اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
نشرت وكالة 'رويترز'، اليوم الاثنين، تقريراً مطوّلاً تضمن تقييماً للتحديات والآفاق المتعلّقة باتفاق الطاقة الضخم الذي وقّعته الحكومة السورية قبل أيام، مع تحالف شركات، تقودهم قطر.
وقال التقرير إن قطر تعهدت بمساندة سوريا المتضررة من الحرب، في إعادة الإعمار، غير أن استثماراتها المقدرة بـ7 مليارات دولار في محطات طاقة جديدة، قد تفقد قيمتها، ما لم توقف دمشق أعمال النهب التي تقوم بها جماعات مسلحة تستهدف كابلات الكهرباء بمعدل يفوق قدرة الحكومة -محدودة الموارد- على الإصلاح.
وكان تحالف دولي بقيادة شركة 'يو سي سي هولدنجز' القطرية قد أعلن عن هذه الصفقة الأسبوع الماضي، والتي من المتوقع أن تسهم في زيادة كبيرة في قدرة سوريا على إنتاج الطاقة الكهربائية.
ويمثل هذا الإعلان أكبر استثمار أجنبي في سوريا منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق الشهر الماضي.
ويقول تقرير رويترز، إنه بالنسبة للإسلاميين الذين أطاحوا ببشار الأسد في كانون الأول الماضي، يُمثل هذا المشروع خطوة حاسمة لإعادة تأهيل البنية التحتية السورية، بينما يسعون لإحياء الاقتصاد وإعادة الأمل لشعب أنهكه الصراع خلال 14 عاماً.
لكن، لكي يشعر السوريون بهذه الفوائد، يتعيّن على الحكومة أولاً إصلاح شبكة نقل الكهرباء. حيث أدّت سنوات من الإهمال إلى تدهور واسع النطاق في محطات التحويل والأبراج، بينما تواصل عصابات النهب سرقة الكابلات والمكونات الأخرى.
فقد بات ثلثا الشبكة إما مدمراً بالكامل أو بحاجة إلى إصلاحات جذرية، بتكلفة تقدّرها وزارة الطاقة حالياً بـ5.5 مليار دولار، وهي أموال غير متوفرة لدى الدولة، مما يستدعي البحث عن مستثمرين من القطاع الخاص أو جهات مانحة أخرى.
وأفاد وزير الطاقة محمد البشير لرويترز أن المشاريع التي تقودها قطر - والمتمثلة في أربع محطات كهرباء تعمل بتوربينات غازية دورة مركبة إضافة إلى محطة للطاقة الشمسية - ستستغرق ثلاث سنوات لتصبح جاهزة للتشغيل الكامل. وأضاف الوزير في تصريحاته: 'قد نتمكن خلال تلك الفترة من إكمال إعادة تأهيل شبكة الكهرباء'.
يذكر أن شبكة الكهرباء كانت تصل إلى 99% من السوريين قبل عام 2011، أما اليوم فلا يتجاوز إنتاجها خُمس طاقتها الإنتاجية قبل الحرب، مع تعرض جزء كبير من هذا الإنتاج المحدود للسرقة. ولا تقتصر المشكلة على سرقة الكابلات والمعدات فحسب، بل تمتد إلى التوصيلات غير القانونية للتيار الكهربائي.
ينعكس هذا الواقع بشكل مباشر على حياة المواطنين الذين لا يحصلون سوى على بضع ساعات من الكهرباء يومياً، حتى في العاصمة دمشق حيث ينتشر دخان المولدات الكهربائية العشوائية. واضطر السوريون إلى إعادة تنظيم حياتهم اليومية وفقاً لجدول انقطاع التيار، حيث يستيقظون مبكراً لإنجاز أعمال مثل الغسيل أثناء توفر الكهرباء.
وتتفاقم الأزمة مع صعوبة حفظ الأغذية بسبب انقطاع التيار، مما يضطر العائلات لشراء احتياجاتها اليومية فقط من الطعام الطازج. ويشكل هذا الملف أحد أهم التحديات التي تواجه الرئيس المؤقت أحمد الشرع في سعيه لإحياء الاقتصاد الوطني، خاصة بعد رفع العقوبات الشهر الماضي، وفي ظل استمرار صعوبات الحكومة في بسط سيطرتها مع انتشار الجماعات المسلحة.
وفي أعقاب سقوط نظام الأسد، انتشرت عصابات النهب التي أسقطت أبراج نقل الكهرباء في مختلف أنحاء البلاد لبيع النحاس والألمنيوم في السوق السوداء. وتظهر المشاهد حول محطة دير علي - أكبر محطات توليد الكهرباء جنوب دمشق - كابلات مقطوعة تتدلى من أبراج نقل أصبحت عديمة الجدوى.
