان، طالما أنّ لها القدرة على استهداف أي مسؤول حزبي في أي منطقة لبنانية من دون احتساب ردات الفعل المحتملة؟ وكيف إن طاولت أحد الرؤوس الكبيرة الموضوعة على لائحة الاغتيالات؟
وإلى هذه الملاحظة البديهية تبرز المخاوف من عدم قدرة رئيس الجمهورية على إطلاق المفاوضات المباشرة مع الحزب من أجل البحث في مصير السلاح، وقد ابتعد من حوله بعض مَن كان يؤيّده، ولا سيما رئيس مجلس النواب الذي تحدّث في الأمس عن معوقات تحول دون البحث في هذا الأمر قبل أن تُتَخذ بعض الخطوات الضرورية، على رغم من معرفته بصعوبة البعض منها وربما استحالته.
وما يعزّز هذه الأجواء المواقف الإسرائيلية اليومية التي تتحدّث عن وجودها العسكري الطويل الأمد على أراضٍ لبنانية محتلة، في ظل تراجع أميركي واضح عزّزه تجميد عمل اللجنة الخماسية العسكرية في الناقورة التي عجزت عن تنفيذ قرارها الأخير بتشكيل فرق العمل الثلاثة التي ستنطلق في اتجاه المرحلة التالية من تفاهم 27 تشرين الثاني الماضي التي تلي تجميد العمليات العدائية في الطريق إلى تثبيت وقف النار.
ولا تقف الأمور عند هذه الملاحظات المرتبطة بالوضع في لبنان والمنطقة، وما يزيد من المخاوف، ضرورة التريّث في انتظار المفاوضات الإيرانية – الأميركية حول الملف النووي ومصير الأذرع الإيرانية في المنطقة، في مرحلة يعتقد البعض أنّه يمكن أن تُبقي نفوذاً إيرانياً محدوداً في لبنان واليمن، إن تعهّدت بعدم استهداف إسرائيل، تعويضاً عن خسائرها في دول «محور الممانعة»، وخصوصاً في سوريا وربما في العراق، إن استكملت الإجراءات للفصل بين السلاح العراقي الشرعي وغير الشرعي تجنّباً لمخاطر أي تهديد إسرائيلي أو أميركي، عقب الغارات المركّزة على اليمن بعد استبعاد القوى الحليفة لها عنها، والنزاع الكبير حول الخطط المستقبلية في شأن أي ضربة لإيران تريدها إسرائيل اليوم قبل الغد وترفضها الولايات المتحدة، من دون إقفال الجدل من حولها انتظاراً للتفاهم النووي وما يمكن أن يؤدّي إليه من إجراءات تقطع الطريق على امتلاك طهران القوة النووية التي يمكن استخدامها عسكرياً، وتحديداً في صواريخها البالستية، ما لم يكن التفاهم نهائياً قد حسم هذا الأمر.
وبعيداً من كل هذه التفاصيل، فقد حذّر الديبلوماسي في مداخلته من عنصر مهمّ لا يزال البعض يتجاهل الحديث عنه على رغم من معرفته به. فقد عطلت إسرائيل في حربها الأخيرة أو أنهت وجود أي سلاح يُهدّد أمنها مباشرة ليس في لبنان فحسب إنما في غزة وسوريا، وربما في العراق أيضاً، بعد الضمانات العراقية الرسمية لواشنطن وتل أبيب. وقد لا ترى تل أبيب حاجة للاستمرار في ضغوطها للتخلّص من بقية الأسلحة لتبقى عبئاً على اللبنانيِّين، وكل ذلك من أجل الحؤول دون إعطاء الشهادة النهائية للدولة اللبنانية بقدرتها على السيطرة على أراضيها وتثبيت حقها الوحيد في امتلاك السلاح من أي نوع كان على أراضيها. وهو ما يتلاقى مع اعتراف أحد قيادات «حزب الله» الذي استغرب مخاوف بعض اللبنانيِّين من الأسلحة الثقيلة المخصّصة لمواجهة العدو الإسرائيلي في المستقبل، ولا يخشى السلاح الآخر الذي يمكن استخدامه في أي وقت في الداخل.