سوريا تدخل العالم الرقمي بكابل اتصالات بحري جديد

دمشق تسعى إلى تحديث بنيتها التحتية التكنولوجية وزيادة سرعة استجابة الإنترنت بما يعزز جودة الخدمات الإلكترونية

تسابق دمشق الزمن لسد فجوة عقد من الحرب والحصار تأخرت خلالها وسائل الاتصال عن أحدث التقنيات العالمية، ولعل التوقيع أخيراً على اتفاقية جديدة بإنزال كابل بحري دولي في محطة طرطوس وشركة إسبانية تتيح فتح صفحة جديدة لإعادة بناء بنية تحتية رقمية ما يسهم هذا المشروع بإعادة ربط الشبكات الدولية عبر الكابلات البحرية.

وتسود أجواء التفاؤل أركان شركات الاتصال، والشارع السوري عامة بأعقاب توقيع اتفاقية إنزال أول كابل بحري دولي في محطة طرطوس، وينظر إليه خبراء على أنه تحديث للبنية التحتية، ومن جهة أخرى عودة سوريا ومكانتها على خريطة الاتصالات العالمية، فالموقع الجغرافي للبلد المنهك بفعل الصراع المسلح (2013 - 2024) منح قيمة فائقة للعبور بين آسيا وأوروبا.

ومن المتوقع أن يسهم اتفاق المشروع الذي وقع محضره وزير الاتصالات السوري، عبدالسلام هيكل وعن شركة 'ميدوسا' الإسبانية، نورمان ألبي في تحسين سرعات الإنترنت، وخفض زمن الاستجابة مع توفير بنية تحتية رقمية أقوى لمؤسسات القطاعين العام والخاص إلى جانب دعم قطاع الخدمات الرقمية والاستثمار في مجالات الاتصالات والتجارة الإلكترونية.

يبلغ طول مسار الكابل البحري قرابة 8700 كيلومتر، ويصل إلى البرتغال، ومرافئ متوسطية عديدة وفي النهاية ميناء طرطوس، غرب سوريا كما يشكل محطة مفصلية في تاريخ قطاع الاتصالات بعد ما عانته من سوء الخدمات، ولكن الكابل البحري يربط وللمرة الأولى مع أنظمة الكابلات العالمية، ويتيح الحصول على كبل عالي الجودة.

المنصات الرسمية لشركة 'ميدوسا' ذكرت أن نظام الكابلات البحرية يهدف إلى ربط 12 دولة في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، ويمر بالمتوسط والمحيط الأطلسي والبحر الأحمر، وجاء في تصريح صحافي للرئيس التنفيذي للشركة الإسبانية، نورمان ألبي 'ستصبح سوريا متصلة بكابل إنترنت دولي عالي السرعة'، ولم يخف في الوقت ذاته أن هذا الإنجاز يمثل خطوة مهمة من شأنه تحقيق فوائد كبيرة على الشركات والأفراد من خلال تعزيز الوصول الرقمي، وتحسين دعم النمو الاقتصادي أيضاً.

وأنهكت الحرب البنية التحتية للاتصالات، وأرخى الحصار الأوروبي والأميركي خلال عقد من الزمن التزود بالتقنيات الحديثة، وجاء قانون قيصر في عام 2019 ليضاعف العقوبات ليس فقط على النظام السوري ومؤسساته العامة بل على أي تعاملات من قبل الشركات والأفراد والدول وتعرضها للعقوبة أيضاً.

ولا يزال السوريون يعانون خدمات الإنترنت السيئة وغلاء كلفها، مقارنة بمستوى الجودة التي توفرها، وتكرار الانقطاعات المستمرة، ويجزم المتخصص في شؤون هندسة الاتصالات، أسامة عواد في حديثه إلى  'اندبندنت عربية' عن وجود فرق واسع سيلاحظه المشتركون في خدمات الإنترنت بعد مد هذا الكابل، فالجودة سترتفع بصورة جيدة، ولعل لغة الأعطال التي كانت تؤرق الشارع السوري وتعطل كثير من مشاريعهم اليومية لن تحدث.

وأضاف عواد، 'لن تستطيع أية حكومة في العالم وليس في سوريا وحدها أن تتجه إلى الحكومة الإلكترونية إلا بخدمات وبنية تحتية، وعبر سنوات طويلة حاولت الحكومة إيجاد برامج دفع من بعد أو البطاقة الذكية للمواد التموينية وغيرها إلا أنها كانت في كثير من الأوقات تفشل للانقطاعات المستمرة'.

ويشرح خبير هندسة الاتصالات عواد وجود كابلات رئيسة في سوريا ترتبط بالكابلات العالمية، وهي كابلات ضوئية بحرية تغذي سوريا، من أكبر هذه الكابلات هي (كبل التيار) يبلغ طوله 787 كيلومتراً يربط سوريا بمصر عبر ميناءي (طرطوس - الإسكندرية) ويحل بالمرتبة أوغاريت طوله يناهز 230 كيلومتراً يربط سوريا بقبرص.

ويرى الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية السوري يحيى السيد عمر، أن المشروع يفتح الباب أمام التحول الاستراتيجي في موقع سوريا الجغرافي الرقمي، والممر البحر الجديد لا ينقل بيانات فقط بل يعيد وصل البلاد بمسارات النفوذ العالمية، لكنه الوقت ذاته ينظر إلى أن الكابل وحده لا يصنع تحولاً 'ما لم يترجم إلى سياسات تكنولوجية متكاملة، تضع الرقمنة في صلب التنمية لا في هامشها'.

ويتكامل مشروع 'ميدوسا' مع مشروع 'سيلك لينك' الذي دخل مراحله النهائية، ومن المحتمل إنجازه قبل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويعمل على توريد إنترنت بأفضل سعة وسرعة اتصال إلى سوريا سواء إلى الشركات الثابتة أو الخليوية، ويراهن وزير الاتصالات السوري، عبدالسلام هيكل على مشروع 'سيلك لينك' وتشمل أيضاً تنفيذ شبكة داخلية في المدن الكبرى بما يسمى 'المترو' وتهدف إلى إيصال الكابل الضوئي إلى كل منزل.

وعلى رغم تحديد الوزارة مواعيد مد الكابل فإنها لم تعط موعداً لتشغيله، ومد المشروع على كامل الجغرافية السورية، ولم تجب عن استفسارنا حول ذلك، وقد يكون مبرر عدم إفصاحها على الموعد النهائي لوصول الخدمة الجديدة للمشتركين عدم وجود رؤية واضحة للمدة الزمنية، في حين ذكرت الوزارة عبر موقعها الإلكتروني خطة تنفيذية مرحلية 'يهدف لإحداث تحسن ملحوظ لدى المواطنين خلال أسابيع مع تفعيل الدفعات الأولية من السعات، والتوسع تدريجاً في توزيعها'.

وكانت دمشق عادت إلى ساحة الاتصالات العالمية في يوليو (تموز) الماضي بعد انقطاع استمر أكثر من 10 أعوام، إذ أعلنت الاتصالات استئناف مشاركتها في رابطة (جي أس أم أي) الدولية المتخصصة في شؤون الاتصالات الخليوية، وهذه الخطوة من شأنها أن تتيح للشركات الوطنية الاستفادة من خدمات الرابطة، ومؤتمرات تطوير البنى التحتية وبرنامج بناء القدرات.