وصرح خالد أبو دي، رئيس المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، لرويترز بقوله: 'تعمل فرقنا في مكان بينما يتم النهب في مكان آخر'، مما يعكس حجم التحديات التي تواجه إعادة إعمار قطاع الطاقة في سوريا.
أفاد المسؤولون بأن أكثر من 80 كيلومتراً (50 ميلاً) من الكابلات الكهربائية في جنوب سوريا قد تعرضت للنهب منذ سقوط نظام الأسد، مشيرين إلى أن عمليات النهب في شرق سوريا أحبطت محاولات إعادة تأهيل خط نقل رئيسي. وأوضحوا أن القوات الأمنية تقدم حالياً الدعم لتأمين الخط، لكنهم أشاروا إلى صعوبة تأمين خط بطول 280 كيلومتراً (170 ميلاً) بالكامل.
من جانبه، قال أحمد الأخرس الذي يقود جهود إعادة تأهيل الشبكة في الجنوب إن فرقه تشهد بشكل متكرر عمليات نهب لكنها عاجزة عن التدخل لأن اللصوص عادة ما يكونون مسلحين. وأضاف في تصريح لرويترز: 'مستودعاتنا شبه خاوية، ففي الأشهر الماضية فقط سُرق 130 طناً من موصلات الألمنيوم عالية الجهد بين مدينتي السويداء ودرعا'.
هذه التصريحات تكشف حجم التحديات التي تواجه إعادة إعمار البنية التحتية للكهرباء في سوريا، حيث تتجاوز مشكلة النهب المنظم قضية سرعة الإصلاحات، لتصل إلى مسألة الأمن والاستقرار. وتشير الأرقام إلى نطاق واسع من التدمير والسرقة المنظمة التي تستهدف بشكل خاص مكونات الشبكة الكهربائية القيّمة، مما يعيق جهود إعادة الخدمة إلى مستوياتها السابقة ويطيل من معاناة المدنيين.
وأوضح خبير قطاع الطاقة السوري، غيث بلال، أن سوريا لا تزال في مراحلها الأولى للتعافي من الحرب، مما يجعلها وجهة عالية المخاطر للمستثمرين بسبب غياب عناصر أساسية مثل عملة مستقرة، وقطاع مصرفي يعمل بكفاءة، وأمن مستقر. وأضاف أن انعدام الأمن وعدم السيطرة الكاملة على الأراضي يعيقان جهود الحكومة لإصلاح شبكة الكهرباء.
من جهته، قال وزير الطاقة محمد البشير إن الحكومة تعوّل على القطاع الخاص ليلعب دوراً رئيسياً في إصلاح الشبكة، حيث يمكن للشركات التعاقد مع الدولة كمقاولين. وفي إطار هذه الصفقات، سيتمكن المستثمرون من بيع الطاقة مباشرة للمستهلكين لاسترداد استثماراتهم.
وأكد المتحدث باسم وزارة الطاقة أحمد سليمان أنه منذ إعلان ترامب رفع العقوبات، أبدت شركات من الصين والولايات المتحدة وقطر وتركيا اهتماماً بالاستثمار في شبكة الكهرباء السورية. ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة في ظل الوضع الأمني الهش والبنية التحتية المتضررة بشدة.
وقال إن الخطط الحكومية تتوقع أن يستأجر مستثمرون من القطاع الخاص محطات تحويل وخطوط نقل عالية الجهد حتى يستردوا استثماراتهم. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه المستثمرين في أن الكهرباء في سوريا كانت مدعومة بشكل كبير منذ فترة طويلة، إذ كان المستهلكون في ظل حكم الأسد يدفعون جزءاً ضئيلاً من التكلفة الحقيقية. وقال سامر ضاحي، الباحث في قطاع الكهرباء في المعهد اللبناني لدراسات السوق، إنه مع وجود 90٪ من السوريين تحت خط الفقر، فإن أي رفع للدعم سيكون تدريجياً. ومع ذلك، يرى بعض المستثمرين مجالاً لخفض سعر البدائل المؤقتة الحالية، مثل المولدات الخاصة. ويتوقع رجل الأعمال السوري ضياء قدور، الذي يخطط لاستثمار 25 مليون دولار في شبكة الكهرباء في شمال سوريا، تقديم أسعار أقل بكثير من المستويات التي يدفعها المستهلكون الذين يعتمدون على هذه البدائل حالياً.
ومن خلال شركته المرخصة في تركيا، STH Holding، صرّح قدور بأن خطته الأولية تتمثل في إمداد ما يصل إلى 150 ألف منزل في ريف حلب بالكهرباء، بالاعتماد على الطاقة من تركيا المجاورة.
وهو متفائل رغم التحديات، مستشهداً بخبرته في العمل بالشمال، حيث لطالما كان لتركيا نفوذٌ كبيرٌ كداعمٍ رئيسي لمعارضة الأسد.
وقال: 'أفضل ما نملكه هو وجودنا على الأرض منذ خمس سنوات'.