اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٤ نيسان ٢٠٢٥
نشرت منصة Special Eurasia تقريراً تحليلياً يسلط الضوء على التحولات في السياسة الخارجية الإيرانية، خصوصاً في أعقاب تراجع نفوذ طهران في سوريا بسبب خسارة قادة بارزين من وكلائها وانهيار نظام الأسد، الحليف الاستراتيجي لإيران. ويركز التقرير على تصاعد أهمية أفغانستان في الاستراتيجية الإيرانية الجديدة، حيث تسعى طهران لتعويض خسائرها في المنطقة من خلال استثمار حالة الفوضى في أفغانستان، وتطوير علاقات براغماتية مع حكومة طالبان رغم الخلافات الأيديولوجية العميقة.
يتناول التقرير، الذي يتسم بالعمق التاريخي والتحليل الاستراتيجي، كيف تحاول إيران إعادة رسم خرائط نفوذها الإقليمي من خلال أدوات دبلوماسية وأمنية واقتصادية في الساحة الأفغانية، في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعداً في التوترات وتغيراً في موازين القوى.
فيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير إلى اللغة العربية:
تعاظم الدور الاستراتيجي الذي خلقته إيران في أفغانستان عقب انهيار نفوذها في سوريا، فخسارتها لقادة أهم الجماعات الوكيلة لها، وانهيار نظام الأسد في سوريا والذي كان حليفاً موثوقاً لطهران على الصعيد الجغرافي، أجبر إيران على البحث عن بدائل أخرى.
وعليه، فإن المبادرات البراغماتية التي تبديها طهران اليوم تجاه نظام طالبان في أفغانستان على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية العميقة بينهما توحي بأن إيران أصبحت تستثمر في حالة الفوضى المنتشرة بأفغانستان وذلك لتعوض ما خسرته من أمور استراتيجية في بلاد الشام.
ولكن، هل ستصبح أفغانستان الجبهة الاستراتيجية القادمة بالنسبة لطهران بعد سقوط نظام الأسد في سوريا؟
لمحة تاريخية
خلال الحقبة السوفييتية (ما بين عامي 1979-1989) وفي الوقت الذي قدمت دول الخليج والولايات المتحدة دعماً مستمراً لحركة المجاهدين ضمن إطار استراتيجيتها الكبرى المناهضة للاتحاد السوفييتي، دعمت إيران جماعات المقاومة الشيعية مثل سازماني نصر أي منظمة النصر وسباهي باسداران أي جيش الحماة. وفي عام 1988، عملت طهران على تسهيل دمج العديد من فصائل الهزارة ضمن حزب وحدتي إسلامي، أي حزب الوحدة الإسلامية، كما واصلت دعمها لهذا لحزب طوال الحرب الأهلية الأفغانية التي أعقبت ذلك.
وفي عام 1997، اعترفت السعودية بحكومة طالبان، في حين دعمت إيران الجبهة الإسلامية الموحدة لإنقاذ أفغانستان (والتي تعرف لدى الغرب أيضاً باسم 'التحالف الشمالي'، وزاد التزام طهران عقب المجزرة التي وقعت في عام 1998 والتي حصدت أرواح آلاف المدنيين من الهزارة، واغتيل خلالها تسعة دبلوماسيين إيرانيين على يد قوات طالبان في مدينة مزار شريف الواقعة بشمالي أفغانستان.
وعقب هجمات 11 من أيلول عام 2001، تعاونت طهران مع الولايات المتحدة على إسقاط نظام طالبان، حيث مدت طهران التحالف الذي ترأسه الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية مهمة إلى جانب تأييدها ودعمها له، كما لعبت دوراً مهماً في مؤتمر بون الذي أسست بموجبه حكومة أفغانية بعد انتهاء حكم طالبان.
ومؤخراً، تسبب الانسحاب الأميركي وانسحاب حلف شمال الأطلسي من أفغانستان في أيلول من عام 2021، والذي تلاه انهيار حكومة أشرف غني، في ظهور أزمة إنسانية واقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة في هذا البلد، كما أن تولي طالبان لمقاليد الحكم أثار مخاوف كبيرة لدى إيران، بما أن طالبان تهدد بارتفاع منسوب التطرف والإرهاب في المنطقة، مما قد يدفع لظهور موجة هجرة جماعية، ويهدد بزيادة الاتجار بالمخدرات.
