اخبار سوريا
موقع كل يوم -بزنس2بزنس سورية
نشر بتاريخ: ١٩ أيلول ٢٠٢٥
قدّم حاكم مصرف سورية المركزي « عبد القادر الحصرية» رؤية شاملة حول دوافع قرار حذف صفرين من العملة الوطنية وإصدار ليرة جديدة.، مراحله القانونية، آليات استبدال العملة، إضافة إلى مواقف حاسمة تتعلق بالثقة بالقطاع المالي، تحديات العقوبات، والتحولات المنتظرة في النظام المصرفي السوري خلال السنوات المقبلة.
الليرة الجديدة: تغيير شكلي أم جوهري؟
أبرز ما شدد عليه الحصرية هو أن حذف صفرين من الليرة السورية لا يعني تغيير قيمتها الفعلية أو قوتها الشرائية. فالقرار، بحسب تعبيره، 'لا يغيّر قيمة العملة بل يغيّر قيمتها الاسمية'.
الهدف الأساسي يتمثل في تبسيط المعاملات المالية، وتسهيل التعاملات اليومية في الاقتصاد الذي تضخمت فيه الأرقام بشكل لافت مع تدهور العملة خلال السنوات الماضية. ورغم إدراكه أن كل قرار اقتصادي 'له وعليه'، أوضح الحصرية أن المركزي اختار توقيتاً وصفه بـ'المناسب' لإطلاق الإصلاح النقدي، وربطه بما اعتبره 'حجم الإنجاز السياسي الذي تحقق'، في إشارة إلى محاولة مواءمة السياسة الاقتصادية مع المسار السياسي الذي تروّج له الحكومة بوصفه مرحلة 'ما بعد الاستقلال'.
استبدال تدريجي محكوم بالقانون
القلق الشعبي من فقدان المدخرات مع دخول العملة الجديدة حيز التداول كان حاضراً في المقابلة. الحصرية أكد أن الاستبدال سيتم وفق قانون السلطة النقدية رقم 23، الذي يحدد مراحل زمنية واضحة:
مرحلة تمهيدية قبل الإطلاق.
فترة 'التعايش' حيث يتم تداول العملتين معاً.
مرحلة الاستبدال النهائي التي قد تمتد حتى خمس سنوات.
وبموجب هذا الإطار، يلتزم المصرف المركزي باستبدال أي ورقة نقدية قديمة بأخرى جديدة طوال المدة المحددة. وطمأن الحصرية المواطنين قائلاً: 'أي شخص يملك ليرة قديمة سيتم استبدالها بليرة جديدة، والالتزام كامل حتى آخر قرش'.
لا خصم قسري للديون (Haircut)
من النقاط التي ركّز عليها حاكم المصرف المركزي السوري، الدكتور عبد القادر الحصرية رفضه القاطع لأي إجراء يشبه 'الخصم القسري للديون'، الذي يعني اقتطاع جزء من أموال المودعين لتعويض عجز الدولة.
وأوضح أن الثقة هي أساس التجارة والاقتصاد، وأن اللجوء لمثل هذه الإجراءات ربما يحقق أرباحاً لحظية، لكنه 'يدمر المستقبل ويقوّض الثقة'. وأشار إلى أن الدولة ملتزمة برد كامل الالتزامات المالية، بل إن الحكومة تعمل على إعادة حقوق قديمة للمواطنين منذ عقود، سواء كانت متعلقة بالتأمينات أو بقوانين إيجار مجحفة.
وبذلك حاول الحصرية ترسيخ صورة مفادها أن الثقة بين المواطن والدولة هي أساس عملية الإصلاح الاقتصادي.
القيود على السحوبات… أزمة ممتدة من الخارج
وحول ملف السحوبات المصرفية، أقر الحصرية بأن القيود الحالية ليست طبيعية، وأنها بدأت عملياً مع أزمة القطاع المصرفي اللبناني في أكتوبر 2019، ثم استمرت حتى تحولت إلى 'قاعدة' في الاقتصاد السوري.
وأكد أن المركزي في حوار مستمر مع المصارف المحلية للوصول إلى آلية تضمن حرية السحب دون قيود، معتبراً أن استمرار الوضع السابق 'غير اقتصادي ولا يمكن أن يستمر'.
العملة الجديدة جزء من الحل
ربط الدكتور عبد القادر الحصرية إصدار العملة الجديدة بقدرة المصرف على استعادة أدوات السياسة النقدية التي افتقدها في السنوات الماضية. فالمركزي يرى أن الإصلاح النقدي ليس غاية بحد ذاته، بل مدخل لإعادة الثقة وإحياء الدورة الاقتصادية.
لكنه في الوقت ذاته دعا المواطنين إلى الابتعاد عن السلوكيات الفردية التي قد تفاقم الأزمة، مثل الاكتناز المفرط أو التوجه إلى العملات الأجنبية، محذراً من أن 'التصرف الفردي الأناني يوقف النشاط الاقتصادي ويؤدي إلى الإفقار الجماعي'.
