اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٥ أذار ٢٠٢٥
في رمضان هذا العام، لم تكن الدراما كما عهدناها، ولم تكن المسلسلات محور أحاديث السوريين كما جرت العادة. فالحدث السوري بتعقيداته المتلاحقة، من فرح عابر إلى فاجعة مفاجئة، طغى على تفاصيل الحياة اليومية، وحتى على تلك التقاليد الرمضانية التي لطالما منحت الناس مساحة للهروب المؤقت من الواقع.
ومع ذلك، وسط هذه العواصف التي تعصف بالوعي الجمعي، خرج مسلسل نسمات أيلول، الذي يعرض على 'تلفزيون الثانية'، كاستثناءٍ ناعم، ليذكّرنا بما نسيناه: دفء العائلة، وضحكات الجيران، وسهرات السطح في ليالي الصيف. وكأن العمل جاء ليقول لنا إننا كنّا يوماً ما شعباً يعيش، لا فقط ينجو.
المسلسل الذي أخرجه يزن هشام شربتجي بالتعاون مع رشا شربتجي، وكتبه علي الصالح، قدّم بانوراما إنسانية عن العائلة السورية، كما عرفناها قبل أن تغدو فصولها ممزقة بين منفى وسجن وقبر. في كل حلقة، يمرّ مشهد يجعلنا نقول: 'هذا نحن.. كنّا هنا'، وكأن الكاميرا لا تصوّر مشهداً تمثيلياً بقدر ما تنبش أرشيفًا وجدانياً جماعياً.
نخبة من الممثلين السوريين جسّدوا أدوارهم بحساسية عالية، وعلى رأسهم صباح الجزائري بدور 'أمينة'، الأم التي تقاوم الانهيار بالصبر، ونادين تحسين بيك التي تعيد تعريف دور المرأة الهامشية في الحكاية لتصبح مركزها، وغيرهم من الأسماء التي منحت الحياة للمشهد، لا العكس.
لكن، وبالرغم من جماليات العمل وحنينه النقي، لا بد من التوقف عند بعض النقاط النقدية. فالمسلسل، في سعيه لتقديم صورة دافئة عن المجتمع السوري، وقع أحيانًا في فخ التجميل المبالغ به للماضي، وتجاهل التناقضات التي كانت موجودة حتى في 'زمن الأمان'. كذلك، لم تخلُ بعض الحوارات من سطحية أو مباشرة زائدة، وهو ما قلل من وقعها العاطفي في بعض الأحيان.
'نسمات أيلول' نجح فيما عجزت عنه نشرات الأخبار
ومن جهة أخرى، بقي الإيقاع الدرامي متذبذباً، حيث توزّعت بعض الحلقات بين مشاهد مؤثرة وأخرى بدت وكأنها 'حشو' لا يضيف إلى السرد أو الشخصيات شيئًا يُذكر. كما بقي الريف السوري، على أهميته، في خلفية المشهد، وكأن ما جرى هناك ليس جزءًا من الحكاية الكبرى.
ومع ذلك، فإن 'نسمات أيلول' نجح فيما عجزت عنه نشرات الأخبار وخطب السياسيين: أعاد إلينا بعضاً من شعورنا الضائع، جعلنا نضحك على مشهد عفوي، ونبكي من غصة قديمة نسينا أنها لا تزال داخلنا. في زمن يتحدث فيه الجميع عن الخرائط والتحالفات والخطط الاقتصادية، جاءت هذه الدراما لتقول: لا تنسوا البيوت.
في كل بيت سوري اليوم، قصة فقد. قليلون هم من لم يتذوقوا مرارة الرحيل القسري، أو لم يعرفوا اسم معتقل أو شهيد. وربما لهذا السبب بالذات، بدا 'نسمات أيلول' كأنه جرعة أمل أو ربما عزاء فني، نحاول من خلاله أن نرتّق ما تمزّق.
هل يكفي الحنين كي نصنع دراما ناجحة؟ لا. لكن في حالتنا السورية، لعل الحنين هو ما تبقّى لنا لنحكيه، على الأقل إلى أن تتسع فسحة الأمل أكثر، ويتحوّل أيلول 'السوريين' إلى ربيعٍ دائم.