ولذلك، وعقب أول اجتماع افتراضي أقامته باكستان في الثامن من أيلول عام 2021، أقامت طهران اجتماعاً ثانياً لوزراء خارجية الدول المجاورة لأفغانستان في 27 من تشرين الأول من عام 2021، وأبدت من خلالها استعدادها للعب دور محوري في الملف الأفغاني.
يذكر أنه منذ مطلع عام 2019، أعربت الإدارة الأفغانية عن مخاوفها بصورة غير رسمية، وذلك فيما يتعلق بوجود آلاف المقاتلين الشيعة الذين حاربوا في سوريا إلى جانب الأسد، لأن هؤلاء يشكلون تهديداً في حال عودتهم إلى أفغانستان.
وفي تموز من عام 2021، وبعد فترة قصيرة من انهيار إدارة غني، نشرت الصحافة الإيرانية معلومات تفيد بأن تكثيف طالبان للأعمال الهجومية أدى إلى ظهور حشد كبير بين الشيعة في أفغانستان، وخاصة بعد أن استسلمت العشرات من المقاطعات الأفغانية لطالبان، ما أدى إلى ظهور جماعة شيعية مقاتلة عرفت باسم الحشد الشيعي.
السيناريو المحتمل على الصعيد الجيوسياسي
كان نظام بشار الأسد ركيزة استراتيجية مهمة بالنسبة لإيران، وخاصة فيما يتصل بدعم عمليات فيلق القدس وتسهيل انتشار الميليشيات التابعة لإيران في عموم بلاد الشام، وذلك لأن سوريا لعبت دور صلة وصل مهمة فيما يعرف باسم 'الهلال الشيعي'، وهو عبارة عن محور بري يصل إيران بلبنان عبر العراق وسوريا، كما استفاد فيلق القدس الإيراني من الأراضي السورية التي استخدمها كقاعدة لتدريب الميليشيات التابعة له وتنسيق عملياتها ونشرها.
وعبر حماية مراقد شيعية مهمة في سوريا، مثل مرقد السيدة زينب، عززت إيران شرعيتها الدينية واستقطبت مقاتلين شيعة من مختلف بقاع العالم، فدعمت بذلك نفوذها الثقافي والأيديولوجي في المنطقة.
وفي الوقت الذي لا يمكن لأفغانستان أن تحل محل سوريا على المستوى الجغرافي، بما أن سوريا كانت صلة وصل مع لبنان، نراها وقد تحولت إلى فرصة أمام التسرب الديني والثقافي لإيران نظراً لوجود خلفية تاريخية مشتركة بينهما، والأهم من ذلك أن بوسعها أن تتحول إلى مكان يمكن من خلاله للجماعات التابعة لإيران أن تمارس نشاطاتها، ثم إن الوجود الإيراني في أفغانستان بات مهماً نظراً للتهديد الذي تمثله الجماعات المرتبطة بأفغانستان.
ولطالما مثل 'الإرهاب السني' في المنطقة تهديداً لأمن إيران على المستوى الداخلي وعلى الطائفة الشيعية في المنطقة، إذ ظهر تنظيم الدولة - ولاية خراسان في عام 2014 ليقف ضد الشيعة في أفغانستان.
ثم إن الهجوم الإرهابي الذي نفذ في الثالث من كانون الثاني عام 2024، في مقبرة الشهداء بولاية كرمان الإيرانية خلال مراسم إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني، كان حدثاً مهماً هز تلك الدولة الشرق أوسطية، كونه سلط الضوء على وجود خرق أمني داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فظهرت بذلك حاجة فورية لمعالجة مشكلة أمن الحدود وأمن البلد من الداخل، ومن جهة ثانية، كان ذلك الحدث رمزياً، وذلك لأن قاسم سليماني المعروف في الداخل الإيراني بالجنرال المناهض للإرهاب كان شخصية عسكرية إيرانية مهمة لعبت دوراً محورياً في محاربة تنظيم الدولة، كما أنه كان مهندس شبكة أذرع إيران في الشرق الأوسط.
