اخبار سورية
موقع كل يوم -الوسط
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٢
الكتابة عامة, والمتواترة خاصة, هي أكثر المهمات بؤساً على وجه الأرض, لأنها أولاً: نوع من الفعل القهري, يُجبر العقل فيه على التكلف والتحذلق والاجترار والادعاء, فيما الروح خاوية على عروشها من أي احساس, وثانياً: لأنها تضطرك الى إثبات وتفسير ما ليس محتاجاً لدلائل وقرائن وتبريرات, لأولئك الذين لا يرغبون في معرفة حقائق الاشياء, بقدر ما يرغبون في أن تأتي الحقائق مؤكدة لما يفكرون, ويعتنقون, وهو أمر يُحول فعل الكتابة, الى حالة أشبه بصيد التماسيح, الخطر فيها كبير, والصيد دموعه ليست رحمة ولا استرحام, بل مجرد مؤشر على سيلان اللعاب, لتكتشف انك انت المصطاد!!
لكن رغم البؤس, أمارس فعل النزيف الأسبوعي عن بلدي, وأشعر أن ذلك واجباً محروساً بالأرق عندي, لأن هناك كثيراً من القصص تستحق, في حربنا المجنونة هذه, ليس فقط للكتابة عنها, بل أيضاً للتواضع والتصاغر أمامها, والتبرك بكتابتها, لأنها حكايات أبرمت مع التاريخ اتفاقاً على الخلود والأبدية, وبايعها الصبر ملكة متوجة على كل صبر, وسردية تبدو سرمدية, يجب أن تروى, لأنها شبيهة بالدنيا, وظلالها, وواسطة العقد بين خيرها وشرها, جمالها وقبحها, وحد بين حدين, يعيش بينهما السوريون بلا أحد!؟
خاصة وأن تفاقم سوء الأوضاع المعيشية جراء القرارات الحكومية, التي ربما تكون قهرية, إلا أنها في غير مكانها وزمانها, وضعت الجميع في حالة رعب حقيقي من الراتب العجوز المتهالك في مواجهة غيلان السوق, حيث تتحدد مكانة المرء ونمط حياته وفقاً لأسعار هذا السوق, فأنت في بلادنا ما تملك, وما تستطيع أن تمتلك, فطوبى للموظفين في بلادنا, فهم منذرون للوجع, ولا عزاء في عريهم, رغم أنف أغنية صباح ' عل بساطة البساطة', لأنهم يسيرون كل يوم في الشوارع الحزينة, والتصريحات والتبريرات الحكومية أشبه بالسكين المغروس كالراية في الظهر, دليلاً على أننا في ساحة حرب يتقاتل فيها مهرجين على أصباغ الوجه, ويشقيهم أن وجوهنا بلا صبغ!!
والمشكلة أن هذه التبريرات المستفزة, وغير المدروسة صارت أشبه بروايات 'عبير', أو السجال المحموم بين عشاق مخضرمين لكرة القدم على قهوة رصيف, يُرجعون فيه خسارة فريقهم المحبوب إلى سوء الأحوال الجوية, وأخطاء التحكيم, والأهم تلك العارضة الفظة التي اعترضت الكرة, والتي لولاها لفاز الفريق, والأدهى أن من يبررون يظنون أنهم قادرين على إقناعنا بما يقولون, وكأن ما يقولونه مجرد 'اقتباس' عارض من دفتر يوميات طافح بالبهجة والفرح, والوعد بأن الزمان عائد بالزمان!؟
وها نحن منذ عشر سنوات, نتجول في الاقتباس, ونتعرق خجلاً, وسكاكين الخيبة تمزقنا قطعاً, لا نملك الكثير من الخيارات, ونشعر وكأن الهواء مات, والطريق مات, والبشر, والشجر, والرصيف, والسفر, والرحيل, ونحن مقيمون في قاعة انتظار, بلا أحد, سوى أصوات البشر تخاطب الرب, تسأله: غامر آدم بأكل التفاح, ربما من الضجر, وعوقب بالنزول إلى الأرض!؟ والغريب أن أول ما فعله, هو زرع التفاح, فقضينا العمر نأكل من الشجر المحرم, وندفع أثمان خيبات لم نشارك في اقترافها, أما آن الأوان أن تنتهي عقوبته وسلالته, أما آن أوان الفرج, أما أننا سنمضي العمر تحت رحمة عواقب قرارات خاطئة, وتبريرات أشد فتكاً من تلك القرارات, أدخلتنا جميعاً في العارضة!؟
صفحتنا على فيس بوك