اخبار سوريا
موقع كل يوم -سناك سوري
نشر بتاريخ: ٣٠ نيسان ٢٠٢٥
في ظل التقدم العلمي والانفتاح الحضاري العالمي، يبدو من الطبيعي أن يواصل من أصيب بعمى البصيرة، الحفاظ على التراث الأصيل للاقتتال الطائفي كوسيلة عصرية لحل الخلافات اليومية.
إذاً وبينما يصر فاقدو البصيرة على الاقتتال فإنهم يحملون وطنهم ويقذفون به في قاع الجحيم، ولحسن حظهم وسوء حظ الوطن فإن هذا الطريق لا يحتاج إلى شجاعة ولا موهبة، وكل ما عليهم فعله البدء بخبر كاذب، دون هدر الوقت بالتحقق، لأن التدقيق ترف لا يليق بهم، فقط يلتقطون أول تسجيل مشبوه يصادفهم، يضيفون عليه نكهة خيانة أو دسيسة، ثم يرمون به في وجوه الناس كقنبلة دخان، ودعهم يختنقون ويتصارعون حتى الموت دون أن يعرف أحد لماذا بدأ كل شيء أصلاً.
فاقدو البصيرة لا يتعبون أنفسهم بالبحث عن الحقائق، فالتحقق عادة قديمة لا تليق بعصر 'تشات جي بي تي'، والحقيقة بضاعة كاسدة في سوق الغضب الجماعي، المطلوب فقط إغلاق عقولهم بإحكام، وفتح أفواههم على مصراعيه وقذف الشائعات والتعامل معها على أنها حقائق مقدسة، وعندما يتخضب كل شيء حولنا بالدم، حينها فقط يشعرون بأنهم ساهموا 'بشيء عظيم'.
فاقدو البصيرة لا يتعبون أنفسهم بالبحث عن الحقائق، فالتحقق عادة قديمة لا تليق بعصر 'تشات جي بي تي'، والحقيقة بضاعة كاسدة في سوق الغضب الجماعي
يفكرون في الكراهية كما لو أنها قبعة تقيهم مطر التفكير، يرتدونها ويذهبون إلى أقرب حي يضم شخصاً قد آذاهم قبل وفاته، ثم يبدأ الانتقام من جيرانه وأقاربه وحتى عامل النظافة الذي سبق أن كنّس الشارع تحت منزله، ينتقمون من الجميع لا يسألون من هم، الأهم أن إثبات أنهم أقوى وأكثر جبروتاً.
بعد ذلك زميلي بالمواطنة 'فاقد البصيرة'، عُد إلى منزلك اغمض عينيك ونم قرير العين بنشوة النصر، وفي الصباح ارتدي قناعاً آخر، ليكن قناع النفاق، املأ صفحتك بالفيسبوك بشعارات المحبة والتعايش، ثم في الليل ومرّة أخرى فكر بكيفية تعبئة وقت فراغك، ابدأ بإطلاق النار باسم الشرف والكرامة والهوية المهددة، اجعل تناقضك ساطعاً لدرجة أن تعتاد عليه حتى لا تعود قادراً على التمييز بين الدعاء لله والدعوة إلى الذبح.
يفكرون في الكراهية كما لو أنها قبعة تقيهم مطر التفكير، يرتدونها ويذهبون إلى أقرب حي يضم شخصاً قد آذاهم قبل وفاته، ثم يبدأ الانتقام من جيرانه وأقاربه وحتى عامل النظافة
وسط هذا، احذر من عدوك الأزلي 'خطاب العقل'، وفي طريق نشوتك إن صادفت من يحاول تهدئة النفوس، لا تتهاون، اسكب عليه دلواً من شعار 'وين كنت قبل 14 سنة'، ثم اتهمه بالخيانة أو الضعف وحتى التآمر.
لاحقاً في الحلقة الأخيرة حين ترى كل شيء مهدماً، احذر الارتباك، ثق بنفسك، ارسم ابتسامة بلهاء، وابدأ بتوزيع الاتهامات، للخونة والكواكب والطابور الخامس، المهم ألا تقترب من حمقك ولا تسأل من سحب الزناد أولاً؟
لأننا هنا لا نصنع الأوطان، نحن نصنع المذابح ثم نبكي على أنقاضها، ونورث أبناءنا مهارة نادرة كيف تخسر كل شيء وأنت تظن أنك كنت تدافع عنه؟.