شراكة فنية مع صندوق النقد والبنك الدولي
رغم تعقيدات المشهد السياسي، كشف الحصرية عن وجود علاقة تعاون فني مع صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، من خلال اجتماعات دورية ومنح تقنية. وأشار إلى منحة بقيمة 147 مليون دولار لوزارة الطاقة ستدخل حيز التنفيذ عام 2026.
وشدد على أن الحكومة السورية اختارت 'المسار الأصعب والأصح'، أي الاعتماد على الاستثمار الحقيقي بدلاً من الإغراء بوعود ودائع خارجية قد تعطي دعماً مؤقتاً للاقتصاد. وبحسب قوله: 'الثروة الحقيقية هي الشعب السوري وموارده البشرية، في الداخل وفي الشتات'.
تحويلات المغتربين: شريان حياة
أحد الأعمدة التي يستند إليها المركزي في استراتيجيته هو تحويلات المغتربين. فقد كشف الحصرية أن التحويلات من الإمارات وحدها تتراوح بين 700 و800 مليون دولار سنوياً، وهي أرقام يرى أنها تعكس الثقة والارتباط العاطفي والاقتصادي للجاليات السورية بالخارج مع بلدهم الأم. وأكد أن سعر الصرف في السوق الرسمية أصبح متقارباً مع السوق السوداء، في إشارة إلى محاولة المركزي تضييق الفجوة وتشجيع التحويلات عبر القنوات النظامية.
إصلاح القطاع المالي: من الضمان إلى الشمول
في سياق الإصلاحات، أعلن الحصرية عن تأسيس هيئة ضمان الودائع، بهدف حماية أموال المودعين ومنح الثقة بالقطاع المصرفي. هذه الهيئة ستعمل تحت إشراف المصرف المركزي وبمساهمة من وزارة المالية والمصارف التجارية.
كما أشار إلى إطلاق برامج لتعزيز الشمول المالي، تشمل: إدخال خدمات الدفع الإلكتروني والحلول الرقمية. تأسيس مكتب للاستعلام الائتماني (Credit Bureau) يسمح بتقييم الجدارة الائتمانية للأفراد والشركات.
استهداف أربع فئات رئيسية: رواد الأعمال في التكنولوجيا، النساء، الشباب المتعلمين الباحثين عن دعم مالي، والفئات المهمشة. توفير منتجات مصرفية متنوعة بما في ذلك الصيرفة الإسلامية، لضمان تنوع الخيارات.
وصف الحصرية القطاع المالي بأنه 'الدورة الدموية للمجتمع'، مؤكداً أن نجاحه شرط لسلامة الاقتصاد ككل.
نحو 35 مصرفاً في أفق خمس سنوات
في رؤيته المستقبلية، توقع حاكم المصرف المركزي أن يشهد القطاع المصرفي السوري خلال خمس سنوات نمواً كبيراً ليضم ما بين 30 إلى 35 مصرفاً، بين محلي وأجنبي وعربي. كما توقّع أن تمتلك سوريا حينها سياسة نقدية فعالة قادرة على تحقيق النمو واستقرار الأسعار، مع عودة واسعة للاستثمارات والمشاريع الكبرى.
واستشهد الحصرية بتقديرات من 'مسؤولين كبار في صندوق النقد الدولي ووزراء مالية من دول مجموعة العشرين'، الذين وصفوا سوريا بأنها قد تكون 'نمر المنطقة المقبل'، على غرار تجارب فيتنام وغيرها.
من الرمزية إلى التطبيق
قرار حذف صفرين من العملة السورية يحمل أكثر من بعد. فهو تقني من حيث المبدأ، لكنه رمزي من حيث التوقيت، وسياسي من حيث ربطه بمرحلة جديدة توصف بأنها 'ما بعد الاستقلال'.
اختبار الثقة
تصريحات حاكم مصرف سوريا المركزي تعكس محاولة لإعادة رسم صورة الاقتصاد السوري كاقتصاد مقبل على إصلاحات جذرية، رغم ثقل الأزمات التي تراكمت خلال أكثر من عقد.
إلغاء صفرين من الليرة ليس مجرد خطوة محاسبية، بل اختبار للثقة: هل يصدق المواطن أن قيمة أمواله لم تتغير؟ هل يقتنع المستثمر بأن سوريا بيئة قابلة للنمو؟ وهل تنجح الدولة في بناء شبكة علاقات مصرفية دولية بعد عزلة طويلة؟
بين التفاؤل الذي عبّر عنه الحصرية بأن سوريا قد تصبح 'النمر الاقتصادي المقبل'، وبين واقع العقوبات ونقص السيولة وتحديات الثقة، يبقى الطريق مفتوحاً على احتمالات متعددة. لكن المؤكد أن الليرة الجديدة ستكون عنواناً لمرحلة لن تكون عادية في تاريخ الاقتصاد السوري.