اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
إمبراطور روماني أعطى أمراً بتشييدها وبنائها عام 122 ميلادي
من مدينة زغوان التونسية تقف الحنايا الرومانية شامخة أو كما يحلو لكثر تسميتها 'أهرام تونس' لتخبر المارين بها عن تاريخ من نقل المياه من عيون ضخمة مثل عين 'سيدي عياد' و'عين زغوان' وغيرهما إلى قرطاج.
بدأت عملية تشييد الحنايا بحسب روايات تاريخية كثيرة عام 122 ميلادي، واكتملت عام 166 ميلادي، وهي عبارة عن جسور معلقة تعلوها سواقٍ تنبسط فوق أقواس وأعمدة تم تشكيلها بصخور صلبة وتمتد على نحو 132 كيلومتراً، مما جعل منها معجزة هندسية فريدة من نوعها في تونس.
وبحسب تلك الروايات التاريخية فإن الإمبراطور الروماني، هدريان، هو من أعطى أمراً بتشييد وبناء الحنايا عام 122 ميلادي.
وعد الباحث والمؤرخ، بولبابة النصيري، أن 'عام 122 ميلادي بدأت بالفعل أشغال إنجاز هذا المعلم الفريد الذي يمتد من جهتين متعرجاً بين السهول والأودية، الأولى من عين بنت سعيدان في الجقار (منطقة بولاية زغوان التونسية) بمسافة 33 كيلومتراً والثانية على مسافة ستة كيلومترات من رأس العين في معبد المياه بزغوان، ليلتقيا في المكان الذي سماه العرب في ما بعد المقرن لاقتران قناتي الماء فيه، إضافة إلى قناة أخرى تجلب الماء من عين بوسعدية في جبل برقو'.
وتابع النصيري أن 'بالإجمال يبلغ طول قنوات الماء مسافة 132 كيلومتراً معظمها تحت الأرض حتى تصل إلى الخزانات الرومانية في جهة المعلقة بضاحية قرطاج، التي تبلغ طاقتها 25 ألف متر مكعب'، ولفت إلى أن 'الحنايا بقيت صامدة كصرح تاريخي في غاية الرهبة والروعة على رغم مما مر عليها من حروب وتدمير'.
واستطرد النصيري بالقول إنه 'على رغم الإنجاز الكبير للرومان من خلال بناء الحنايا، وهي سور عال يحمل المياه لما يزيد على 130 كيلومتراً، فإن صراعاتهم قد دمرت ذلك المشروع الضخم، ويعود الفضل في إعادة بنائه وتطويره والإضافة عليه للخليفة المستنصر بالله الحفصي، الذي أعاد بناء الحنايا من جديد بعد الدمار الذي لحقها، بأفضل مما كانت عليه، وذلك في القرن الـ13 ميلادي مستفيداً من تقنيات عصره التي سمحت له بسقي متنزهات رأس الطابية وجنان أريانة أحواز مدينة تونس، وتوفير الماء لجامع الزيتونة المعمور تونس العاصمة'.
وحول أهميتها، قال الباحث والمؤرخ التونسي إنها 'تعتبر شبكة قنوات مياه زغوان أكبر مركب هيدروليكي روماني بزغوان قرطاج من نوعه على الإطلاق، والشبكة تغيرت عن مشهدها الأصلي وكان لها طول استثنائي منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، فإن كثيراً من خطوط أنابيبها لا يزال يعمل وفي بلدان المغرب العربي، وليس هناك شبكة هيدروليكية مماثلة بهذا الحجم والتعقيد الفني والمعماري'.
وتعد زغوان (55 كيلومتراً جنوب العاصمة التونسية)، مدينة استثنائية في البلاد، إذ تحتضن كثيراً من ينابيع المياه المعدنية والطبيعية وعيون مياه ساخنة، مستفيدة في ذلك من جبل زغوان الذي تنضب منه كثير من العيون.
وأتاحت المياه الجوفية والساخنة العذبة للمدينة إنشاء محطات استشفائية شكلت محركاً جديداً للسياحة في تونس التي تئن تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة منذ أعوام.
وعلى رغم أنها تجذب زواراً أجانب وسياحاً فإن الحنايا والمدينة تواجهان إهمالاً متزايداً مما يثير مخاوف جدية من مستقبلها الذي يلفه الغموض، إذ لم تضع السلطات أي خطط لترميمها أو إعادة هيكلة هذا المشروع الضخم.
عام 2018 تعرض جزء من الحنايا الذي يمر بمنطقة المحمدية التابعة لولاية بن عروس، وهي إحدى ولايات إقليم تونس الكبرى، الذي يتألف من العاصمة أريانة وبن عروس ومنوبة، إلى الهدم بجرافة آلية من قبل السكان إثر فيضانات عرفتها المدينة آنذاك.
ويقول الباحث السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي إن 'الحنايا تواجه بالفعل إهمالاً متزايداً وأحياناً استهدافاً من قبل أطراف تتجاهل تاريخها العريق والرونق الذي أعطته لمدن مثل زغوان والعاصمة'.
وأردف العبيدي أن 'حادثة 2018 على سبيل المثال وهدم أجزاء منها، شكلتا آنذاك صدمة خصوصاً أن أطرافاً سياسية مثل ’حركة النهضة‘ التي كانت جزءاً من الحكم وقتها، شجعت عملية الهدم عبر بيانات رسمية بذريعة حماية السكان الذين بنوا منازل قرب الحنايا أو حتى تحتها'، وشدد على أن 'هذه المعالم الأثرية يجب أن تحظى بحماية وحصانة من الدول وأن ترمم خصوصاً أنها جاذبة للسياح والزوار الأجانب'.
ويشرف على إدارة الحنايا في تونس المعهد الوطني للتراث الحكومي، ولم يتم صيانة أو ترميم هذه المعالم منذ نيل البلاد استقلالها في الـ20 من مارس (آذار) 1956 عن فرنسا، ومنذ ذلك الحين تتعالى الأصوات المنادية بتوفير حماية لازمة للحنايا.
وقبل نحو عامين شهدت مدينة باردو تظاهرات منددة بتحويل أجزاء من الحنايا إلى ما يشبه 'مكب للنفايات'، ودعت السلطات إلى التحرك من أجل منع ذلك وترميم الحنايا.
ومن جانبه يقول النصيري 'أرى تقصيراً كبيراً جداً لناحية الاهتمام بها، وإهمالاً أيضاً، لأن هذه الحنايا أعتبرها أهرام تونس لكنها تعاني الإهمال'، وبين أنه 'علمياً يجب ترميمها كل خمسة أعوام ويجب الترويج لها خارج تونس'، ويفسر قائلاً 'يجب استعمال الأحجار ذاتها المستخدمة في عملية بنائها من موقع الهوارية، ويجب وضع خطة علمية للترميم، ونستطيع إعادة جمالها ورونقها وبعدها الأثري والتاريخي إذا كان هناك ترميم علمي'.
واستنتج النصيري بالقول 'أعتقد أنها قادرة على إعطاء بعد جمالي لتونس والسياحة خصوصاً من خلال إعادة تشغيلها، لكن هذا يتطلب ترميماً علمياً أولاً'.