اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٥ نيسان ٢٠٢٥
'عنصريات: من الحملات الصليبية إلى القرن العشرين'، كتاب صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة ترجمان. وهو ترجمة ثائر ديب لكتاب فرنسيسكو بيتنكور Racisms: From the Crusades to the Twentieth Century.
يُعنَى الكتاب المؤلّف من 5 أقسام و19 فصلًا، في 760 صفحة، بدراسة العنصرية باعتبارها ظاهرة تاريخية معقدة ومتعددة الأبعاد ومستمرة. ويعرض تنوع أشكال العنصرية المدفوعة بمشاريع سياسية تختلف باختلاف السياقات التاريخية والمحلية. ويشير المؤلف إلى أن العنصرية ليست فكرة ثابتة، بل هي ظاهرة تتغيّر وتتبدّل مع مرور الزمن وتعتمد على العلاقات السياسية والاجتماعية التي تكون مهيمنة في كل فترة.
وقد أدرَج المؤلّف في متن كتابه صورًا وخرائط، بدلًا من وضعها في ملاحق آخر الكتاب، وهي تساهم في توضيح المفاهيم والمعلومات على نحو أكثر فاعليةً من النصوص وحدها، وتساعد القارئ في تصوّر البيانات والمعلومات بطريقة مرئية؛ ما يعزّز التسلسل المنطقي للأفكار، ومن ثمّ استيعابها. فعند وضع هذه العناصر في مواضعها داخل النص، تُدمج إدماجًا طبيعيًّا في المحتوى المعروض، وهذا ما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من النقاش أو التحليل، ويسهّل متابعتها من دون حاجة إلى الرجوع إلى الملاحق. ثمّ إن وجود هذه العناصر في متن الكتاب يتيح للقارئ الوصول إليها بسرعة؛ ما يوفر كثيرًا من الوقت والجهد، خصوصًا إذا كانت الصورة أو الخريطة ضرورية لفهم الجزء المقروء. وهكذا، يزداد التفاعل مع النص، ويكون الكتاب أكثر فاعلية من حيث تبسيط المعقَّد والوصول إلى الهدف المنشود، من خلال ربط البيانات بالتفسير. فعند عرض هذه البيانات وتحليلها، يُتاح للقارئ رؤية واضحة بشأن دعم الصورة أو الخريطة لمسائل الكتاب. وإجمالًا، تمنح هذه العناصرُ الكتابَ قيمةً إضافية وتجعله أكثر شمولية، إضافة إلى سهولة في الوصول إلى المعلومات.
العنصرية إقصاءً تاريخيًّا
يناقش الكتاب فرضية تشير إلى أن العنصرية ليست نظرية عن الأعراق فحسب، بل إنها تحيّز يرتبط بالأصل الإثني، ويشمل تمييزًا وإقصاءً للفئات العرقية المختلفة. وتُدعم هذه الفكرة من خلال دراسة التاريخ الأوروبي وتفاعلات أوروبا مع بقية العالم، بما في ذلك تأثير القومية في مختلف القارات. ويعرض الكتاب كيف أنّ التصنيفات العرقية قد تتغيّر وتُعدَّل بناءً على السياقَين الثقافي السياسي. ويسلّط الضوء على تحولات التصنيف العرقي بين الثقافات المختلفة، مستعرضًا كيفية تأثير هذا التصنيف في توزيع السلطة والفرص. ويعترض على الفكرة السائدة التي ترى أن العنصرية ظاهرة حديثة، مشيرًا إلى أنّ لها جذورًا قديمة مرتبطة بأنظمة عرقية وثقافية معيّنة. ويستخدم المؤلف مصادر أولية ومرئية لفهم كيفية تشكّل العنصريات وأنماطها المتنوعة عبر التاريخ، ويؤكد أن العنصرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمشاريع سياسية تسعى للهيمنة على الآخرين من النواحي الاجتماعية والسياسية والثقافية. ومن ثمّ، نجد متابعة تحليل تاريخية مفاهيم العنصرية وتطورها عبر الزمن، وربط ذلك بالتحولات في السياقَين الاجتماعي والسياسي. وفي إثر ذلك، يأتي توضيح تاريخ مصطلحات، مثل 'العنصرية' و'العنصري'، التي نشأت في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، لتعكس التراتب العرقي ورفض الآخرين بناءً على نظرية التفوق العرقي. ويعكس هذا التطور في المصطلحات صعود الحركات القومية المتشددة والنزعات العنصرية في أوروبا، خصوصًا مع النازية في ألمانيا.
