منذ ساعات الصباح الأولى، يحمل 'أبو خالد' حافظة المياه الكبيرة ويتجول بين الشوارع في دير الزور، بحثاً عن بائع ثلج ينقذه من حر تجاوز الـ35 درجة مئوية قبل الظهر، لا كهرباء تبرد المياه، ولا برادات تقوى على مواجهة التقنين، وكل ما يريده الرجل الستيني هو قالب من الثلج، ولو كلفه 12 ألف ليرة سورية، وحتى لو كان مملوءاً بالشوائب، أو لا يُعرف مصدر مياهه.

في مدينة أنهكها الانقطاع اليومي الطويل للكهرباء كما سائر المدن السورية الأخرى، لم يعد الناس يسألون عن نظافة الثلج أو جودته، بل فقط عن توفره، ومع غياب أي بدائل حقيقية للتبريد، تحولت قوالب الثلج إلى سلعة لا غنى عنها، رغم تكلفتها العالية ومخاطرها الصحية المحتملة.

يقول 'أبو خالد' لـ'سناك سوري'، إنه غالباً ما يجد شوائب من رمال وغيرها في قاع الوعاء الذي وضع الثلج فيه لتبريد المياه، ومع ذلك فإنه لا يجد بدّاً من تناوله فالحر شديد ولا يمكن أن يطاق من دون وجود الثلج.

'فاطمة' من أهالي حي 'الجبيلية' معلمة مدرسة متقاعدة، وجدت حيلة منطقية لتخفيف حجم الشوائب ما أمكن، حيث تحضر قالب الثلج من البائع المتجول، ثم تقوم بوضعه داخل عدة أكياس نظيفة وغالباً تستخدم أكياس الخبز، ثم تضعه في وعاء فيه مياه، بحيث يبردها دون أن تختلط مياهه المذابة مع مياه الشرب.

ورغم تلك الحيلة التي أراحت 'فاطمة' من عبء الخوف على صحتها وصحة أفراد عائلتها، فإن دفع 12 ألف ليرة يومياً ثمن قالب من الثلج ليس مبلغاً بالقليل، وهو يكلفها وسائر أهالي المدينة عبئاً كبيراً، على أمل أن تأتي الكهرباء لساعات أطول في المدى المنظور وتريحهم من هذا العبء.

ورغم أن مبلغ 12 ألف ليرة يبدو قليلاً جداً، إلا أن هناك حاجة يومية لشراء قالب ثلج بهذا السعر، ما يعني أن العائلة تتكلف شهرياً نحو 360 ألف ليرة شهرياً، وهو مبلغ يعادل راتب موظف بالدولة قبل الزيادة وثلثه بعد الزيادة.

وبالمقابل، لا تعكس جودة الثلج المعروض هذا الثمن المدفوع، إذ رصد 'سناك سوري' صوراً عبر الفيسبوك لقوالب الثلج، أو ما يعرف محلياً بـ'قوالب البوز'، تُخزن في أماكن تفتقر لشروط النظافة، وسط غياب أي رقابة على مصدر المياه المستخدمة في صناعتها.

وسبق أن أظهرت حملة تفتيش مفاجئة على أحد خزانات مياه أحد معامل الثلج في المدينة، وجود تلوث جرثومي كما قالت مديرة المخبر المركزي في مؤسسة مياه الشرب بدير الزور، إسراء الحسين، وأضافت في تصريحات نقلتها 'عنب بلدي' شهر أيار الفائت، أن «الحملة تأتي في ظل تحديات تواجه نظافة خزانات مياه الشرب في المنشآت العامة والمرافق الخاصة، بما في ذلك المطاعم ومعامل الثلج».

وبين الحاجة اليومية للتبريد وانعدام البدائل، يجد كثير من سكان دير الزور أنفسهم أمام معادلة صعبة تجمع بين الكلفة العالية والمخاطر الصحية المحتملة، وفي ظل استمرار التقنين الكهربائي وغياب رقابة فعلية على معامل إنتاج الثلج، تبقى سلامة المواطنين رهن مبادرات فردية، وانتظار طويل لتحسين واقع الخدمات الأساسية في المدينة.