في زمن باتت فيه قضية دعم المرأة وتمكينها واحدة من أهم القضايا التي يكافح العالم من أجلها، لا يمكننا إلا أن نتوقّف باهتمام وتقدير أمام خطوة مجلس الوزراء بتعيين 18 سفيرة لتمثيل لبنان في الخارج.

ففي وقت لا تزال فيه نساء كثيرات حول العالم يخضن معارك طويلة من أجل حقوقهن ومواقعهن، تأتي هذه الخطوة اللبنانية لتؤكد أن المرأة ليست فقط شريكًا في الوطن، بل وجهًا مشرّفًا له في الخارج، وقادرة على تمثيله بأعلى مستويات الكفاءة والاحتراف.

إن العمل الدبلوماسي هو جسر التواصل بين الدول، والسفراء هم الممثلون الرسميون الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية تعزيز العلاقات السياسية، الاقتصادية، الثقافية، وحل الأزمات التي تتعلق بالمغتربين اللبنانيين في الخارج. لذلك يعتبر وجود 18 سفيرة في مواقع حساسة هو رسالة واضحة عن إيمان الدولة بقدرات المرأة اللبنانية، ومنحها مساحة أكبر للمشاركة الفعالة في صنع القرار وتمثيل بلدها بأفضل صورة.

ومن بين هؤلاء السفيرات، تبرز أسماء لامعة لا بد من تسليط الضوء عليها ودعمها في مهامها الجديدة، أمثال السفيرة هند درويش، التي تم تعيينها سفيرةً للبنان في فرنسا، وهي خطوة بالغة الأهمية بالنظر إلى عمق العلاقة التاريخية والدبلوماسية بين بيروت وباريس.

هند درويش، مديرة مكتب رئيس الوزراء الحالي نواف سلام، التي سبق أن قلّدتها الدولة الفرنسية وسام الفنون والآداب من رتبة فارس، هي شخصية تحظى بتقدير كبير في الأوساط الثقافية والدبلوماسية، ما يجعلها مؤهلة بامتياز لتمثيل لبنان في هذا الموقع الحسّاس. فهي لا تمثّل فقط الدولة اللبنانية، بل تمثّل أيضًا وجهًا ثقافيًا متحضّرًا من لبنان، قادرًا على بناء جسور جديدة مع فرنسا، وعلى إيصال صوت لبنان بفاعلية ورقيّ في واحدة من أهم العواصم الأوروبية والدولية.

فرح بري، التي خدمت كسفيرة لبنان في قطر، وهي دولة فاعلة في المنطقة تساهم بشكل كبير في المساعدات والدور السياسي تجاه لبنان، والآن تم تعيينها في لندن، التي تعتبر مركزًا دوليًا هامًا مرتبطًا بشكل وثيق بالملف اللبناني، سياسيًا واقتصاديًا.

ندى معوّض عيّنت سفير للبنان في الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي تتمتع بخبرة كبيرة كناشطة ومديرة مؤسسة رينه معوّض، وتمتلك علاقات واسعة في الأوساط الأميركية، ما يتيح لها تعزيز التعاون بين لبنان وأميركا على المستويات السياسية والدبلوماسية.

والمعروف أن الولايات المتحدة اليوم تلعب دورًا مركزيًا في ملفات لبنان الأساسية كدعم الجيش، الإصلاحات، ملف النزوح، الترسيم البحري والمساعدات الدولية. لذلك إن وجود شخصية مثل ندى معوّض تملك علاقات شخصية ومهنية قوية في واشنطن، هو فرصة حقيقية لإعادة فتح قنوات حوار فعالة ومباشرة على أعلى المستويات.

إلى إيطاليا حيث تم تعيين السفيرة كارلا جزار التي تتمتع بخبرة دبلوماسية عالية في عدة عواصم، وتلعب دورًا محوريًا في تفعيل التعاون الاقتصادي والثقافي والسياسي بين لبنان وروما.

والجدير بالذكر أن روما ليست فقط العاصمة الإيطالية بل هي مركز سياسي وثقافي في قلب الاتحاد الأوروبي، ولها تأثير على السياسات المشتركة، وعلى توجيه التمويل الأوروبي تجاه لبنان.

ايضاً، من بين أبرز التعيينات التي أقرّت، يبرز اسم السفيرة عبير علي، التي تمّ تعيينها سفيرةً للبنان في ألمانيا، الدولة الأوروبية المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، والتي تلعب دورًا محوريًا في السياسات الدولية تجاه لبنان والمنطقة.

تأتي هذه الخطوة تتويجًا لمسيرة دبلوماسية مشرفة للسفيرة علي، حيث قُلّدَت وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي من رتبة فارس، في حفل رسمي أقيم في قصر الصنوبر في بيروت، بحضور رسمي ودبلوماسي وثقافي كبير، تزامنًا مع يوم المرأة العالمي.

إلى جنيف واحدة من أهم العواصم الدبلوماسية في العالم، حيث تحتضن مقار العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، منظمة العمل الدولية، ومنظمة التجارة العالمية، إلى جانب مؤسسات حقوق الإنسان والتنمية، عيّنت السفيرة كارولين زيادة كسفيرة لبنان في جنيف، وهو تعبير واضح عن حرص لبنان على تعزيز حضوره الدبلوماسي في هذا المركز الدولي الحيوي، خصوصًا وأنها تتمتع بخبرة واسعة تزيد عن 30 عامًا في الدبلوماسية، وبتجربة مميزة في العمل مع الأمم المتحدة وقيادة وفود لبنان في ملفات هامة مثل حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

في الختام، السفيرة هي ليست فقط وجهًا دبلوماسيًا، بل هي قائدة، حلقة وصل، ووسيط محترف قادر على تحقيق مصالح وطنه والدفاع عن حقوق مواطنيه، وخاصة المغتربين. ومن خلال قصص هؤلاء السفيرات، نرى كيف يمكن للمرأة اللبنانية أن تكون نموذجًا للتفاني والكفاءة في أصعب الظروف.

لذلك، إن تعيين 18 سفيرة لبنانية هو خطوة شجاعة ومبشرة تضع لبنان على خارطة الدبلوماسية النسائية العالمية، وهي رسالة قوية بأن المرأة اللبنانية قادرة على القيادة، التمثيل، والإدارة بكفاءة عالية، وأن لبنان ماضٍ في دعمها وتمكينها لتعزيز دوره على الساحة الدولية.