من العرق الطبقي إلى العرق البيولوجي
يتناول المؤلف تطوُّر مصطلح 'العرق'، ويبيّن كيف كان يُعَرَّف في فترات زمنية مختلفة، بدءًا من العصور الوسطى عندما كان يشير إلى طبقات اجتماعية وعائلية، وصولًا إلى مفهوم العرق البيولوجي الذي نعرفه اليوم. ويشير إلى أن مفهوم 'العرق' كان مشحونًا تاريخيًّا بتصورات عن النقاء والطهارة الجينية؛ ما أدى إلى تشكّل الهويات العرقية على نحو مجحف. إضافة إلى ذلك، نجد تفصيلًا في اعتبار أنّ العنصرية لا تقتصر على وجود 'تحيز' ضد جماعات معينة، بل إنها تتضمن فعلًا تمييزيًّا على أساس هذا التحيز، مع استعراض الكيفية التي كانت تروّج بها الأنظمة السياسية التي قامت على أساس التفرقة العرقية؛ من استعمارٍ وتوسعٍ للأوروبيين، وصولًا إلى الأنظمة الشمولية مثل النازية التي ركزت على الإبادة الجماعية. وعبر هذا التحليل، ربط المؤلف بين التوسع الأوروبي، خلال الحروب الصليبية، وتصنيف البشر بحسب أصولهم العرقية من أجل تبرير التفوّق الأوروبي على الشعوب الأخرى.
ويناقش تطور الأفكار حول الإثنية والمجموعات الإثنية البديلة بوصفها مصطلحات جديدة تعبّر عن التنوع البشري، بعيدًا عن التصنيف العرقي الذي يحمل تحيّزات. ويختتم بالحديث عن الإبادة الجماعية باعتبارها فعلًا سياسيًّا، موضحًا تعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية في محاولة تدمير جماعات إثنية معينة.
من خلال هذا كلّه، يمكن فهم ارتباط العنصرية بتطور السياسات العرقية في القرن العشرين وما بعده، مع التشديد على أن العنصرية ليست فكرة قديمة فحسب، بل هي أيضًا ممارسة متجددة ترتبط مباشرة بالأفعال التمييزية.
العنصرية مدخلًا للعبودية وعدم المساواة والتمييز العنصري
ليس التطرق إلى فكرة العنصرية، باعتبارها سلوكًا سياسيًّا واجتماعيًّا، فكرة عابرة؛ إذ نجد تعمّقًا في خلفيتها اللغوية والتاريخية، بحيث نقرأ أنّ العنصرية كانت في البداية مفهومة في سياقات ضيقة محصورة في أوروبا، ثمّ إنّ هذا المفهوم اتّسع ليشمل جلّ مناطق العالم من خلال الاستعمار والنزاعات العرقية المتصاعدة.
يستعرض الكتاب كيف أن العنصرية كانت مدفوعة تاريخيًّا بمشاريع سياسية، مع التركيز على أمثلة تاريخية متنوعة مثل اضطهاد الغجر، والتمييز ضد المسلمين واليهود المتنصرين في إيبيريا، وتأثير محاكم التفتيش في نشر فكرة نقاء الدم. وفضلًا عن ذلك، يناقش حالات التمييز في صقلية، مملكة بيت المقدس وأميركا الاستعمارية، حيث طُبّقت سياسات الفصل العنصري والتمييز العرقي.
ويتناول أيضًا تأثير العبودية في تشكيل التحيزات ضد الأفارقة، ودور الاختلاط العرقي في المجتمعات الإيبيرية، مقابل الفصل العنصري الصارم في أميركا البريطانية. ويوضّح كيف أنّ التجربة الاستعمارية الأوروبية أثّرت في ترسيخ التحيزات الإثنية عالميًّا؛ ما أدى إلى نشوء تصنيفات عرقية تراتبية عُزّزت لاحقًا عبر النظريات العلمية في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر.
ويتطرّق إلى العلاقة بين القومية والعنصرية، وكيف أنّ ظهور الحركات القومية أدى إلى اضطهاد جماعات مثل الأرمن واليونانيين في الإمبراطورية العثمانية وإبادتهم. ويوضح كذلك كيف أن تطور نظريات العرق والتطور الاجتماعي ساهما في ترسيخ عدم المساواة، وهو الأمر الذي مهّد لمأسسة التمييز العنصري في سياسات دولية متعددة.
تطور العنصرية
يتناول الكتاب مسألة تطور العنصرية وأشكالها المختلفة عبر التاريخ وتأثيراتها في مجتمعات متعدّدة. وقد ركّز على عدة أمور رئيسة ليثبت التطور المستمرّ المتعلق بالعنصرية:
يُظهر الكتاب أنّ العنصرية ظلّت تشكّل أداةً سياسية تُستخدَم لتبرير استبعاد أقليات معينة اجتماعيًّا وسياسيًّا، وأنّها ليست فكرة نظرية فحسب، بل هي ظاهرة تاريخية معقدة تتجسد في ممارسات سياسية واجتماعية. وعلى الرغم من التقدم الذي تحقق في مكافحة العنصرية، فإنها لا تزال مستمرة في بعض المجتمعات. ويُعدّ هذا الكتاب ذا أهمية في تعزيز الوعي حول تاريخ العنصرية وآثارها البعيدة المدى، وهو ما يعكس حاجةً مستمرة إلى كُتب ودراسات في المكتبة العربية تتناول هذا الموضوع؛ فهذه المكتبة تحتاج إلى دراسات متعمقة على غرار هذا الكتاب لتوسيع مدارك القارئ العربي، وتعريفه بتاريخ العنصرية وأساليبها، وأثرها في المجتمعات.