تصفية العدوان

انتهت الجولة السادسة من اجتماعات لجنة مناقشة الدستور في جنيف إلى لا نتيجة، بسبب إصرار الطرف الآخر على إفشال هذه الجولة، حالها حال سابقاتها، ذلك عبر التهرب من الدخول بأيّ نقاش وطني جدي، وعبر تَبني طروحات منفصلة عن الواقع تَعكس مديات ارتهان هذا الطرف لقوى العدوان التي بدورها لم تفهم بعد أن ما تَطرحه وتَحلم به صار من الماضي الذي لن يعود بحال من الأحوال.

ملف كذبة الكيماوي الذي تَستحضره واشنطن للنفخ فيه مرة بعد مرة وكلما وجدت الحريق يلتهم ما تَبقى من أوراق تالفة بيدها، إذا ما أُضيف إلى أوامر العمليات التي تُوزعها على المُرتهنين لها بدءاً من المشاركين باجتماعات جنيف، مروراً بأنقرة، وليس انتهاء بأطراف دولية وإقليمية معروفة بالاسم، فإنّ لذلك دلالات لا تَخفى، يتأكد معها أن الولايات المتحدة كمركز قيادة تحالف العدوان ما زالت تراهن على إحداث تَغيير لمصلحتها عبر استخدام التنظيمات الإرهابية وباقي الأدوات التالفة، ذلك باجترار مُقزز للأكاذيب، وذلك بإعادة التجربة تَحصيلاً لنتائج أخرى بات القبض عليها ليس من الوهم بل من المُستحيل.

مشروع استهداف سورية، تَمزيقها، فَدرلتها، إسقاط دورها، سقطَ وانتهى أمره اعترفت الولايات المتحدة ومن التحقَ بها أم لم تَعترف، أما أن تُكابر وتُنكر وتُحاول الالتفاف على الناجز، فلها أن تَفعل لكن عليها أن تدرك أنّ لدى من تَمكن من إحباط المشروع العدواني من الإرادة والصلابة وفائض القوة والصبر الاستراتيجي ما يكفي ليس فقط لكتابة صفحات وطنية لا حصرَ لها، بل لديه من التصميم ما يكفي ويَفيض ليَستكمل ما بدأه في الدفاع والتصدي وصولاً إلى تصفية العدوان بإحراق جميع أوراقه وبتمزيق كل مخططاته وبتبديد الأحلام والأوهام الصهيو – أطلسية.

بما حققته سورية – جيشاً وشعباً وقيادة – لم تَرد دمشق العدوان عن نفسها ولا عن المنطقة فقط، بل به كَسرت مُعادلات سياسية وعسكرية إرهابية إقليمية ودولية كانت ستُحدث انقلاباً مَفاهيمياً عالمياً يَنقض مبادئ وأسس النظام العالمي القائم، ولذلك فإنّ حجم الأسطورة السورية في الصمود سيَبقى تَقديره خاطئاً أو غير دقيق ما لم يَلحظ أنّ ما حققته سورية مع حلفائها والأصدقاء يَتخطى كسر هذه المعادلات المعادية، إذ لا يمكن تجاهل حقيقة أنه على التوازي من تَمزيق المخطط وكسر معادلاته رَسّخت سورية معادلات قوة جديدة مُؤهلة للبناء عليها تَأسيساً لنظام عالمي آخر لا مكان فيه للتفرد والاستفراد، مُتعدد الأقطاب وربما أكثر قُرباً من الميثاق الأممي الذي ينبغي أن تَطرأ عليه الكثير من التعديلات الإيجابية.

ربما يَذهب البعض في قراءة التطورات إلى خلاف ما نذهب إليه، وربما يَرى أنه من المُبالغة الذهاب في التحليل والرؤية إلى الحدود التي لا تَخفى مُرتسماتها على مُتابع يُمسك بالتفاصيل ويُحاكمها. ولهؤلاء يكفي أن يُقال لهم وبمُنتهى الموضوعية: تَفقدوا لو شئتم بالموقع، أين كانت الولايات المتحدة ومُعسكرها في 2012، وأين هي ومن معها اليوم؟ ما الذي تَمتلكه من أوراق كاذبة اليوم مُقارنة مع ما امتلكته منها آنذاك، وهل تقف اليوم إلا على كَومة هراء تَغوص في رماد فَبركاتها وتَعلق في مُستنقع أوهامها؟.

نعم، إنّ سورية تَختتم بهذه الأثناء مراحل مُقاومة مُخططات العدوان وما انطوى عليه من مَشاريع، بتَصفيته كلياً، وبإعلان النهوض بدورها الوطني والقومي على نَحو آخر وهي أكثر قوّة وصلابة وثباتاً وتمسكاً بالجولان وفلسطين وبخط مقاومة الاحتلال ومناهضة سياسات الهيمنة والبلطجة الصهيو – أطلسية بالقيادة الأميركية المُتصهينة بديمقراطييها وجمهورييها.

العجزُ سمة أميركية أعمى من لم يَرها، والتراجع والانكفاء خيارٌ مُر قد لا يكون مُتاحاً سواه لواشنطن الخارجة للتو من أفغانستان بفضيحة تَرقى لمستوى أن تكون فضيحة العصر التي معها تتقلص خياراتها إلى حدود تُراوح بين حَدي الانتحار بارتكاب حماقات كُبرى أو العيش مسافة زمنية إضافية في الأوهام إذا كان الإنكار يَستهويها نَأياً عن الاعتراف بالواقع الذي تُحدث فيه الوقائع والمُعطيات بنبرة مُرتفعة إذا كانت لا تَستعجل الإعلان بأن اللعبة انتهت، فإنّ النُّطق بها صار قريباً أو وشيكاً.

صحيفة الثورة – الافتتاحية – *بقلم رئيس التحرير في 23 تشرين الأول / أكتوبر 2021م