وعلى خلفية حرب إسرائيل على غزة، واغتيال أهم القيادات التابعة لإيران هناك، وانهيار النظام السوري الذي عمل عمل صلة وصل جغرافية ووفر قاعدة للجماعات الإيرانية، بات لزاماً على طهران أن تحافظ على موقفها ومكانتها الإقليمية وذلك عبر البحث عن خيارات استراتيجية جديدة، وقد دفعت تلك التطورات إيران إلى إطلاق مبادرات بوسعها أن تخلق لها نفوذاً جديداً في أفغانستان على الرغم من جدلية هذا النوع من المحاولات.
وفي هذا السياق، كشف تقرير أممي صدر عام 2024 عن وجود ملاذات آمنة لتنظيم القاعدة في كل من محافظات هرات وفراه وهيلمند، وهذا ما ساعد التنظيم في تدبير تحركات عناصره بين أفغانستان وإيران، ووفقاً لذلك، اعتقدت كل من الأمم المتحدة ووزارة العدل الأميركية بأن سيف العدل قائد تنظيم القاعدة موجود في إيران.
تتسم علاقة إيران مع تنظيم القاعدة بتفاعل معقد ما بين البراغماتية الاستراتيجية والتباعد الأيديولوجي، ولهذا يبدو بأن الدافع وراء قرار طهران القاضي باستضافة شخصيات معينة من تنظيم القاعدة هو الرغبة بممارسة النفوذ على تلك الجماعة، إلى جانب جمع المعلومات الاستخبارية، فضلاً عن الاستعانة بتلك الشخصيات كورقة للضغط في المفاوضات الجيوسياسية التي تتصل بأمور أبعد. إذ عقب حل الاتحاد السوفييتي، طبقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نهجاً مشابهاً فيما يتصل بالجماعات السنية الآتية من دول أخرى موجودة في وسط آسيا.
وإلى جانب أنشطة الشبكات التابعة لإيران وعلاقاتها بالجماعات الأخرى الموجودة في المنطقة، نجحت طهران في المجال الدبلوماسي، إذ على الرغم من عدم اعترافها بحكومة طالبان في كابول بشكل رسمي، سلمت إيران السفارة الأفغانية في طهران بشكل رسمي لدبلوماسيين عينتهم طالبان وذلك في 26 من شباط من عام 2023.
وعلاوة على ذلك، أسست الدولتان أطر عمل قائمة على التعاون في مجال التجارة (وذلك عندما أسستا على سبيل المثال غرفة التجارة المشتركة والمناطق الاقتصادية الخاصة)، وكذلك في مجال العبور (مثل مشروع تشاباهار للعبور وسكة حديد خاف-هرات)، وعالجتا النزاعات المتعلقة بالمياه بطريقة دبلوماسية.
يعتبر انهيار نظام الأسد في سوريا بمثابة نكسة مزدوجة بالنسبة لإيران، وذلك لأنها خسرت بذلك صلة وصل مهمة على المستوى الجغرافي كانت من خلالها تنشر نفوذها في عموم الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، فتح ظهور حكومة سورية جديدة الباب أمام توسع النفوذ التركي، بما أن تركيا تعتبر خصماً لإيران ومنافسة إقليمية لها.
من دون تخصيب اليورانيوم.. واشنطن تلمح إلى إمكانية امتلاك إيران ببرنامج نووي سلمي
وعلى الرغم من عدم اشتراك أفغانستان بالمزايا الجغرافية نفسها التي تتمتع سوريا بها، بوسعها أن تتحول إلى قاعدة بديلة أمام الأنشطة الإيرانية، حتى وهي تحت سيطرة نظام طالبان المعادي لإيران. إذ منذ مطلع عام 1988، سعت إيران لإقامة موطئ قدم لها في أفغانستان وذلك عبر تأييدها ودعمها لتأسيس حزب الوحدة الإسلامية، وقد عمدت من خلال ذلك إلى تقليد النموذج الذي نجحت بتطبيقه مع حزب الله، وذلك عندما حولت تلك الحركة التي خاضت حرب عصابات إلى كيان سياسي يدعم المصالح الإيرانية.
وفي الوقت الذي منيت جهود إيران في تسربها إلى مؤسسات الدولة الأفغانية بالفشل في ذلك الحين، أصبح لدى طهران اليوم تشكيلة واسعة من الأدوات التي بوسعها الاستعانة بها لاستغلال حالة انعدام الاستقرار في أفغانستان اليوم، كما بوسعها أن تستغل عجز طالبان وتقاعسها عن نشر الأمن بصورة فعالة في ذلك البلد.
المصدر: Special Eurasia