اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ١١ كانون الأول ٢٠٢٤
على حافة الطريق الواصل بين مدخل وبناء سجن صيدنايا، جلست السيدة فاطمة شهاب بصمت تراقب المارّة وتستلق السمع لعلّ خبراً جديداً يأتيها من داخل السجن، في وقتٍ لم تستطع فيه كتمان دموعها.
انطلقت فاطمة رفقة عائلتها من بلدة سعسع بريف دمشق، متجهةً إلى السجن، في اليوم الأول لتحريره، للبحث عن أخيها عيسى شهاب، المعتقل منذ مطلع العام 2013 من قبل الفرع 220، يقبل أن يختفي تماماً منذ ذاك التاريخ.
تقول فاطمة لموقع تلفزيون سوريا: 'أنكر النظام اعتقاله عقب سؤالنا المتكرر، لكن نحن متأكدين من الجهة الذي اعتقلته'.
ولليوم الثالث على التوالي، يقصد آلاف السوريين من ذوي المعتقلين والمختفين في سجون النظام السوري السابق، سجن صيدنايا - سيء الصيت - بعد دخول إدارة العمليات العسكرية ليلة سقوط نظام بشار الأسد، إلى السجن، إلا أن ساعات الانتظار الطويلة خيّبت آمال مئات العائلات السورية التي قصدت السجن من جميع المحافظات السورية، إذ لا أخبار عن آلاف المعتقلين، رغم السيطرة على جميع السجون والأفرع الأمنية التابعة للنظام السابق.
تعددت الطرقات إلى السجن، الذي يتربع على هضبةٍ مرتفعةٍ نسبياً في منطقة صيدنايا شمالي العاصمة دمشق، رغم طريقه الأوحد، إلا أن الازدحام الشديد من الآليات والفرق الإنسانية، والعائلات الباحثة عن ذويها المعتقلين، دفعت الأهالي لشق طرقات ترابية إلى هضبة السجن، وصولاً إليه، محمّلين بآمال كبيرة كما المسافات التي قطعوها من أقصى الشمال والشرق السوري، أبرزها العثور على طوابق سفلى، التي نفت مؤسسة 'الخوذ البيضاء' وجودها بعد إعلانها إيقاف عمليات البحث في السجن.
وقالت 'الخوذ البيضاء' إن 'فرقها المختصة وبحثت في جميع أقسام ومرافق السجن وفي أقبيته وفي باحاته وخارج أبنيته، بوجود أشخاص كانوا بمرافقتها ولديهم دراية كاملة في السجن وتفاصيله ولم تعثر على أي دليل يؤكد وجود أقبية سرية أو سراديب غير مكتشفة'.
وأشار البيان إلى أن خمس فرق مختصة بينها فريقا k9 (فرق الكلاب البوليسية المدرّبة) شاركت في عمليات البحث، إضافة لفريق الدعم والإسعاف، وتتبعت الفرق جميع المداخل والمخارج وفتحات التهوية وأنابيت الصرف الصحي والمياه والأسلاك الكهربائية وكابلات المراقبة دون أن نجد أي أقبية أو سراديب غير مكتشفة'.
يزيد المشهد مأساوية، هو تعلّق العائلات بالمكان باعتباره الأمل الوحيد بإيجاد ذويهم المختفين قسرياً، رغم أن جميع المعلومات وأحاديث الخبراء تؤكد عدم وجود أماكن جديدة في السجن، إلا أنهم - أي العائلات - تداوم على مراقبة عمليات البحث والحفر المتواضعة في السجن.
تصل عائلات إلى سجن صيدنايا للبحث عن قصاصة ورق أو صورة أو وثيقة تحمل اسم أبنائهم المفقودين.
اختفاؤهم غصة
علي أبو جابر، وصل إلى صيدنايا، قادماً من بلدة القصيرة بريف حمص، بحثاً عن ستة من أولاد أعمامه، الذين اختفت أي أخبار حولهم منذ نهاية العام 2011.
اعتقلت الفرقة 14 - قوات خاصة، كلاً من باسل ومحمود وعوض وكمال وأحمد وعمار أبو جبل' في القصير مع بداية الثورة السورية، وها هو ذا ينتظر منذ ثلاثة أيام عمليات البحث للوصول إلى أي خبر حولهم.
يقول 'علي' لموقع تلفزيون سوريا: 'لدي أمل كبير في إيجاد أقاربي، رغم تعذر الوصول إلى أماكن جديدة في السجن، لكن مثلما تحررت سوريا، آمل أن يتحرر جميع المعتقلين'.
أقارب علي، اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية بداية الثورة، وما زال اختفاؤهم بعد إسقاط النظام الأسد يشكل غرصة للعائلة، ويردف: 'هذه صدمة جماعية، وفاجعة كبيرة، هل من المعقول أن الستة مختفين دون القدرة على الوصول إلى واحد منهم على الأقل'.
نسبة تصفية مرتفعة
ينفي في هذا السياق، فضل عبد الغني، وهو مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع تلفزيون سوريا شائعات وجود سجون وأقبية سرية'، معتبراً أن انتشارها جاء نتيجة 'تمسك أهالي المعتقلين والمختفين قسراً، بأي أمل بأنهم على قيد الحياة'.
وفسّر في حديثه أن 'عدم عثور الأهالي الموجودين في سجن صيدنايا، على ذويهم من المعتقلين والمختفين قسرياً، بسبب تصفيتهم من قبل نظام الأسد، وهو ما تأكدنا منه من خلال تحليل البيانات بعد نشر نظام الأسد شهادات وفاة للمختفين قسراً من خلال السجل المدني في العام 2018'.
وقدّر 'عبد الغني' نسبة المختفين قسراً الذين تم تصفيتهم من قبل نظام الأسد من 85% إلى 90%، أي نحو نحو 85 إلى 90 ألفاً قتلوا تحت التعذيب، من أصل 100 ألف.
فوضى البحث والتنقيب
لا يمكن الحديث عن قضية سجن صيدنايا، دون الإشارة إلى فوضى التعاطي مع ملف 'المسلخ البشري' منذ الساعات الأولى لدخوله، فكان ساحةً مفتوحةً للأهالي، ما ساهم في ضياع وتلف وبعثرة جميع الأوراق والثبوتيات الموجودة فيه بعد أن أصبحت في متناول الأهالي الذين وصلوا السجن مباشرةً بعد السيطرة عليه.
في اليوم الثالث لدخول السجن، تحدث وفد الصليب الأحمر الدولي الذي تواجد في السجن، لـ'موقع تلفزيون سوريا' عن فوضى بالتعاطي مع الأوراق والوثائق الموجودة في السجن، وقرر العودة إلى دمشق لتنسيق زيارة أخرى مع 'القيادة' في العاصمة.