اخبار سوريا
موقع كل يوم -سيريانديز
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
سيريانديز ـ نجوى صليبه 'الاغتراب لا علاقة له بالجغرافيا' بهذه العبارة أجاب الكاتب والصّحفي محي الدّين اللاذقاني على سؤال صّحفي جزائري عن الاغتراب، لكنّه وأمام جمهور من مثقفين وأدباء ـ يرونه أوّل مرّة وجهاً لوجه بعد أن كانوا يتابعونه عبر الشّاشات ـ أضاف على تلك العبارة: 'الغربة صنعت مني شيئاً مختلفاً لم أكن أتوقّعه، ففي عام 1973 تقريباً غادرت البلد بعد أن أخبرت أهلي بأنّي سأعود بعد أسبوع، وذهبت إلى بيروت، ثمّ بدأت الحرب الأهلية هناك، وتحوّل الأسبوع إلى أربعين عاماً كنت خلالها مثل المؤرّخين الذين يحاولون الاحتفاظ بالدّليل المادّي'. ومثله مثل كثير من السّوريين الذين لم يفارقهم وطنهم لحظة في بلاد الاغتراب، كذلك كان اللاذقاني، يقول: 'حملنا الوطن في قلوبنا وعلى أكتافنا، وساعدتنا اللغة في ذلك، لكن وأنا قادم إليكم، خطر لي ما هي المستحاثات المادّيّة التي حملتها لأؤكّد أنّي سوريّ من هذا الوطن، ووجدت لديّ 100 ليرة سورية أحتفظ فيها منذ زمن، ودفتر عائلة.. تصوروا أنّي أعيش بدفتر عائلة من دون عائلة، وهذه مشكلة لا يفكّر فيها من لا ينتمي إلى جغرافيا محددة، لكن مع مرور الزّمن وعندما نجد كلّ العالم يتغير إلّا وطننا ينشأ في داخلنا ماردٌ من نوع خاصّ'. ويتابع اللاذقاني: 'لم أستطع مقابلة أدباء سورية الحقيقيين إلّا في المنفى، لكننّي دائماً وجدت في الثّقافة السّورية ذلك العنفوان الذي يخلق في كلّ جيل مجموعة تقاوم بالفعل ولا تستكين، كان لدينا بدويّ الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني، كلّ هؤلاء قاوموا الظّلم بالفعل، وكلّ ما وصل إلينا من حجم معاناتهم قليل'. وبالانتقال من الغربة بسلبيّاتها وإيجابياتها إلى موضوع النّدوة التي قدّمها في صالة اتّحاد الكتّاب العرب تحت عنوان 'المثقّف والسّلطة'، قال اللاذقاني إنّنا اليوم نعيش في مرحلة انقراض المثقّف، معللاً ذلك بأنّ كلّ النّاس صاروا مثقّفين، وبأنّ هجمة مواقع التّواصل الاجتماعي جعلت من الصّعب التّمييز بين الحقيقي والعميق من السّطحي، ومنوّهاً بأنّ تركيز المثقّف على المكاسب يفقده حريته ويفقد شيئاً من ذاته ومن خياله، وبأنّ التّقوقع الثّقافي لا يتناسب أبداً مع نفسيّة المثقّف، وأنّ الثّقافة حرّة وتقاوم كلّ الكبت وتحتاج إلى فضاء لا إلى من يمليها ما تفعل، ويضيف: 'عملت في صحف كبرى وأماكن كثيرة، وما ساعدني على الصّمود وعدم الانحراف هو أنّ طموحاتي المادّية محدودة'. ولم يركّز اللاذقاني على المثقّف المنفي فحسب، بل تحدّث عن مثقّفي الدّاخل الذين دفعوا ثمن مواقفهم، كما تحدّث عن الخوف الذي يسيطر على المجتمع، يبيّن: 'هذا الخوف الذي سيطر على المجتمع والذي بدأ يضمحل يحتاج منّا إلى وقفة، حينما أقول إنّنا في بداية ثقافة حرّة سأحتاج إلى إلغاء الرّقابة، فضمير المثقّف هو وحده من يحاسبه، وأقول لكلّ مثقّف يجب أن يتمتّع بالمصداقية، فبعض النّاس يعدون المثقّف شخصاً غير منتمٍ وهامشيّ وغير مبالٍ، لكن الوطن الحقيقي والثّقافة الحقيقة لا تقول لنا إلّا أن ننتمي إلى شعبنا وضميرنا'، مؤكّداً أنّ التّسامح سمة من سمات المثقّف، وآملاً بأن يتغير الخطاب ويقوم المثقّف السّوري بمراجعة مواقفه وانتقاد بعضها. وكما العادة في هكذا ندوات فكريّة ومواضيع إشكالية، تنوّعت المداخلات والآراء، ليختم محي الدّين اللاذقاني أخيراً بتفاؤل بواقعٍ ثقافيّ قادمٍ أجمل.